هل تمكن عصرنة نواكشوط دون عصرنة ساكنتها؟ / محمد الأمين الفاضل 

من المؤكد أن عصرنة مدينة نواكشوط ليست بالمهمة السهلة، خاصة وأن المدينة تقترب من عامها السبعين دون أن يكون فيها صرف صحي، وإنشاء صرف صحي بعد ما يُقارب سبعين سنة من تشييد العاصمة، سيتسبب حتما في إلحاق أضرار كبيرة ـ حتى وإن كانت مؤقتة ـ  بالكثير من الطرق والبنى التحتية الأخرى.
وحتى تمديد شبكات الماء والكهرباء والاتصالات في بعض أحياء العاصمة، كثيرا ما يتسبب  هو الآخر في إتلاف بعض الطرق والشوارع التي شيدت دون التنسيق مع الشركات المسؤولة عن تلك الخدمات، ولذلك فكثيرا ما تظهر حفر مستحدثة على الشوارع والطرق، والتي يكون بعضها قد تم تشييده حديثا، والمستفز في الأمر أن الشركات التي استحدثت تلك الحفر قد تتركها دون ترميم، وهو ما يتسبب في بعض الأحيان في حوادث سير مميته، وأرشيفنا في حملة معا للحد من حوادث السير، يمكن أن يقدم أدلة قوية على ذلك.
إن عصرنة مدينة نواكشوط بعد مرور سبعين عاما من العمل المنفرد ـ إن لم أقل المرتجل ـ  للشركات المعنية بالبنية التحتية، دون أي تنسيق أو تخطيط،  لهو أمر في غاية الصعوبة، وستكون له ـ وبلا شك ـ  كلفته الكبيرة.   
كما أن تشييد الجسور وشق الشوارع ذات المسارات المتعددة، له هو كذلك كلفته الكبيرة على أرزاق المواطنين وتنقلاتهم، ولكم أن تسألوا سكان ولايتي نواكشوط الشمالية والجنوبية عن المعاناة الصعبة التي عاشوها خلال السنوات الماضية بسبب زحمة حركة السير الناتجة عن استمرار إغلاق العديد من الطرق خلال فترة بناء الجسور وتشييد مسارات جديدة في طرق وشوارع حيوية ورئيسية.
إن لكل تغيير كلفته، وكلفته يجب أن تدفع مسبقا من قبل قطاف ثماره، وكلما كان التغيير كبيرا ومُهِمًّا ـ كما هو الحال بالنسبة لعصرنة مدينة نواكشوط ـ كانت الكلفة أكبر، ثم إن مقاومة التغيير قد تكون أقوى عند أكثر المستفيدين منه، وعصرنة مدينة نواكشوط لن تخرج عن تلك القاعدة، فأول من سيقاوم هذه العصرنة، وخصوصا في شقها المتعلق بتشييد الجسور وشق الطرق ذات المسارات المتعددة هم السائقون، والذين هم بالمناسبة أول مستفيد من تلك الشوارع والجسور.
إن عصرنة مدينة نواكشوط كانت وما تزال مطلبا ملحا، فليس من المقبول أن تبقى عاصمتنا تتميز عن كل العواصم في العالم بأنها العاصمة الوحيدة  في هذا العالم التي لا يوجد بها صرف صحي، ونحن لابد لنا أن ندفع كلفة هذه العصرنة، وبكل تأكيد فإننا سننسى تلك الكلفة الكبيرة التي دفعنا عندما نبدأ في قطف ثمار عصرنة عاصمتنا.
لا بد من عصرنة مدينة نواكشوط، مهما كان حجم الكلفة، ولم يعد من الممكن التأخر أكثر في عصرنتها وهي تخطو إلى عامها السبعين، ولو خرجت الحكومة الحالية بإنجاز واحد وهو عصرنة مدينة نواكشوط لكفاها ذلك، ولكن يبقى سؤال العصرنة مطروحا : هل يمكن عصرنة أي مدينة دون عصرنة ساكنتها؟
قطعا لا يمكن ذلك، فعصرنة المدينة، أية مدينة، لا يمكن أن تتحقق دون عصرنة ساكنة تلك المدينة، وتطوير البنية التحتية في أي مدينة لابد أن يُصاحبه، إن لم يسبقه، تطوير عقليات ساكنة تلك المدينة،  ويعني هذا الكلام، أن هناك تحديا آخر سيواجه الحكومة، بعد تطوير البنية التحتية للعاصمة، ألا وهو التحدي المتعلق بتغيير العقليات وعصرنة الساكنة. 
لا يمكن للعاصمة نواكشوط أن تحلق في فضاء المدن العصرية، دون تشغيل  جناحين في وقت متزامن، جناح سيشتغل تلقائيا إن تطورت البنية التحتية للمدينة، وجناح آخر سيشتغل  كذلك بشكل تلقائي إن تطورت عقلية ساكن نواكشوط، وبدون تشغيل الجناحين، فإن العاصمة نواكشوط ستبقى في مكانها، ولن تتمكن من التحليق في فضاء العصرنة.
لقد تعود ساكن مدينة نواكشوط، أميا كان أو متعلما، غنيا كان أو فقيرا، ومنذ أن فتح عينيه في مدينة الفوضى هذه، على أن يتوقف بسيارته أو بعربته التي يجرها حمار في الشارع متى شاء وكيفما شاء، وعلى أن يبيع بضاعته على حافة الشارع إن لم أقل في وسط الشارع، وهو لا يتردد في أن يستولي على أي ساحة عمومية تقع على طريقه، فيشيد عليها كوخا إن كان فقيرا، أو قصرا فخما إن كان غنيا، وعندما ينتزع كوخه أو يهدم قصره يبدأ في الاحتجاج والتظلم والشكوى، وكأنه يمتلك وثائق تؤكد أنه ورث تلك الساحة أبا عن جد.
لن يقبل السائق في مدينة نواكشوط إذا لم تتغير عقليته بموازاة مع عصرنة المدينة، أن يتجاوز المكان الذي يقصده، لأنه لم يجد فتحة في الشارع تمكنه من الوصول إلى ذلك المكان دون قطع مسافة إضافية للوصول إلى فتحة في الطريق تمكنه من العودة إلى المكان الذي كان يقصد.
لن يلتزم السائق في نواكشوط ـ وكما تعود دائما ـ بقواعد السلامة المرورية، وستكثر حوادث السير على الطرق المشيدة مؤخرا، وعلى الجسور، إذا لم يتغير سلوك السائق، ولكم في الحادث الأليم الذي وقع ظهر يوم الثلاثاء ( 07 يناير 2025) أمام "سوق ولد الحسن" خير دليل على ذلك. 
مساعد سائق شاحنة (آبرانتي كما نسميه) يقود شاحنة في النهار على شارع حيوي، فيتسبب في حادث سير، تكون حصيلته إصابة مواطن إصابة بليغة لا ذنب له إلا أنه كان يستظل بمحطة حافلة من حر الشمس، وكان ذلك في "التوقيت الخطأ" الذي ستمر فيه شاحنة بالمكان يقودها مساعد سائق، وكانت من حصيلة ذلك الحادث أيضا إتلاف إحدى محطات الحافلات على الشارع، وحتى من قبل أن تشغل، وكذلك إتلاف أجزاء من مقطع الشارع المجاور لها، هذا فضلا عن الأضرار التي لحقت بالشاحنة، والتي سيتكبدها مالك الشاحنة.
إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط أصبح ضرورة ملحة، ويتأكد الأمر بالنسبة للسائقين في المدينة، وبدون ذلك التغيير في العقليات والمسلكيات فإننا لن ننعم ـ ولو للحظة ـ  بالجسور ولا بالطرق ذات المسارات المتعددة، بعد أن يكتمل تشييدها، وتصبح سالكة.
 إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط عموما وسائقيها خصوصا يحتاج إلى :
1 ـ التوعية، ثم التوعية، ثم التوعية؛ 
2 ـ فرض قانون السير وتنفيذ العقوبات بصرامة على كل من يخالفه؛
3 ـ فرض القانون بشكل عام في كل المجالات، وعلى كل المستويات من أعلى إلى أسفل، فالتجارب تثبتُ أن فرض القانون في مجال ما وعلى طائفة ما من المواطنين دون الأخرى سيبقى أمرا عبثيا، فلن يكون بالإمكان أن ننجح في تطبيق القانون في الشارع على السائقين، وذلك في وقت نتهاون في تطبيقيه على الموظفين في مكاتبهم، أو على رجال الأعمال في شركاتهم ومؤسساتهم، أو على المدرسين وتلاميذهم في المدارس، وإلى غير ذلك من فئات المجتمع. 
تذكروا دائما، أن لعصرنة المدن شرطين، وهما تطوير البنية التحتية وتغيير العقليات، ولا يمكن أن تتحقق العصرنة دون أيٍّ من الشرطين.

حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل 
[email protected]

 

8. janvier 2025 - 16:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا