... ويل الشعوب التي لم تسق من دمها
ثاراتها الحمر أحقادا وأضغانا...
أظهر الرئيس السابق ما يسميه البعض تجلدا وماهيته رعونة، فوهب للشعب الموريتاني مِنْحة يتيمة من حيث لم يحتسب؛
فمنذ أن هوى الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في الحفرة التي أصر على تَجْوِيفها بظلم الأحزاب ظلما مخالفا للدستور، وتعطيل قرارات السلطة القضائية التي حكمت لصالح الأحزاب في عهده، وتمييع السياسة ولَبْسها بالشرائحية؛ والعبث بالقضاء حين افتتح حكمه بمحاكمة مَن سمَّاهم بالمفسدين الذين لم يصادر أموالهم ولم يُراجع الخَصْخَصات الشاذة التي استحوذوا على المال العام من خلالها، ولم يفتح تحقيقا عن لوحات المشاريع التي بقيت تقاوم عوامل التعرية لتشهد على الفساد؛ وأشفعها طيلة حكمه بالمحاكمات السياسية بدعوى الفساد الذي صدق في بعضه، والتضييق على خصومه السياسيين الرافضين لدكتاتوريته الذين سرعان ما وهبهم صك غفران بمجرد انضمامهم للحزب الذي حَكَم به وحمل بطاقة انتسابه رقم 001 كما ادعى.
فكم تعدى الرئيس السابق على كل خصومه السياسيين ونعتهم بأبشع الأوصاف وعاتبهم في أرزاقهم؟ رغم نهي الشرع عن ذلك؛ فحتى الرؤساء السابقون لم يسلموا من جوره وخاصة الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال رحمه الله -الذي توفي في ظرف غامض أثار الجدل آن ذاك-... وكان اعل معارضا لوصول ولد عبد العزيز للسلطة بانقلاب على الرئيس المدني الوحيد المنتخب -ولو صوريا- : سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، ولِوَأْدِ حُلم الديمقراطية، وكان اعل يصف ولد عبد العزيز بالضابط الصغير نافيا أي دور له في المرحلة الانتقالية؛ ومعاملة ولد عبد العزيز للرئيس سيدي معلومة، وامتناعه من حضور جنازته وتعزية أسرته كانت سابقة في تعامل السياسيين مع خصومهم؛
ومن الغريب والشذوذ تهديد المسؤول بفضح أسرارٍ... أحرى أسرار الدولة، وأدهى من ذالك وأمر أن يتخذه الرئيس السابق مطية للفرار من العدالة، ثم يكشف ما سماه "أسرار الدولة"، فإذا به يصرح بحصول صفقات فساد تستر عليها طيلة حكمه؟! فهل هذا سر الدولة في نظر عاقل؟!؛ - لكن الوصول للحكم بالصدفة لا يصيّر السمسار والحارس و"التياي" رئيسا إلا بالعلم والعمل والأدب ؛ والمعضلة أن من وجد المَذْهَب عن قَدْره = لم يجد المذهب عن رتبتِهْ، وقَدْرِه وقَدَرِه.
وقد غير -مَن وصفَه خصومُه ب"الصمصار"- الدستور زورا -بل ربط كثرة البقر بالتصويت للدستور في خطاب النعمة الوقح- وتمهيدا لجس نبض مأمورية ثالثة وتصريحاته ومقابلاته مع الصحف آن ذاك تعضد هذا؛ وأعطى ول عبد العزيز الأوامر بالاستنفار للمأموية الثالثة، فلما استيقن تصعيد المعارضة ورفض المجتمع الدولي للمأمورية الثالثة نكص عن ذلك القرار مكرها لا بطلا كما سَوَّق.
وأفلست في حكم ولد عبد العزيز "سونمكس" والشركات الوطنية، وعبث بالعملة وأضعفها، والوحدة الوطنية، وكمم الأفواه، واعْتمدَ الضرائب لاستنزاف جيب المواطن؛ وشهد عهد ول عبد العزيز أكبر عمران بورجوازي مريب في تاريخ الوطن حيث نشأت دُولَةٌ بين الأغنياء بُذِرت في شمامة من صناديق الزراعة والقروض والأموال المشبوهة وأنبتت "صكوك" و"الصحراوي" ووسعت "صانترمتير" نحو المطار؛ ونَخَر النسيج الاجتماعي لتزداد الهوة بين بورجوازية نظامه والطبقات المسحوقة من ضحايا انعدام العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة ومخلفات الاضطهاد والاسترقاق، وضحايا الامبريالية كعمال ازويرات الذين تعودوا على الاستهداف منذ إطلاق النار عليهم سنة 1968 رحمهم الله، واستأنف ول عبد العزيز احتقار عمال المناجم ويرحم الله المغدور ولد المشظوفي -أگجوجت 2012- ؛ وقد شهدت حقبة الانقلابي عزيز انتشارا "للصمصرة" بعمال المناجم والاستهتار بالعمالة الوطنية.
أما مشاريعه على حد تعبيرهم : فإنها خطرات من وساوسه...، وترقيع لم يحبك من قبيل : وتعظم في عين الصغير صغارها... لارتجالها من حفر وردم وشق طرق انتهت صلاحيتها قبل أن يبرح (طريق انوامغار والمذرذرة...) لأن الصفقات مِنحٌ منه لمن شاء؛
فوَأَد اللجنة الوطنية للصفقات العمومية، وعطل المختبر والرقابة وأفلس الشركة الوطنية لصيانة الطرق، فما برح حتى صارت الطرق وعرة ... ؛
وما يسمونه مشاريع مجرد إيثار للبرجوازية بمستشفى القلب والتعليم العالي ليثني طموح المغبونين عن الشهادات العليا، وعبثٍ بالمنح ومؤسسات التعليم العالي ولا ننسى استقالة بعض الكوادر من المؤسسات في حكمه كمحمد باب سعيد ... واستهتر بالثقافة وسخر من الفكر والقلم لأن الجاهلين لأهل العلم أعداء؛ ولعب بالتكوين المهني بارتجاله، واستهدف مؤسسات الدولة حين بدأ باستهداف المؤسسات العريقة ليطمس عمران المدينة، ويعبث به، وسن تشريد المواطنين من منازلهم في قلب العاصمة " ابلوكات" وهدم مجلس الشيوخ (مجلس الشعب)، وسعى لإغلاق المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية الذي ساهم في تأسيس جامعة انواكشوط بطواقمه وحجراته... وسن دخول الشرطة الحرمَ الجامعي، وغلق مراكز التعليم الشرعي وإهانتها على غرار سد باب معهد بوتلميت مطلع سبعينايات القرن المنصرم.
كما شهدت سنيه العجاف تراكمات للديون وزيادتها فتبين أن ما يسمونه مشاريع مجرد "ترقيعات" لزبانيته الذين انفضوا من حوله، وحسب ما يقال أن ولد عبد العزيز أبدع تحويل "صماصرة بورصة" الشمس إلى ملاك المليارات؛
وأمواله متضاربة المصادر بناء على أقواله : من "حفارة للعمل الخيري" إلى الأموال الطائلة والقصور الشاهقة والأراضي الواسعة والشاحنات وأصطول السيارات الفارهة وحتى قنينات الوقود...؛ ولو افترضنا جدلا أنها هدايا فعلى الرئيس ولد عبد العزيز المدعي رئاسة العمل الإسلامي أن يرد ما وهب له بسلطانه على الخزينة (بيت المال)؛ وبحسبنا قصة عمر بن الخطاب وزجه أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم مع هدية زوج ملك الروم، وهذا من إجماعيات الصحابة، وفي الدول الديمقراطية الأوروبية على الرئيس أن يعيد الهدية التي تقدر ب 500€ فما فوق على الخزينة ويحرم عليه قبول الهدية عينا.
ومما يتعلق بالعهد فالجنزال الإنقلابي ولد عبد العزيز لا يرقب إلا ولا ذمة في أحد، فحتى من وثقوا به انقلب عليهم، ومن "أوصلوه للسلطة" -رغم تحفظي على العبارة لكنها باتت مسخدمة- كان أول من طاردهم، وأغلق مكاتبه أمام النخب الوطنية وتهرب من لقائهم مرارا وتكرارا، وبدأ حربا مع النظام القائم الذي يفترض أنه صديقه مُنذ ما أثير من محاولة الانقلاب على ولد الغزواني في أگجوجت.
ولعب بعلاقات الدولة مع الجوار وعلاقاتنا مع الدول وبيع ولاء الدولة (من قَطْع العلاقات وتوترها)، وبيع من لجؤوا للوطن، وزار دولة دكتاتورية شمولية لتُلهمَه، واستنزف الدولة والميزانيات بالترقيعات المرتجلة الفاشلة المفوترة ولعب بالإدارة ومدرستها واستهزء بالشرطة ومدرستها وباع المدارس وهدمها وباع الثكنات...
وتتحمل المعارضة خطأ تركها الحبل على الغارب للنظام حيث شرعت في فتح التحقيق البرلماني، ولم تواكبه بالمهرجانات المطالبة بتحقيق شامل وحساب عادل للعشرية طرا بدل تدوير المفسدين، والعمل على تعزيز دور القضاء واستقلاليته واحترام فصل السلطات؛
فلو تحملت المعارضة مسؤولياتها بدل الخرس من هذه القضية لكنا اليوم قد تجاوزنا هذه الكارثة التي ليست من أول كوارث الرئيس السابق على هذا الوطن المبتلى بالكوارث، كما يحسب للمعارضة منع ولد عبد العزيز امتطاء المعارضة كوسيلة للتهرب من القضاء.
ويحسب للمعارضة إمهال النظام الوقت الكافي بالهدنة السياسية في سبيل تكريس هذا التقليد المتحضر المتمثل في محاكمة المفسدين، ورفض قبول المفسدين المغاضبين كمعارضين مستفيدة من تجربة 2005 وما بعد 2008 مما سيقلل من الفساد وسياهم في تنمية الوطن.
أما مسكنة الرئيس الأسبق فإنه فقر الشعب ليحقق شعار حملته وآلم الشعب بسياساته؛ ودَعْواه المرض قد يكون صادقا فيها، أو خطة للفرار أو التنزه في أوروبا كتمارضه السابق، وعلى النظام القائم أن يعلم أن فرار ولد عبد العزيز من المساءلة خطر على استقلال القضاء، وسيشكل خطرا على الوطن، إذ من المحتمل أن يؤسس ميليشيا، خاصة أن المناخ الاقليمي والعالمي متوتر؛
لم يترك ولد عبد العزيز في الوطن مشروعا وطنيا ولا حتى مستشفى يثق به ليتعالج فيه حتى يُعرِّض بطواقمنا الصحية ويتهمها، وهم من أنقذوه من اعمارة اطويلة وفي 2022؛ ويذكر أن حكم ولد عبد العزيز بيع فيه البر والبحر واستُهِدف أهل انواذيبو بموكا ولوثت بئة الشمال وشعابه وبوطون الأودية ومنابت الشجر بسياسات الإلهاء.
وأما كون المحاكمة سياسية، ف"أي شيء يسلم من السياسية؟" كما قال ميتراه، ومن الطبيعي أن يسوق ولد عبد العزيز هذا الخطاب للفرار، لكن الأمور بمقاصدها، و"اعتبار الأصل لا العارض أصل"، فالمحاكمة ضرورية لتعزيز الشفافية ومحاسبة المفسدين لأن من أمن العقاب أساء الأدب.
وأما خطابات الشعبوية وأطلقوا سراح فلان و"من يحاكم من"، والتعاطف فمتى كانت الشعوب تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها؟ أو ليس الشعب الموريتاني أولى بالتعاطف والشفقة؟!؛
والصادم أن يصدر التعاطف والكلام الفارغ ممن قدم نفسه للرأي العام ووَصيف الرئيس في انتخابين رئاسيين ونائب برلماني كان قد اعتبر تحالف ولد عبد العزيز مع أفلام -في رحلة ولد عبد العزيز العلاجية بداية محاكمته- قبل أن يصير ثالث الاثنين ب : "بالعنصرية وانعدام الرؤية كما خونهم على الوطن"؛
وأفظع من هذا والمخيف أن يفهم من كلام مفكر وكاتب يدرس في الجامعات الغربية إلى غيرهم من مظنة النخبوية؛ فتسويق خطابٍ تدلى من الزعامة والشنفرية إلى التمارض والتعاطف إرجاف ومنكر من القول، ودعوة للتلاعب بالقضاء وهيبة العدالة؛ ويمكن السكوت عنه في بث متصدر لا يحسن خطابا ولا يقرأ كتابا يستضيف غِرًا غُمْرا ينوح ويحن لعهد نهبه، ويلبس الحق بالباطل في محاولة إخراج الإنقلابي ول عبد العزيز كبطل، وهي محاولة لا تنطلي على من له قلب، وشهد سيلان اللعاب وهبات الأرض وذكر المليارات في ذالك البث؛
فحتى لو اعتبرنا خروج فلان أو علان من ملف العشرة كالشعرة من العجين -كما عبر أستاذنا الدكتور في حواره عن ملف العشرة-، فهل ما لا يدرك كله يترك؟!، رغم أن إخراج أي كان من ملف العشرية فعل مدان ومستنكر مهما يكن السبب لأنه تلاعب بالقضاء والقضايا الوطنية المصيرية، ولكن هل الخطأ يبرر بخطأ؟!
ومحاكمة الرئيس الذي يَدّعي ويُدّعى له قبض الدولة من النصف ويدعي علم كل صغيرة وكبيرة ألا يُصيِّره ذلك مظنة الإدانة والمسؤول الأول خاصة أن راتبه يُكْنَز ولم تنفق منه أوقية واحدة حسب قوله؟!.
أما من يحاضرون عن الأخلاق أين كانت أخلاقكم لما أجهز ولد عبد العزيز على حلم الديمقراطية، وأين لما كان يصل ليله بنهاره في العشرية للإجهاز على فصل السلطات ومؤسسات الدولة ويعبث بالقانون والقضاء للنيل من الصحافة ويفسد الصحافة ويهب الإعلام لرجل الأعمال، وأين أنتم من استباحته للمال العام واللعب بالأنفس والأموال والأعراض ففي 2013 : زادت حالات الإغتصاب المبلغ عنها على 485 حالة -رغم التستر على مثل هذه القضايا وعدم التليغ عنها-، وهي أعلى معدل تبليغ.؛ وأجدها فرصة للمطالبة بقانون يحمي المرأة وينتقم للمغتَصَبين، ويسد الفراغ القانوني المتعلق بالاغتصاب.
إن أكثر ما يمكن أن يطالب به لولد عبد العزيز هو محاكمة عادلة، وعلى الحكومة تحمل المسؤولية؛ واستيقانها أن مشروعها وإنجازها محاكمة الفاسدين بتسريح مظنة الاتهام ومحاكمتهم ومصادرة أموالهم وعقابهم، والعمل على محاربة الفساد بالردع والعقاب وقد سوقت هذا الخطابات في حملتها الأخيرة، و محاكمة ملف العشرية، وفتح تحقيق في ملفات الفساد بعدها يجب العمل عليه؛ وسؤال من أين لك هذا سنه الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه بل شاطَر بعض الصحابة أموالهم، ولم يعترض الصحابة رضوان الله عليهم على هذا مما يجعله إجماعا؛
وعلى كل مواطن المطالبة بمحاكمة كل متهم بالفساد بعيدا عن المواقف السياسية ووقوفا مع الحق؛ وتُعتبر محاكمة المفسدين خطوة في الاتجاه الصحيح.
إن ظرف ولد عبد العزيز يجب أن يُساوى مع المتهمين وبقية المحتجزين والسجناء، إذ لا ميزة له عليهم ولا لأي متهم بالمال العام، فهو كالمتهمين مواطن متهم بجرائم أخطر من جرائمهم بل يُرى بعضهم ضحيا سياساته في التعليم والتشغيل والظلم الإجتماعي، وعمل ولد عبد العزيز على بث خطاب الكراهة والتفرقة والنظرة الدونية لشريحة لحراطين التي عرض بها في مهرجان النعمة، ولم يعين من لحراطين رئيسا للوزراء أو وزيرا سياديا، وعنصريته تتجلى في ما أُثير من قتل الناشط في حركة Ne touche pas ma nationalité لا تَمَسوا جنسيتي لامين مانگال رحمه الله وغيره، ونظرة ولد عبد العزيز الرجعية الإستعلائية، وغياب دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية ومساوات الناس في الفرص في عِلْمه وعَمَله يترجمها من يَذُبّون عنه.
والمطالبة بالرفع الطبي كان الأجدر أن تكون للمواطنين الذين لا يلاحقهم القضاء بإنشاء مكتب موضوعي مستقل لا ميزة فيه بين من يوصفون بكبار الشخصيات وغيرهم، إذ هذه الخصوصية تمييز بين المواطنين في حق طبيعي من حقوقهم وتمييز مقرف لا يرضى به من يُعتر كبيرا أحرى في أرذل العمر.
وبما أن الرأي العام اهتم بوضعية سجين، فكان الأولى الدعوة لاحترام حقوق الإنسان واحترام حقوق السجناء وسجنهم في ظروف تليق بالإنسان وتوفير الغذاء والدواء والرعياية الصحية للسجناء دون التمييز على أساس المنصب أو المكانة المادية والاجتماعية؛ وكذالك المطالبة بتحويل السجون إلى مراكز إعادة تأهيل وإعادة النظر في آلية جادة تمكن من تأهيل السجناء ودمجهم في المجتمع وإبعادهم عن مسببات الجريمة.
وأعتذر عن هذه العجالة، وربما يُكتب عن الموضوع بتفصيل إن اقتضت الضرورة ذالك، مع جزمي أن سكوت نخبتنا ومثقفينا وصناع الوعي ضد حملات التعاطف مستغرب، وخيانة وتحامل على الوطن لأن حرب الفساد لا تكمل إلا بالعقاب، ولو لم يحاول البعض أن يلبسها لبوسا أخلاقيا وقيميا لما كتبت عنها، ونطلب منكم المعذزة؛ وأسأل المتباكين على الرئيس السابق بقول الشاعر (بتصرف) :
"مالي أرى الناس مالوا نحو جالدهم
حنوا إلى السوط" أم من فرقة العسل؟!
والسلام.