هل انحسر الأمل في التغيير؟ / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altبعد محاولات 25 فبراير في الاحتجاج والضغط على النظام القائم غابت تلك المظاهر بشكل كلي تقريبا!!!، رغم أن أسبابها أي الأزمات وحالة الانسداد والجمود لم تجد لها حلا شافيا.فهل يعود الأمر إلى خوف الموريتانيين من القمع وآثاره المحتملة؟.

أم أن النظام الراهن استطاع استعمال أساليب -ترغيب وترهيب- مزدوجة أدت إلى إفراغ دعوات الاحتجاج من جذوتها وقوتها في أول مراحلها؟!
لعل بعضا من هذا وذاك ساهم في خلق وتكريس الوضع الراكد الحالي، إلى جانب سلبية المعارضة وتناقض مواقفها مما سمى "ثورة الشباب" أو "ثورة 25 فبراير"، وقد لا تكون المحصلة القضاء على روح الرفض والرغبة في التغيير، أو وقف الاحتجاجات عموما، وإنما قد يعني الأمر تأخرا في التوقيت -أي توقيت هبوب العاصفة- وعدم ملاءمة الجو لانطلاق ألسنة تياراتها الجارفة المزمجرة.
ولا تخلو الحالة الموريتانية من استغراب وشبهة تقصير من الشعب في معاناته وملماته المتنوعة، لأن الحراك الاحتجاجي عم سائر دول المغرب العربي -حتى المغرب المجاور-ولا تزال نواكشوط وسائر المدن الموريتانية الأخرى نائمة-تغط في سبات مريب- فإلى متى؟!
وإن لم يخل القصر الرئاسي من اعتصامات محدودة متعددة العناوين، حاولت فيها المرأة الموريتانية تذكير الرجل بمكانته وإقدامه الناقص -في هذا المنعطف- بلبسها الزي الرجولي التقليدي (الدراعة)، على غرار ما قامت به سوريات من لبس "لعقال" و"الطاكية" ضمن المسيرات الاحتجاجية هناك.
إن المشهد السياسي الراهن في بلدنا يستدعي التأمل الطويل.
فشعبنا-رغم ثرواته المنهوبة-شعب فقير جدا، مقابل رئيس غني، تقول المصادر الإعلامية العليمة أنه صرح بأكثر من أربعة مليارات أوقية، بينما تتحدث مصادر عسكرية مقربة من منابع المعلومات، أنه صرح بسبعة مليارات أوقية، ويقول هو أنه رئيس الفقراء، تشدقا وزيفا وخداعا.
معارضتنا التي ملأت الساحة بالبيانات الورقية والكلام الفضفاض، لم تتمكن من احتضان ثورة الشباب، بل عارضها بعض رموزها، وتنازل عنها البعض الآخر منسحبا في وقت حرج إلى ضفة" الأغلبية الرئاسية" المزعومة.
والمجتمع من حول هذا الواقع السياسي المذبذب يعاني من مختلف صنوف التهميش والإقصاء والغبن، ولا يكاد الناس في أغلبهم يملكون قوت يومهم الهزيل، والأمراض والهموم تلاحق الكثيرين في طيات من النسيان والإهمال.
إنه فشل واضح للعيان، ولا يستطيع أي كان إخفاؤه بالادعاءات الهشة المكشوفة أو الشعارات الكاذبة المفضوحة.
فهل تظل المؤسسة العسكرية الفاشلة أصلا في إدارة الشأن السياسي هي قبلة الأمل في التغيير المنشود المأمول.
لتبقى دوامة الانقلابات دون توقف أو حسم، وليبقى الموضوع السياسي الوطني -أسيرا وإلى النهاية- في أيدي قوم لا يحسنون التعامل معه، ولم يخلقوا لمثل هذه المجالات المدنية بامتياز؟!.
أجلت انتخابات مجلس الشيوخ، ولا غرابة إن أجلت الانتخابات التشريعية، أو إن فرضت حالة طوارئ خصوصا مع حدوث تطورات حاسمة في بعض الدول المجاورة، خاصة في ليبيا، والوضع الاجتماعي والمعيشي من سيئ إلى أسوأ، والناس متذمرون خائفون من المستقبل المنظور والدولة في قبضة جماعة من العسكر، لا يهمهم إلا نزواتهم وثرواتهم، وهذا يعني باختصار انسداد الأفق وانحسار الأمل في التغيير القريب على الأقل.
فأين المفر، إن لم تقم القوى الحية بعملية توعية وتعبئة للحث على الإصلاح والتغيير، لعل أن يخرج الله منا شبابا ورجالا ونساء يحركون الأمل في النفوس، ويدفعون الواقع الآسن إلى مرحلة أخرى، عنوانها البناء والتخلص السريع الجذري من وهدة الفساد والاستبداد والاستحواذ السلبي على مقدرات الأمة.
وستبقى الأوضاع دون تقدم حاسم، ما دامت الأمانة مضيعة والأموال العمومية مستباحة، والأمر العمومي ممركز في يد واحدة، لا تسلمه إلا لعسكري مقرب أو صاحب وشيجة قرابية ضيقة.
الجو عندنا هكذا بالضبط، أو يحوم-باستمرار- قريبا من هذا المعني المتخلف المهجور.
ولا صلاح دون الشورى وتحويل مسألة الحكم والتسيير إلى المدنيين، ومحاولة تجاوز صادقة لهذا الضياع المزمن المهين.
فالسكوت عن الحق ممنوع شرعا، والتغيير بالحسنى وطرق الضغط السلمي لا يعني الفتنة على الإطلاق، وكما قيل في أدبياتنا العريقة النابضة بروح الرفض والتمرد على الباطل، الساكت عن الحق شيطان أخرس، فلماذا لا نسعى لاستلهام هذه المعاني المغيبة من واقعنا وتوظيفها من أجل وتيرة أقوى وأفضل في اتجاه التغيير الايجابي السلمي الشمولي.
وأرجو أن لا يغتر القائمون على الحكم بتردد الموريتانيين في سلوك أسلوب الاحتجاج الصريح، فالضغط المتواصل وغياب الأمل في تراجع الجانب الرسمي عن تقصيره الواسع قد يفضي إلى أحداث مفاجئة، كما وقع من قبل إبان ثورة الجياع في سنة 2007، على سبيل المثال لا الحصر، ولا يستبعد تأثير المحيط العربي الأوسع والجوار المغاربي القريب بجرعات معتبرة من الثورة والتذمر، قد لا يحسب لها البعض حسابها الملائم الموضوعي.
لم يغب الأمل في التغيير، "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"-كما ورد في محكم التنزيل-، ولكن الساحة الوطنية بحاجة ماسة إلى تفعيل ممنهج واسع النطاق، وإلا فإن كفة الاستسلام للواقع المتردي ستكون راجحة غالبة.
أين أحزاب المعارضة، وقواها المناضلة، أين الكتاب والإعلاميون الأحرار، أين نواب الشعب، ومبادرة جادة، ملؤها العزيمة والرغبة العميقة في الخروج من قفص الاستبداد؟!، أين هؤلاء وغيرهم من شباب ونساء ورجال هذا الوطن المهمل المغدور؟!.
فمن العار أن يغار الجميع لأوطانهم، وتحاول كل أمة حكم نفسها بنفسها، والاستفادة المشروعة من خيرات بلادها، ونبقى نحن في المقابل خائرون، ننتظر الأدهى والأمر، دون أن نحرك سببا لإصلاح أوضاعنا وأحوالنا، المثيرة للشفقة.
كل الدول العربية الحية، بدأت ترفض ظاهرة الاستعباد، المسماة بالحزب الحاكم، لأنه يكرس السلطة والهيمنة، في خانة واحدة، وعنوان التلاعب بدعوى الديمقراطية والتعدد، ودعوة مباشرة، لخنق الإدارة ورجال الأعمال عبر فرض الانتماء لهذا الهيكل الحزبي المناقض للمفهوم الصحيح للديمقراطية.
أليس هذا الواقع الحزبي، الممثل في الحزب الحاكم عندنا، ساحة من ساحات الاحتجاج المطلوب في مسرحنا السياسي المحلي.
وأنى صوبت الفكر أو النظر تجد التسيب والعجز والعقليات البائدة الضارة.
ومن الملاحظ أن هذا الفشل العام يحظى بوعي الكثيرين، لكنه يحتاج إلى هبة جماعية شجاعة، عسى أن يفرض الجميع على السلطة الحالية ضرورة المسارعة إلى الإصلاح الحقيقي أو الاعتراف بالعجز والاستقالة، لإفساح المجال لفرصة إقامة حكم عادل متوازن، يخرج البلد من ورطته وأزمته المتنوعة المرهقة.
ولا خيار ولا تأجيل، وما سوى ذلك مجرد ذر للرماد في العيون، وسياسة النعامة، التي تدس رأسها في الرمال، معتقدة أن الصياد لا يراها.
بلى موريتانيا ليست نشازا، ولن تسلم من دعوات التغيير والطموح لحياة أفضل لسائر ساكنتها.

19. أبريل 2011 - 10:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا