الساحة الثقافية.. الحصاد المر لولا القمة / الولي ولد سيدي هيبه

الثقافة هي التراث الفكري الذي تتميز به جميع الأمم عن بعضها البعض، حيث تختلف طبيعة الثقافة وخصائصها من مجتمع لمجتمع آخر، وذلك للارتباط الوثيق الذي يربط بين واقع الأمة وتراثها الفكري والحضاري، كما أن الثقافة تنمو مع النمو الحضاري للأمة، و تتراجع مع ذلك التخلف الذي يصيب تلك الأمة، 

وهي التي تعبر عن مكانتها الحضارية بالثقافة التي وصلت إليها.

و بالطبع فإن تطور الأمم و حضورها الإيجابي في دائرة الحراك الأممي يقاس بمستوى إنتاجها من الثقافة في مفهومها الواسع و من الفكر في مفهومه التخصصي الإرشادي التقويمي علما بإن كل الحضارات الإنسانية قد أسهمت ضمن حركة التاريخ منذ كان الإنسان و رغم تفاوت عطائها و إشعاعها في مسيرة كل البشرية من البدائية الأولى إلى عصر الأنوار و الإعجاز العلمي و الإشعاع الفكري التنويري المحير. فالحضارة الصينية القديمة هي من أنتجت الورق و أنتجت الحرير من ترية دودة القز و أسهمت في الطب و ازدهار الحكمة المنتجة مع كونفشيوس الفيلسوف المتأمل و الحكيم، و الحضارة الهندية أعطت الصفر لتتكشف أسرار بعض ظواهر الكون المحيرة قديما و ينطلق العلم في رحاب الرياضيات، و الحضارة اليونانية أسهمت مع سقراط في وضع أسس الدولة المحكومة بوجود المؤسسات و من بعدها روما التي عرفت مداولات الشيوخ المنتخبين من طرف العب في شؤون الحكم و أنجبت للعلم غاليلو و دافنشي، و الحضارة الإسلامية التي فتحت العقل و حررته من الخرافة و أخذت بالعلوم التي قبلها على محمل جديد فترجمت و أضافت فأبدعت و طورت.
و التطور هو سنة الحياة، فلا شيء يبقى على حاله. فالمجتمعات تتغير وتتطور في علاقاتها مع أفرادها ومع المجتمعات الأُخرى، والفكر البشري يتطور معها، أو بالأحرى يطورها والإنسان هو محرك التطور والتغيير كما أنه موضوعه. و نتيجة لذلك فإن المجتمع المعاصر ما بعد الحداثة ليس هو المجتمع الصناعي التقليدي الذي جاء مع الثورة الصناعية. وجاء المجتمع الصناعي مختلفاً عن المجتمع الزراعي السابق الذي كان الأساس في ظهور الحضارات الأُولى. حقيقة علمية ليست محل تشكيك أو جدل لا يبدو أن الموريتانيين مدركين لها في مسيرتهم الثقافية التي و إن عرفت محطات مضيئة في الماضي إلا أنها منذ فترة ما قبل الاستقلال التي شاب الإشعاع المعرفي فيها طغيانُ الفوضى التي أطلق عليها إسم "السيبة" ظل غياب الحكم المركزي تحت أي اسم أو شكل، و في ظل الدولة الحديثة وما خالط مفاهيم الجمهورية، التي تأسست عليها و انطلقت بتأطير الفرنسيين، من ظلال الماضي الداكنة، بدأت تعيش في مسارها الجديد انفصاما حادا رمى عليها أثقال السيبة رغم انخراطها في الحداثة وظهور أجيال تعاقبت من الأطر المدربين و المكونين تكوينا رفيعا و المتعلمين تعليما عاليا.
و هذا الواقع الشاذ المختوم بطابع حضور "اللادولة" الذي كان هو و ما زال يعرقل في الذهنية العامة الحراك الثقافي الذي تحركه ببطئ و رغما عنه العولمة الطاغية و الاتصالات السريعة المتلاحقة التي غشيت كل شيئ. حقيقة يكشف عنها سَنة بعد أخرى تقهقر الإنتاج الثقافي بكل أوجهه و شتى مجالاته و انحسار العطاء الفكري بتدني مستوى الإنتاج و ضعف المضمون.
سبعة شهور قد ولت من العام و لم تزدد المكتبة بما يرضي الفضول العلمي للمهتمين و الدارسين و الباحثين، و قد انحسرت كل أنشطة المراكز البحثية و الجهات المسماة علمية في التناول الضعيف لمسطرة ممجوجة من المواضيع المتجاوزة و في تكرار مريع فيما اكتسى أغلب التناول طابع النفعية إن لم يسجل نفسه في خط المجالات و التلميع و التزلف للجهات المستفيدة من مرحلية الطلب.
و لما أن الساحة كانت ترسل زفرات تشي بضيق نفس مزمن، جاءت القمة الميمونة لتوقظ في الساحة الثقافية الفكرية الراكدة:
·        حس التعريف بالموروث دون جديد يواكب سنة التطور و التحول،
·         و تُثير عقدةَ الإنتماء لحيز العروبة بإبراز قديم العادات و المخطوطات و قصص رحلات الحجيج التي استنزفت البلد من خيرة علمائه و صفوتهم،
·        و تكشف النقاب عن الخيمة التي هي رمز لعديد شعوب العالم أيضا حيث أن للمغول خيمتهم "اليورت" و إن أصبحت تصنع بالمواد الحديثة الصلبة و المقاومة للتقلبات المناخية، كما أن للهنود الحمر في أمريكا خيمتهم "التيبي" و قد تحولت إلى رمز لمقاومة التصفية و الإبادة لا غير، و للاسكيمو خيمتهم من الثلج الأبيض "الإيغلو" لم يجدوا غضاضة و لا أحسوا بعقدة في استبدالها بالبيوت الحديثة المقاومة للصعيق. بلى إننا نستطيع أن نحافظ على الخصوصيات من غير تعصب و لا استحوائية مطلقة لميراث إنساني مشترك مهما تغيرت أشكاله و مناطقه و أن نسجل أنفسنا في مضمار الحداثة التي تفرض نفسها و تقدم جام فوائدها، أم نظل نغرد خارج السرب و نأكل مع ذلك فضلاته. 
و على الرغم من أن القرية الثقافية ـ التي صاحبت فعاليات القمة الرسمية لتدارس الهم العربي المتطلب جهودا مضنية للتخفيف منه في المرحلة الحالية الحرجة ـ قد قدمت للعرب من الماضي أكثر من الحاضر مع حجب مؤسف للمستقبل، إلا أنها خلقت هبة لممارسة الفعل الثقافي المتبلد و وخز الحس الفكري النائم و تلك مكرمة تحسب بالفعل لها.

4. أغسطس 2016 - 8:21

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا