مستقبل موريتانيا وأحداث الثاني من ميه والحل الإسلامي ؟! / د.محمد المختار دية الشنقيطي

أحد السياسيين الحاقدين على الإسلاميين، الضائقين ذرعا بوجودهم في العالم الإسلامي بل في الحياة أصلا علق في إحدى القنوات الفضائية على أحداث الاثنين والثلاثاء قائلا: أين الإسلاميين من ما وقع وجرى يوم الاثنين وثلاث من فتنة اجتماعية، وأحداث تخريبية عنصرية، ثم أردف قائلا وهل عند الإسلاميين أصلا ما يقدمونه للوطن والمواطنين إلا مثل ما قدمه مفكرهم محمد ولد المختار الشنقيطي عن الرجل العظيم الرئيس الأسبق أعل ولد محمد فال- رحمه الله-

 وهو سؤل مشروع وموضوعي إذا كان في سياق التقييم السياسي العلمي وحتى النقدي، وبعيدا عن الميكيافلية والمكايدة السياسية والفجور في الخصومة والعداء الإيديولوجي المستحكم والتزلف لكل شانئ للإسلاميين ومخاصم لهم ؟!
ومن هنا وهناك فإنه لا يسعني وفي إطار المجادلة والبيان إلا أن نقول لهذا المعلق بالطغيان والاستبداد، والمتعلق باليسار المتلاشي والمنتهي الصلاحية والوجود، والمسكون وعيا وإدراكا برمي الإسلاميين بكل خسيسة سياسية ونقيصة فكرية أو خطيئة كسبها هو بتفكيره وفهمه لما يحسب في عمله وتفكيره أنها خدمات للارتزاق وتزلف عند الفاسدين الطغاة والمستبدين، نقول له وكما قال الحق جل وعلا:{وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} ؟!
لقد كانت الحركة الإسلامية الموريتانية ومنذ لحظة تأسيسها وانطلاقتها الأولى سنة 1978م. ترفع شعار الإسلام هو البديل للعادات والتقاليد والأيديولوجيات والحل لكل المشاكل والمظالم، والهموم، والأحلام، والأشواق، والحاجات، وتحملت عبأ ورفع راية التجديد في التدين وتبشير بمشروع النهوض الإسلامي الرباني العلمي العملي الواقعي والذي هو مشروع الأمن والأمان للفرد والمجتمع، والذي يبسط الحرية والعدل والمساواة، ويحي بين أفراد المجتمع، معالم الأخوة الإنسانية ومظاهر التعاضدد والتكافل الاجتماعي، ويحارب الاستعباد والظلم والفساد في الفهم والممارسة والتطبيق عند الأفراد والمجتمع.
ولقد نجحت الحركة الإسلامية الموريتانية في ذلك نجحا لا تخطئه عين الباحث الصادق المنصف، وفي تكسير أغلال فساد التقاليد القبلية والطبقية في فهم الدين وممارسة شعائره، وبسطت أدلة ومشروعية حق الجميع في التدين، وهزت في المجتمع أركان التقاليد البالية، وفندت حجج الاسترقاق والاستعباد في المجتمع وبسطت في المجتمع روح التدين، وأشواق التعلم، وبركات وثمرات العلم، وأطعمت وداوت الكثير من الناس، ورفعت سقف الوعي بالحقوق ودور الحريات في الحيات، وأخمدت نار الحقد والعنصرية في المجتمع، ووقفت في وجه الفتن العرقية أحداث 1989م، وترجمت عمليا معنى المساواة في المجتمع, ونصبت أئمة مساجد من العبيد السابقين، معيارها في ذلك المعرفة والتقوى والاستقامة، وأحيت في المجتمع مظاهر التدين والالتزام بشعائر الإسلام بعد أن كادت تغيب في المجتمع بفعل تأثير التقاليد البالية والعادات القبلية، ودعايات الحركات الأيدلوجية التي لا تقيم وزنا للدين إن لم تكن تعاديه قيما وسلوكا وأحكاما ؟!
وكانت لها في سياسة المجتمع رؤيتها التي جعلتها تفصل بين الديمقراطية كمفهوم ونظرية وبين آلياتها ووسائلها، وإن ظهر في ذلك الناشط السياسي الإسلامي قسمين أو نشاطين، ناشط سياسي مستقل وهو يتبنى رؤية عامة فقط، وناشط سياسي حركي، والأول هو نشاط يعبر عن رؤية الفرد، صحيح أن ذلك الفرد يمتلك رؤى لتغير الواقع، لكن الناشط السياسي الحركي هو الذي يعبر بالضرورة عن رؤية الحركة التي يمثلها وبالتالي فإنه من الموضوعية والعلمية أننا عندما نتحدث عن الإسلاميين والديمقراطية فالمفترض أن  يكون حديثنا وحكمنا مقتصراً على نشاط السياسيين الذين يمثلون ويعبرون عن الحركة الإسلامية الموريتانية في أجنحتها: (الإصلاح والتنمية) الإخوان، السلفيون ، الدعوة والتبغ ؟!.
لا شك ولا ريب في أن فريقاً من الإسلاميين ولعله الإصلاح والتنمية الأظهر فعلا في السياسة والأكثر حضورا في مجالات العمل المجتمعي، والذي تتسع قاعدته، وهو المقصود، بالنقد وحتى الرفض، يرى أن في الديمقراطية مجالا رحبا مناسبا للعمل السياسي، والتجديد في الحياة المدنية، وخلق متطلبات التنمية، وفرص العمل، وأسباب العيش الكريم ؟.
وهو توجه في الحركة الإسلامية الموريتانية بنا رؤيته على أساس أن الإسلام قد وضع القواعد العامة لبناء النظام السياسي، ووضع قواعد العدالة والشورى واستقلال القضاء ومفاهيم الحرية التي كانت وما زالت مطلبا شرعيا يطالب به الكثير من الناس في هذا الزمان، وخاصة في بلدنا المعطوب اجتماعيا والمنكوب سياسيا، كما يؤمن قناعة وعملا بالتعددية وتداول على السلطة، وذلك ما يعتقدون أنه جزء من النظام السياسي في الإسلام الذي أتى به الرسول الكريم القائد القدوة والأسوة الشفيع- محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن تداول على السلطة حق طبيعي ومشروع، وركن أساس وشرط لازم من الشروط التي تقوم عليها الديمقراطية ولا معنى للديمقراطية في النظام السياسي دون وجوده، وهم يرون أن الإسلام  هو مصدر النظام ومادة التفكير والتصوير والتشكل.. فهو قابل للتطبيق في كل زمان ومكان ؟
وهم في عملهم ونظامهم وتفكيرهم بنو قاعدة الوجود والعمل للإسلام في صفوفهم على اشتراط: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات والتجرد، والأخوة، والثقة .
ويعتبرون أنفسهم في غالبهم من حيث التميز النوعي بأنهم جماعة: دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية، وأنهم ملزمون ومطالبون بالتحرك في نشر الدعوة وبيان حقيقة الاتفاق أو الاختلاف بين القانون والدستور وأحكام وقيم الشريعة الإسلامية، وإحياء مظاهر الإيمان وأصول العقيدة الإسلامية في المجتمع.
وأن من ضوابط منهجهم في العمل: الابتعاد عن مواطن الخلاف، والبعد عن هيمنة الأعيان والكبراء، والبعد عن الأحزاب والهيئات التي تناوئ الإسلام وتتآمر على قضايا الأمة الكبرى، وتنطلق في العمل والمواقف من التدرج في الخطوات، وإيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات .
ولقد كانت الحركة الإسلامية الموريتانية ومن لحظة تأسيسها وانطلاقها في تفكيرها وعملها من أهم الجماعات التي دعت ودافعت عن التحول الاجتماعي الفعال، وتبني الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية القادرة على تغير دورة الحياة في المجتمع ورفع الظلم وبسط العدالة، وذلك باعتبار أن فكرها ومنهجها فعال وايجابي، ومحركا للركود ومفجرا لطاقات الأمة ووفق رؤية ومنهج الكتاب والسنة، وجعلهما إطارا أساسيا ومرجعيا، وذلك لأن القرآن الكريم، هو كتاب هداية وإرشاد وتوجيه اجتماعي، إذا سلكه الناس سعيدوا في دنياهم وفازوا في آخرتهم، فالقرآن الكريم هو المقياس الذي  يحدد غاية الحركة ووسائل وأساليب الدعوة والسنة النبوية الشريفة عي المنهج العملي لتنزيل حقائق القرآن في واقع حياة الناس العملية، تحقيقا لسلم الاجتماعي والأمن من الخوف والأمان من الفتنة القبلية والجهوية والعرقية والعنصرية، والإطعام من الجوع، محاسن التنمية الشاملة بالمفهوم المدني .
مما يؤثر عن الحبيب القائد القدوة والشفيع المعلم- صلى الله عليه وسلم- في بيان نعمت الأمن ومخرجاته السلم الاجتماعي، قوله:"من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا، من أصبح وأمسى معافاً في بدنه، آمنا في سربه عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة، وهو الإيمان".
يقول إمام وفقيه الأحكام السلطانية الماوردي:"اعلم أن ما به تصلح الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة ستة أشياء في قواعدها وإن تفرعت وهي: دينٌ متبع وسلطان قاهر وعدل شامل وأمنٌ عام وخصبٌ دائم وأمل فسيح".
إن الباحث المتتبع لتاريخ تنزل الأحكام الشرعية وتطبيقاتها في الواقع, يدرك يقينا أن المبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام هي في المقام الأول رعاية شؤون الناس، باعتبار أن النظام الإسلامي هو أفضل النماذج التي عرفتها الحياة البشرية على وجه الأرض لتحقيق أعلى مستوى من الأمن العام والسلم الاجتماعي.
والقارئ الواعي لشريعة الإسلام والباحث في أحكامه الفقهية المنصف للقائمين بالدعوة لتطبيق أحكامه، سيدرك دون عناء أن هذا وذاك، وليس من باب التغني على الماضي، ولا الحسرة والبكاء على الحاضر، وإنما لأن التجربة الحية في التاريخ تؤكد لكل باحث في هذا الموضوع أن الإسلام قدم أفضل نموذج في الأمن الاجتماعي خلال حكمه لثلثي الكرة الأرضية، وأنه ما زال قادرا على فعل ذلك.
بدأ ذلك الجهد في  النظام السياسي الإسلامي في بسط الأمن والعمل للإطعام من عهد النبوة وعصر الخلافة الراشدة، وفترات من تاريخ الحكم الإسلامي ما بعد العصور الزاهية الأولى، إذ كان المسلم في ظل النظام الإسلامي يعيش في أمن تام وأمان على حياته من أي اعتداء داخلي أو خارجي، وكانت حياة المجتمع الإسلامي تمضي بصورة عادية وطبيعية لا يعكر صفوها شيء من الجهل أو الجوع أو الظمأ أو العري أو الخوف من أي شيء سوى الخوف من الله سبحانه وتعالى الذي هو القاعدة الرصينة التي يقوم عليها الأمن الاجتماعي في الإسلام .
وكانت وظيفة النظام السياسي الأساسية هي تأمين أفراد المجتمع الإسلامي إلى حد أن يقول الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-" والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألن الله عنها يا عمر لم لا تعبد لها الطريق"، وإلى حد أن تنادي في الأندلس امرأة من عامة الناس تعرضت للإساءة من سفهاء، فتنادي وا معتصماه، فيجيبها بقوله والله لأغيثنك ولأجيبنك بجيش أوله في الأندلس وآخره في بغداد ؟!

 

10. مايو 2017 - 17:47

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا