الدبلوماسية الموريتانية وعواصف التجاذب الخليجي / محمد الامين ولد لمات

كثر الحديث وتعددت الأطروحات والمواقف حول مسألة قطع العلاقات الموريتانية القطرية منذ  أن تم ذلك مطلع الأسبوع المنصرم، وقد فضلت الصمت والتريث كعادتي وان ابحث لنفسي عن مكان قصي بين من يتطوعون لقراءة ما كتبه الآخرون بدل الكتابة والاجترار السلبي المعاد، حتى لا يسود الكساد وتنخفض قيمة المعروض هذه الأيام على صفحات العالم الافتراضي الأزرق، وتلك لعمري مسؤولية عظمى فقد وجدت نفسي أمام كم هائل من المقالات

 وأنصاف  المقالات والمواقف والرؤى والخواطر بل المشادات الكلامية والتلاسن والتعصب للرأي أحيانا بين من يؤيدون قرار القطع ومن يرفضونه لينشطر القوم بين مجد وساخر هذا يدعو لمحور الحياد والوقوف على مسافة متساوية من قطر وأخواتها وذاك يبرر ضرورة اتخاذ موقف يناصر هذه أو تلك تبعا للمصالح ولما يقتضيه المنظور المادي ومساراته المرنة من إلزامية الاقتراب من الصف الأكثر سخاء على حساب بقية الصفوف الأخرى، والى جانب هذين الرأيين برز اتجاه آخر يرى انه كان من الأجدر والأولى أن تنضم موريتانيا إلى حلف الوساطة الكويتية المزعومة، وقد استفاض القوم في ذلك النقاش وأشبعوه رغم اختلاف وجهات النظر التي لا تعدو أن تكون ظاهرة صحية وسنة الله في خلقه فقد جبل الناس على الاختلاف.
المهم انه لا يخفى على احد اليوم أن أزمة الخليج هذه قد حبكها الغرب وفصلها تبعا لمقاساته الخاصة وستطول أو تقصر بحسب رعايته لها، ورغم ذلك وآمل أن تجد الوساطة الكويتية إذانا صاغية تتحد على إفشال مشروع خونة الغرب ودعاة التفرقة الذين عاثوا في الأرض فسادا واحرقوا الحرث والنسل.
ولعل الذي يهمني أكثر في هذا الإيضاح هو أنني كنت أود أن يأخذ بلدنا موقفا قويا ومقنعا وممثلا لشعبنا وقيمنا ونابعا من حجم المرحلة وما تتبجح به السلطات من سيادية واستقلالية في الرأي حتى تكون القرارات الدبلوماسية على المحك الصحيح ومحمية من عواصف تجاذبات الغير... فأنا شخصيا كنت قد استبشرت خيرا في إحدى المرات حين سمعت الرئيس محمد ولد عد العزيز يؤكد في احد المؤتمرات الصحفية قبل أشهر من الآن أن موريتانيا لم تعد كما كانت من قبل، فقد أصبحت دولة ذات سيادة تامة، وقد أدارت ظهرها للماضي المتعثر وأعلنت القطيعة التامة معه، فلم تكن ذلك الغائب الذي إذا غاب لا ينتظر وإذا حضر لا يستشار، وانه لا توجد اليوم أية جهة مهما كانت بإمكانها أن تتدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لهذا البلد، بل انه يتحداها إن وجدت موضحا أن البلد أصبح حرا في رسم سياساته وخياراته بمقتضى إرادته بعيدا عن تأثير من تسول لهم أنفسهم التدخل في شؤونه الخاصة.
أما وقد حصل ما حصل فأرجو أن لا تكون هذه الحادثة اليوم قد فندت ما استبشرت به سابقا وربما استبشر به غيري حينها، والأخطر من ذلك على بلدنا أن وصمة عار ستبقى في جبينه إلى الأبد فغدا سينقشع غبار الأزمة الخليجية، وستعود المياه لمجاريها الطبيعية، ويجتمع أهل الخليج في شعابهم التي هم أدرى بها، ويقطع مجلس التعاون الخليجي أشواطا متقدمة على درب التطور والنماء وتنقطع بالمقابل أواصر الإخوة والصداقة بين قطر وموريتانيا والتي تعرف هذه الأخيرة إن بقي فيها من كان يعترف بفضائل القوم أن المتضرر الأول منها هو شعب مسكين حرم نعمة العيش الرغيد في وطنه فاستنجد بأهل الفضل فآووه وامتدت أياديهم ليطعموا البائس الفقير الذي فضل أن يموت كالغزال مرابطا في جدبه. فلعل لسان حال قطر اليوم مع موريتانيا هو أشبه ما يكون بطائر شجرة "التيدومه" الذي يروح ويغدو دون أن تحس به.          

13. يونيو 2017 - 1:56

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا