ثمانية مارس ومنعطف التصعيد / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altحاولت السلطة القائمة أن تكتم غيظها وتخوفها من تحركات 25 فبراير، ووعدت كذبا بتكريس التظاهر السلمي. وبعد أيام معدودة سقط تكتيك التهدئة الهشة، وذلك بمخطط "عزيزي" مكشوف. يطلب من حزبه التحرك ويتولى بعض أقاربه تمويل البلطجية، بأسلوب "متقن متعمد" لتبرير دخول شرطة مكافحة الشغب إلى ميدان التحرير المأمول!!!.

الموالون المبررون لنهج السلطة، يرددون على وجه مكشوف: "نعم للسلطة الحق في منع الفوضى"!!!
أليس نواكشوط كله ساحة جرداء تقريبا، محدود التعمير، وصالح من شرقه إلى غربه لتظاهر "بلطجية عزيز وفنانيه وشعرائه" خارج ساحة ابلوكات المغتصبة؟!.
ألم يجدوا إلا هذا المكان لصنع حجة واهية هزيلة؟!
وفي يوم الثلاثاء 8 مارس عيد المرأة يصر المتظاهرون على حقهم في الاعتصام السلمي.
أجل الاعتصام دون التظاهر، وبأسلوب سلمي حضاري، وتصر السلطة في المقابل على تكذيب الوزير الأول ووزير الداخلية اللذين تعهدا بعدم منع حق التظاهر السلمي.
لكن الكلام-أحرى التعهد-في ظل سلطة الانقلابي ولد عبد العزيز لا معنى له كما اتضح للعيان. فالمواطنون الموريتانيون - تبعا لرؤية حكامهم العسكريين - ينبغي أن يظلوا في دائرة "كائنات مقهورة لا غير".
التظاهر السلمي في الدول والمجتمعات المتحضرة، الديمقراطية فعلا، حق طبيعي مكفول قانونيا وملموس حينما يريد المواطن اللجوء إليه، ولا يثير كل هذه الزوابع والمخاوف الأمنية والسياسية.
أما في الوطن العربي، فليس من السهل الحصول على هذا الحق العادي عند غيرنا، من الأمم الأخرى الناجية من الحكم الفردي وبسط نفوذ الحاكم وقهره على المواطنين المستغلين المستعبدين.
آخر الأخبار-حتى وقت كتابة هذه الحروف الغاضبة والمتشظية غيظا-، تقول سقط جرحى ونقلوا إلى المستشفى بعد ضرب مبرح.
إننا نطالب من فوق هذا المنبر بمراجعة هذه التصرفات الرعناء والقصاص من الآمر بها –رأس النظام محمد ولد عبد العزيز- وأعوانه العسكريين والمدنيين ومحاسبتهم حسابا عادلا صارما، جراء ضربهم للمواطنين ومنعهم-بحجج واهية-لحق الاعتراض والرفض السلمي المسؤول وغير ذلك من الممارسات المدانة قانونيا وأخلاقيا.
فلكل فعل رد فعل، وهذا المسار سيفضي إلى أوضاع أمنية وسياسية، قطعا ليست في صالح النظام القائم،فكلما منع حق أو تم الاعتداء على مواطن شريف سيقرب ذلك من فرص تحقيق المطالب المشروعة المتعددة للمتظاهرين الشجعان الأحرار، وسيفوت في المقابل مزيدا من المخارج على السلطة البوليسية الراهنة للقفز على هذه التحديات الاحتجاجية، المقلقلة للمتربعين على كراسي الحكم والقرار.
الانقلابات سببها تردي الأوضاع وخلافات العسكر حول الغنائم أو طريقة الحكم الأفضل للنهب والهيمنة المطلقة.
أما الثورات فلها أسلوب آخر، أوله الاحتجاج ونهايته غالبا سقوط عرش الطاغية المستبد ورجوع صدى الأحداث على حاشيته، أفلم يقرأ عزيز بعض التاريخ، أو سمعه من غيره-إن لم يكن قارئا جيدا-؟!
هذا الأسلوب سيكون له ما بعده قطعا، اللهم سلم....سلم....!!!
فالبلد مقبل على موجة من الأحداث الحادة، محاولة للخروج من قفص الحرمان والإهانة وحكم العسكر ومجموعات القهر السلطوي المتنوع المزمن.
فليس من المستساغ مرور هذا المخطط الأمني المستلب للحرية ومنافع الوطن المادية والمعنوية، دون تحرك ما، محسوب أو مفاجئ، لحلحلة هذا الوضع الثقيل المؤذي، وعبور نفقه المظلم إلى ما هو أقرب منه لنسيم الحرية ومزايا العدل والإنصاف.
ترى بعد هذا المنع والقمع لحق مكفول دستوريا، هل ستسير الأمور بصورة اعتيادية فحسب؟!
لا، ليس جيل اليوم، مثل بيظان الخمسينات والستينات، وإن اشترك الجميع في الموجة الاحتجاجية الحالية من شتى المشارب العرقية والشرائحية.
الساحة مقبلة فعلا على تصعيد متواز متناقض الاتجاه والمقصد، الثوار أو المحتجون يريدون تلبية مطالبهم، والنظام وأعوانه من الشرطة يريدون التركيع والخنوع، بلا تردد أو تأمل في المعاناة الشخصية أو الجماعية للأمة الموريتانية برمتها.
اغتيل السادات عندما ساءت الأحوال، وبلغ رفض كامب ديفيد مبلغا عميقا مؤلما في أوساط الشباب المصري الجهادي، الرافض لصهينة أرض الكنانة.
فنزل الاسلامبولي للحسم ضد مصدر التحدي والاستفزاز المتواصل (أنور السادات آنذاك).
فماذا يريد عزيز بعد نهب المال العمومي وبيع ساحة مركزية واسعة لثلاثة من ذويه وأبناء عمومته وخالته؟!
ماذا يريد بعد تفقير الناس أجمعين وإغناء بعض أقاربه ومصفقيه (أكبر مستورد في البلد)، من مجموعته الأسرية الخاصة، وذلك تباعا في جداول الاستيراد لسنتي2009 و2010؟!
هل يريد تغيير شطرنج الحكم، عبر الدفع إلى إنقلاب جديد، يخرج بموجبه من ساحة الشأن العمومي، بعد أن دخله بدون حق؟؟؟؟!!!
هل صرح فعلا بسبعة عشر مليار أوقية، يملكها نقدا وعقارا في موريتانيا وحدها، بغض النظر عن عقارات معروفة في الخارج، مثلا في المغرب ودبي، باسم أسرته وعياله بالمفهوم المباشر الضيق؟؟؟!!!
أم ستتطور الأمور إلى حادثة لا نودها، قد تحدث تحت ضغط القبضة الحديدية الموجعة، والتي قد تدفع إلى خيارات عنيفة-فردية مغامرة-لا يتحكم أي كان في منعها، أو الاحتياط في وجه احتمالها المنطقي إلى أقصى حد، في مثل هذه الظروف الاستثنائية، المشحونة بالكبت والشعور بالغبن والظلم الخاص والعام.
موريتانيا ملت الحكم الفردي والعسكري الاستبدادي التمييزي الظالم.
ورياح الثورة في المغرب العربي والوطن العربي بصورة أوسع تدعو إلى التغيير في كل الربوع، وخاصة في ظل الأنظمة العسكرية الانقلابية القبلية المنحازة ضد شعوبها، وشعاراتها مستهلكة زائفة، لم تعد قادرة على غواية الشعوب وتضليلها بعد ثورات تونس ومصر الملهمة المحرضة.
في مثل هذا اليوم كان من المفترض أن تحتفل المرأة بعيدها، لكن ستسمع عن نبإ ابلوكات ومسيلات الدموع وجريح هناك وطريد هنالك، والمنع والكبت والهيمنة هي عنوان عيدها هذه المرة على الأقل، عسى أن تتحول الأوضاع إلى الأفضل في المناسبة والذكرى القادمة بإذن الله.
وقتها سيكون عزيز وأعوانه في خبر كان، والنصر إن شاء الله، لإرادة المنتفضين، رغم ما لقيهم اليوم من تصعيد وعنف واستفزاز.
وستكون الجمعة المقبلة، جمعة التحدي بلاريب!!!.
الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب سيكشف الفضيحة، أو هذا واجبه المهني والأدبي، والأيام بين الطرفين سجال.
والأيام دول كما يقال في المثل العربي الأصيل!!!. وقد لا تكفي حفنة من الشرطة المستعدة للقمع لتجاوز أزمة وطن.
كفى كذبا وقمعا وتلاعبا بعقول الناس وحقوقهم وحرماتهم.
فبدل الالتزام النسبي الهش، بحرية الاعتصام تحول الميدان إلى ساحة مواجهة بين عزل ومدججين بالسلاح والعصي ومسيلات الدموع.
إنهم يفرون في وجه القاعدة الإرهابية وهجماتها الدموية، ويخافون الموت في الميدان القتالي، ويستنسرون ويستأسدون في وجه شعوبهم الضعيفة، التي لا نصير لها إلا الله والإقدام على مواجهة مفتوحة مع حكم الطغيان والاستفراد، لأنه للأسف-لا خيار سواه-، فهل هذه هي الشجاعة بالمفهوم الصحيح؟!
اللهم جنب أمتنا الفرقة والفوضى والهرج والمرج، وخلصها من الظلمة والسفهاء من حكامها وولاتها وغيرهم.
اللهم حقق رجاءنا غير فاتنين ولا مفتونين، اللهم آمين.
وسيبقى موعد الجمعة المرتقب مفصلا بين عهد وآخر إن شاء الله.
حسب مؤشرات الساحة ومعطيات الحدث المتحرك المتصاعد.

10. مارس 2011 - 10:33

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا