ألا يحتاج الإصلاح السياسي في موريتانيا إلى مصلحين؟ / د. إشيب ولد أباتي

لعل اجتماعا وزاريا، تاريخيا، سيحصل قريبا في يوم الأربعاء، لأنه من حيث الاهمية  يشكل قطيعة مفصلية بينه، وبين تلك اللقاءات الحكومية الروتينية، وإن لم يكن في التوقيت ، وفي ذات المكان، وبمتعلقات اللقاء الحكومي.. فإنه سيكون  تاريخيا في نظر السواد الأعظم من المجتمع الموريتاني، المتطلع لغد جديد ينعم فيه بنتائج الإصلاح السياسي الذي  يهدف للاصلاح، ويصب في مصلحة الجميع بما في ذلك  النخبة السياسية  المهمشة التي خاب أملها لدرجة  اليأس، من  القائمين على تلك اللقاءات الوزارية الأسبوعية، لأنها تحمل فشلها، وفشل الأنظمة البائدة نظرا  لفساد الوزراء ، وبالتالي عدم جدوى تلك  اللقاءات  التي كانت مناسبات  سعيدة لأصحاب الوجوه الممتلئة  الضاحكة ، كما" البقرة الضاحكة"، ويخرجون  في آخر لقاء لهم في الوزارة  مولين الأدبار بوجوه عابسة، باسرة، بينما هي في حقيقة تعيد اخراج تلك   التراجيديا بمأساتها، وملهاتها، وسادية ممثليها الذين يضحكون على بكائيات  المجتمع الموريتاني..!
لذلك كان موعد اللقاء التاريخي بتوقيته،  سيطوي صفحة سوداء في ذاكرتنا الجمعية، لأنه ربما يقصي إلى غير رجعة  كل وزراء اليوم، كما مضى  من سبقوهم، وإن خلفوا بعدهم  الوزراء من ذرياتهم، فهذا ابن  " عضلة" فلان،  وتلك ابنة " شاكلة "فلانة..!
       أما عن مكانتهم المحفوظة في الذاكرة السياسية، فليطمئنوا آباء، وابناء ، فقد خدشت  اسماؤهم، كعناوين تلك اللقاءات الروتينية  بحلقاتها الفارغة … بفارغ  صبر المجتمع  على السنين العجاف، نظرا لقحطها السياسي، وفسادها المالي ، ولذلك، فحلقات اللقاءات بعيد لحظتها، كالعجاج الذي تذروه الرياح، لتصبح أثرا بعد عين، و نسيا منسيا، فلا عنوان لها على صفحة التاريخ السياسي في بلادنا..!
 وربما  يجمع الرأي الوطني العام على  أن اللقاء الموعود، سيكون متميزا عما سبقه، لذلك  تشرئب له النفوس، وتتجه إليه الأنظار، لانه ، أول إجراء عملي، يفقس  فيه  الرئيس  محمد ولد الشيخ الغزواني بيضة  الإصلاح  السياسي الأولى، وذلك في سبيل أن يخرج بمشروع سياسي متكامل، يسجل به  اسمه في التاريخ الوطني، ولعله  يقصد به  ذلك الوعد المسئول منه   للمجتمع الموريتاني الذي قطعه قبيل توليه الرئاسة في برنامجه الانتخابي الأول  تحت العنوان  الذي شبع  الجميع بوهمه، ودقات جرسه المتكررة، كما  تجربة  " بافلوف"  في الدعاية  بما لها،  وما عليها ..!
 ف " تعهداتي" الرئاسية، كانت  طيلة أربع سنوات مبهمة، وإن كانت، لم تخل من مبادرات فردية  إصلاحية ملموسة، غير أنها كانت مبادرات موسمية قبيل الانتخابات البلدية، والتشريعية، والرئاسية مثل كل المبادرات السابقة التي طالما  تكررت أثناء استعراض  لون  واحد من ألوان الطيف  يغطي واجهة أحادية  لكل انظمة الحكم البائسة التي قبرت في حاويات التاريخ، وكان أولها  المبادرة الرائدة التي بقيت خارج صندوق الحاويات،  كخطوة جبارة  تمثلت في " تأميم" الشركة المشرفة على استخراج الحديد، وهي - للتاريخ -  تحسب من المبادرات الحية التي تخلد الراحل  المختار ولد داداه رحمه الله، وعززها  برفضه  للتبعية المالية لفرنسا من خلال استبدال "الفرنك" الأفريقي بالعملة الوطنية" الأوقية "  في بداية سبيعنيات القرن الماضي،، لكنهما لم تشكلا رؤية متكاملة لبرنامج  الإصلاح السياسي الذي  من شأنه أن يراكم المبادرات الإجرائية  المخطط لها ، حتى يتحقق التغيير المنشود..
      ونحن الآن في انتظار الوعدد المتجدد  الذي  أعلن عنه الرئيس في  آخر السنة ٢٠٢٤ خلال انعقاد مهرجان مدينة" شنقيط"، برمزيته التاريخية المرتبطة بإرث المدينة  في التواصل الثقافي، ومن أجل فهم الثقافة  في بعدها الاستشرافي للمستقبل  بسلوك سياسي عملي  مؤثر في حاضر المجتمع، لذلك أعلن الرئيس  الغزواني في بداية الفترة الثانية  من رئاسته،  بدء ترجمة " تعهداتي"  في هذا  المشروع   السياسي  الإصلاحي المرتقب..
  
        ويتوقع الفاعلون السياسيون الغيورين على الوطن، أن تكون افتتاحية اللقاء الوزاري ذات وقع خاص، وذلك  تمهيدا  للحدث التاريخي، وتحسيس الوعي  الوزراء بالمسئولية المطلوبة منهم،  ويتوقع  ان يفاجئ الرئيس،  وزراء  الحكومة  بلغة صارمة، تحفر في الأذهان بما يستشعر فيها من  المسئولية، والشروع  برسم معالم لمشروع سياسي  إصلاحي من خلال العمل الحكومي المستأنف..
 وعلى غرار استعداده السابق أيام كان ضابط  متميزا بالانضمام العسكري،  وفي استعراضه للجنود في تحية العلم الوطني الصباحية، فإن الأمر، يستدعي  كذلك تهيئة الوزراء لشد اعصابهم، و استجماع قواهم العقلية بمقولة " ألكسيس كاريل" التالية:" إن الإنسان، كالشاة التي تستشعر قدوم العاصفة، وهو يستشعر بداخله وجود الخطر"، وتجنبا لذلك، فمن المتوقع أن يقول: تعالوا  لنناقش - في لقاء اليوم - بروية، آلية الإصلاح السياسي، ولنبدأ بالسؤال التالي:
ألا يمكن للإصلاح السياسي، أن يتحقق دون أن نحتاج للبدء بأنفسنا، وتشكيل فريق عمل، سيواجه - دون شك، ولا  ريب -   جملة من  التحديات الداخلية، والخارجية التي تعترضنا..؟
 فلو افترضنا طرح  هذا السؤال  عليكم سادتنا الوزراء، من أجل التأكد من كفاءة  الحكومة، وتكليفها بالمشروع  الذي صار قاب قوسين، أو أدنى.
 إن خلفية الاجتماع  تتضمن نتائج ليس منها الطلب  من رئيس الحكومة استبدال الفريق بآخر، إنما ان نختبر استعداد أعضاء  الحكومة، وقدراتهم  العتيدة، لتوظيفها  لصالح المشروع، والدفع به الى بر الأمان تطبيقا فوريا، وسلسا  معا ..
والسؤال الذي يتهامس به  الرأي العام في مجتمعنا، هو: ما هي  الإجابات المتوقعة من  السادة الوزراء  على السؤال أعلاه ؟

     لعل الإباحة تتوزع  بين القبول، والرفض المتذاكي، وتكون إجابة مغلقة  ب " بلى"، أو" نعم" النافية. 
و كما كان متوقعا، رفع معظم أعضاء الحكومة، أيديهم بالموافقة، وبالتالي  تأييد  الإصلاح السياسي، لكن  التأييد، سيكون  مطلقا، أو مقيدا، وهل سيتميز بالصدق، أو  بقدر من التذاكي الذي يجعل من الإصلاح السياسي، مفرغا من برنامجه؟
  يكفي لإفراغ الإصلاح من مضمونه،  أن الذين يوافقون عليه ان يذكروا بالتحديات الداخلية، والخارجية، أو يذكروا  بالموافقة مع اشتراطات، كان  يريدوا إصلاحا مفصلات عليهم، كما تفصل  "الدراعة" الموريتانية  بالخياطة غالية الثمن ذات  اللون الأصفر الفاقع،  و الأكمام  المنسدلة، المرتخية فوق الأطراف طيلة الوقت، ومشاغلتها على الأقل، وبالجيب - اللبن: بتضعيف اللام وكسره، وسكون الباء، وفتح النون - الذي يدفئ الصدر طولا، وعرضا، ويغطي القلب، ويطمئنه  بما في الجيب: عدا، ونقدا..!  
وهذا عكس المتوقع من كل إصلاح سياسي، وهو أن  يستهدف السلطة التنفيذية، والأمر- لا شك -  يتطلب  تغييرا في الأداء  السياسي، والتزاما  بما هو مفروض على الشخصيات الاعتبارية: وزراء، وكتابا، ومستشارين، ومدراء، وحراسا  جالسين في مكاتب استعلامية، لا حراسا واقفين أمام البوابات، يصدون الزوار، ويعطون مواعيد، ويأخذون عربونا لإدخال هذا، ومنع غيره..!

   فإذا ما  إلتفت الرئيس على يمينه حيث الفريق ( بلى)،  الموافق باغلبيته التي  شجعت غزواني  -  اتخذ الفريق مواقعه على الطرف الأيمن من الرئيس في القاعة على غرار اليمين المحافظ في الجمعية الفرنسية  - 
  وقال :  ما هي إجابتكم التي يمكن أن نستفيد منها -  وليتكلم  واحد بالنيابة عنكم حرصا منا على وقت  الاجتماع - ؟
فنظر بعضهم لبعض، وأشاروا  بهزات خفيفة،  لرؤوسهم، وكانت مصحوبة، بغمزات  من أطراف العيون على  السيد الوزير ( ج)  من أجل أن يتحدث بالنيابة عنهم.
…………

  قال الوزير (ج): 
سيدي فخامة الرئيس، نشكركم على الثقة التي اعطيتم للسادة الوزراء،  ولي شخصيا بالتكلم أمامكم، وأمام السادة الوزراء، وإجابتنا الصريحة على سؤالكم، هي : ( بلى)، فنحن معكم في الإصلاح السياسي، ولكن بدون أن نكون نحن المستهدفين فيه..!
فقال الرئيس، كيف ذلك، من فضلك اشرح  لنا تصورك  الشخصي، وتصوركم العام  للإصلاح السياسي ؟!
قال: ( ج)، إننا كلنا أمل في إصلاح العباد، والبلاد، ولكن بالأسلوب الرصين،  الهادف، لأننا جنود هذا الوطن، وواجهته المشرفة، ولأننا كذلك، فنحن نعتبر أنفسنا، مثل أفراد المؤسسة الأمنية الذين هم  القدوة في التضحية، والدفاع عن أمن المواطن، ومؤسسات الدولة، ونظم المجتمع، ولكن ذلك لم يفرض عليهم،  أن يكونوا مشاغبين في قمعهم للشغب الحاصل، ولا أن يكونوا مجرمين في مواجهة  الإجرام،  فلنكن  نحن  قياسا على ذلك بالإشراف على الإصلاح السياسي، ومواجهة الفساد دون أن نكون الجهات المستهدفة، وإلا كنا، كالأداة العمياء التي لا تفرق في  البتر بين العضو الصحيح من السقيم ..!
 فنحن من الفريق الحكومي الملتزم بقواعد الإصلاح السياسي، وتطبيقه حرفيا، ولكن بدون تدخل في خصوصياتنا، وما يمس بالمكانة الاجتماعية، فنحن  قادة  الحكومة الحالية، ومعظمنا خاض  تجارب مليئة بالعبر المستفادة من العمل الدؤوب في الحكومات السياسية الفائتة،  دون  تبرئتها من ارتكاب بعض الأخطاء التي راكمت الفساد، لأنه -  الفساد - الآن في مختلف الواجهات الثقافية، والسلوكية، كما في المواضعات الاجتماعية،، وهي مجتمعة، تحتاج للتبصر والواقعية، والمسئولية، وإلا  فنحن كمن أعلن حربا على الثقافة السياسية، والنخبة الحاكمة،  والمجتمع العام، وعلاقاته القائمة على" الهرمية" في الأحساب، والأنساب، وتباين المصالح..

    لقد تشكل الوعي الجمعي،  والفردي، وكذلك العقل السياسي في الواقع المعيش منذ نشأة الدولة  الموريتانية خلال أكثر من ستين عاما، وفرض كل منها  مظاهر الشخصية المطلوبة اجتماعيا، وعقليا، وسياسيا، ومعظمها يستند إلى قيم  الفساد، والبذخ، وإعطاء القريب، وذوي الأرحام، والجمهور المشايع لوزراء الحكومة، وما هو المقابل لذلك -  لو سألتني سيادة الرئيس - ؟
 إنه العطاء السخي من المال العام ، وهذه البيئة الاجتماعية، نمت أخطبوطا متعدد الأيدي الممدودة .. لإطعام الجوعى على خلفية المحسوبية، وتفشي الرشوة، وخيانة الضمير، والتعاطي مع قوى الخارج المساندة لهذا الواقع المؤلم،  وبالمناسبة، إن  قوى الخارج ،تحتاج  دائما، إلى عقل وظيفي، وعارف بما يطلبه الغرب منا، وكذلك العالم الخارجي عموما، وفي نفس الوقت، أن نكون غير معادين  للواقع المحلي، ولا منفصلين عنه، و في سبيل التفاعل البناء مع  الخارج، تحتاج حكومة بلادنا للتأييد المحلي، حتى لا يتمكن اعداؤنا  من حصار الحكومة، أو وضعها بين كماشتين:  المجتمع الرافض، والاطماع الغربية حالما لم تؤيد من طرف المجتمع، لأنه هو السند لها، مع الشركاء الدوليين..
     اسمح لي فخامة الرئيس، نحن من افريقيا، والوطن العربي، والجميع يعترف، بأن توزيع الوزراء على الوزارات، يراعى فيه  الحضور المؤثر لمجتمع القبيلة، وأدوار كل واحدة، وكذلك دور المناطق الجهوية، والإقليمية، والأعراق، حتى الوزارات  السيادية خضع التعيين فيها لمعطيات هذا الحضور الاستثنائي للانتماءات المجتمعية، وهذه الحقيقة كتب عنها أحد الوزراء -  متعه الله بالصحة، والسلامة - في الفضاء الأزرق على صفحته الفيسبوكية، وأرخ  فيها  لمظهر واقعي في التاريخ السياسي بلادنا..
 ونحن في واقع الأمر، يمكن أن نطبق ما أمر به السيد الرئيس، ووافق  عليه فريق الحكومة  في برنامجه في الإصلاح السياسي .
     السيد،  فخامة الرئيس، إن هذا الإصلاح السياسي، ينبغي أن لا يلزمنا تطبيقه بما هو مخالف للقيم الاجتماعية، لأن ذلك  يدخلنا في مواجهة مع أنفسنا، ومع  محيطنا القبلي، والاجتماعي العام، وأكثر من ذلك، إنه بمثابة  إعادة التأهيل، وتغيير ما شاب عليه جيلان   بصراحة، إنه يوجهنا إلى مرابض الديار، ومقاعد التعليم الأولي، بينما نحن اصحاب شهادات عالية، ويمثل  معظمنا، رؤساء قبائل  في مجتمعنا الموريتاني،  ومن حسن الطالع أننا مارسنا العمل الحكومي  مدراء، وكتابا عامين للوزارات، ثم  وزراء..
 ومن جهة أخرى، ينبغي الوقوف  مليا، والتفكير في العالم حولنا، إن الظرفية الدولية، لا تسمح بالإعلان عن إصلاح  سياسي فاعل، وإنما يمكن تمرير بعض الأداء الحكومي في شكل مبادرات فردية على  ألا تهدف للتغيير العام الذي، يهدد مصالح الغرب في بلادنا، لأن ذلك، يعرض البلاد للتدخل الأجنبي  بشكل مؤكد..!
 
      قولوا لي أيها السادة الوزراء، ألم نشاهد جميعا، كيف أسقط الغرب  بقيادة أمريكا، وحلف الأطلسي، الأنظمة الجمهورية، ونجانا الله من تلك الانتفاضات، ومن إرسال المتطرفين في الطائرات الحوامة إلى  ليبيا من العراق، والصومال - ودول الساحل الإفريقي التي نحن  نتبوأ قيادتها -  وفرض على جيوشها النظامية، وأمنها الداخلي، هذه  المواجهات المفتوحة  غير المتكافئة على  الجيوش النظامية، وتفكيك  الأمن الوطني ، لإضعافه أمام الإرهاب المدجن في السجون الأمريكية، والفرنسية في العراق، وليبيا، بهدف شن الحروب الأهلية ، وكان المستهدف منها الحكومات الوطنية،  وتغييرها بأخرى متصالحة مع الغرب..؟!
ومن يشكك في هذه الأمور من السادة الوزراء، فعلي  أن  أساله  لماذا لم تتعرض الحكومات الملكية، والأميرية للتهديد على عكس منها الانظمة الجمهورية في اليمن، والعراق، وسورية، وليبيا، وتونس، ومصر، والسودان التي أرعبنا  نحن الموريتانيين  تقسيمها على أساس عرقي،،  وحصل قبل ذلك  تدمير منجزات التغيير في الجزائر، والصومال، والحرب القائمة في مالي، والنيجر، لم تنته، ولن تنتهي في وقتنا الحالي..؟
والجواب على الأسئلة، لا يحتاج إلى كثير من التفكير، والتأمل، لأن السفارات الغربية، لم ترسل تقارير عن برامج للإصلاح السياسي الذي يهدف للتغيير، والنهضة، والتحديث الذي يهدد مصالح الغرب في الأقطار المحكومة بالأنظمة الملكية، و الأميرية، خلافا للتقارير التي أرسلها السفراء، والقناصلة من الأقطار الجمهورية، ولأن الغرب لن يعجزه المبررات للتدخل، واحتلال بلادنا مرة ثانية لا قدر الله، سيما في الفترة القادمة حيث، سنحصل على عائدات طفرة  الطاقة، ويسعى الغرب لتحديد الغرض منها، وهو  أن تنعكس عائدات الريع  على  مداخيل الموريتانيين، لتحسين مستوى المعيشة  للفرد، وتلوين مظاهر التحضر ماديا، والتفاعل الإيجابي مع ثقافة العولمة  دون أن يؤثر ذلك على النظام السياسي، وأنظمة المجتمع..( أشار الرئيس إلى الساعة في  يده)
 فتوقف الوزير ( ج) عن الكلام  - غير المباح - !
…….

          وقال الرئيس محمد الشيخ الغزواني، إن هذا الكلام، كان  في غاية الأهمية، ويستحق النقاش الصريح، و الهادئ، وذلك للحصول على إجابات متفق عليها.
والآن أعطي الكلمة للفريق الثاني الذي رفع الأيدي رافضا الإصلاح ، لذلك، اتمنى عليه، أن يختار منه  متحدثا عنكم، وليتفضل بما عنده من حجج بمثل هذه المرافعة  التي استمعتم  فيها  لحجج الفريق الوزاري باغلبيته، وما أظهره من مقدرة زميله على  التنظير للإصلاح السياسي  المطموس المظاهر، والمقصوص القوادم، والتعويض عنها بالخوافي التي لن تمكنه  من الطيران لأقرب شجرة منه، وكل ذلك من أجل أن يبقى الإصلاح السياسي، كالطائر في عشه في انتظار أمه التي تطعمه بالزائد الممكن  عبر بصاقها في فيه، وهذا هو حال مجتمعنا الجائع الذي تجود عليه الحكومات بما بقي خارج حاجة السادة الوزراء، والعطايا الفردية التي تحسب للوزير، تجنبا لعقاب  القوى الدولية المفترسة، ومن جهة أخرى، ليبقى  أبناء الوطن على ولاء  لشيوخ قبائلهم الذين هم  أفراد الحكومة..  !
وعلى  الرغم  من أن هذا الموقف  له خلفيته الموضوعية، ومنهجه المتحفظ  على نتائج الإصلاح السياسي، وعواقبه إن تولى   المصلحون المشروع التنموي ، غير أن بعضنا تناسى، أن  تجاربنا على مقاعد الدراسة، أكدت للجميع  أنه لا يمكن أن إسناد  التعليم  لغير  المتعلمين، و المتشبثين  بقيم التربية الفضيلة، وكذلك الحال بالنسبة للإصلاح السياسي الذي يحتاج إلى إصلاحيين، لا إلى حراس، بل مخططين، ومنفذين، ووطنيين، يسميتون في سبيل   مجتمعهم، وتحقيق التطور، والتنمية، والرخاء..

 و التفت الرئيس على الفريق الممتنع عن التصويت، قائلا:
    -   ما هي إجابتكم؟ 
     -  فقالوا : ( نعم)، 
     -   الرئيس بدون مغالطة؟، 
      -  قالوا: بدون مغالطة..
       - قال : ما الذي تريدون من  الإصلاح السياسي وماذا ترفضون منه : أهو الرفض  في ذاته، أو هو  لذاته، أو للقائمين عليه ؟
     صحيح، أن الإصلاح السياسي، سيكون الهدف منه، تعميم مشروعه  للصالح العام:  أفراد المجتمع، ونظمه،  وتطوير  أنظمة المجتمع، وأولها النظام السياسي الذي يعطي هوية للمصلحين العظماء باعتبارهم  مصدر الإصلاح العام في الإدارة، و النظام المالي الذي يرفع شعار" من أين لك هذا" ؟
 وكذلك إصلاح نظام الوظيفة العمومية، ومنع التعيينات التي كثيرا ما تصدر في شكل مراسيم حكومية، لأنها  تتنافى مع اشتراطات سلم الوظيفة العمومية في التوظيف، مثل المسابقات المنصوص عليها، والتخصص، والكفاءة، لأن كل هذه الأمور لابد من مراعاتها، وكان تجاوزها، يعتبر  من مظاهر الخلل التي نبه إليها  الأعلام الحكومي، والإعلام الحر، ووسائل التواصل الاجتماعي، ودور الكتابات التنويرية في "المواقع" الافتراضية التي نقلت هموم  المواطن، المعاناة  المؤلمة للحصول على المطالب اليومية التي كان عصيا على المواطن، و مشوها لسمعة النظام السياسي، ومكانة بلادنا  فيما نقلته التقارير الدولية التي شجبت ، وتشجب  هذه الممارسات التي تتنافى مع الشفافية  في أدنى مستوياتها..!
    فالإصلاح السياسي، يؤسس للنظام الوطني،  والتحولات الاجتماعية  التي عقدنا العزم على أن نطرق  أبواب العصر بمفتاح الإصلاح المنظور، ومن يريد أن يبقى مقيد الفاعلية بيننا، فهو  بمثابة حارس لهذا المفتاح، وربما يكون غير مؤتمن على الإصلاح، لأنه غير مهيأ لممارسة العمل السياسي وفق معطياته،، بينما هو يميل بسلوكه الإجرائي إلى مناهضة تيار الإصلاح السياسي، وهذا احتمال وارد…
 والغريب، أن هؤلاء الذين  اعترضوا على الإصلاح السياسي، معظمهم من الشباب في حكومة الشباب الجديدة التي استأنفت عملها في بداية الفترة الرئاسية الثانية.
 ونحن نعتزم إجراء خطوات جريئة، وذلك   استجابة لمطالب المواطن  في الإصلاح، ومساندة  الوزراء الأصلح،  الذين يطورون مشاريع التطوير، والتنمية المستدامة، وقيادة التحول الاجتماعي الذي توقعه الناخبون الموريتانيون مني، وهو دين في رقبتي، لأنه من " تعهداتي" السابقة التي حال دون العمل من أجلها، ما تعرضت له البلاد أثناء  انتشار  وباء " كوفد 19" .
لذلك أعطي الكلمة لفريق الإجابة (نعم)، لتوضيح  موقفه، وتصوره للإصلاح السياسي من عدمه؟ 
…………..

    تبادل الفريق النظرات فيما بينهم، فوقف السيد الوزير (م)،     وقال:  سيادة  فخامة الرئيس، السادة الوزراء الموقرين .. 
اسمحوا لي أن أعلن  نيابة عن وزملائي، وباسمي الشخصي،  فنحن  الفريق الذي أجاب على السؤال ب ( نعم) ، تعبيرا ليس عن  رفضنا للإصلاح  في هويته، ولا في غاياته، وإنما على القوة السياسية المشرفة عليه ، ونعتقد جازمين بأننا أمام:
        ١- حقائق قائمة،   
        ٢- توقعات مطلوبة، وبينهما تعارض، يصل حد التنافي بين القضايا الكلية، وكما عبرنا من جهتنا عنها بالإجابة (نعم)، المنافية للإجابة الأخرى (بلى)..
فالحقائق القائمة، صريحة في  أن الحكومات السابقة، ومنها الحالية، قائمة على التدوير، والمحاصصة، وتوزيع  الحقائب الوزارية على أساس الأسر المحدودة التي احتكرت التوزير في مختلف الحكومات السابقة،  لأن كل واحد منا يجلس  على مقعد  والده، أو أمه، أو أخته، أو عمه..
ولعله من المعروف،  أوتحياتي لكمن والد  كل واحد منا، جلس على مقعد جده  الذي، كان قبيل الاستقلال الوطني، إما مترجما فرنسيا، على عهد المحتل الفرنسي،  أو ابن مفوض شرطة  طيلة عمله حتى تقاعد، فكون علاقاته التي اوصلت ابنه الى التفرد بالتوزير، وكذلك الأمر لابن الدركي في الجمارك على الحدود البرية، والموانئ البحرية، أو ابن الضابط العسكري الذي  شارك في الحرب سيئة النتائج، وكذلك  ابناء  الرؤساء  السابقين، و ابناء شيوخ القبائل،،،!
     نعم، نحن من هذا الجسم الاجتماعي العام المريض بالتخلف البنيوي، وليس المظاهر فحسب،، و الواجب من الطبابة ، لا  أن  نجلب معقما، يحمل ذات الفيروس، فهذا  دواء لا يصلح في حالة الإصلاح السياسي، والاجتماعي ..
لأن مبررات الإصلاح السياسي، لا يمكن تجاهلها إلى ما لا نهاية، ونتمنى أن يكون التوزير الحاضر، وفي المستقبل القريب، على أساس نسبة أصوات الأحزاب في الانتخابات الخاصة التي تتنافس على رئاسة الحكومة، وعضويتها، وهذا هو المنتظر في  المشاركة السياسية حقا، وحقيقة..
فما تحصل عليه الأحزاب من أصوات  الناخبين، يجب اعتماده من أجل تجاوز سياسة التعيينات العشوائية، أو القصدية الجارية منذ نشاة النظام السياسي، وفقا لعلاقة الخضوع للنظم الاجتماعية المتخلفة، فلنجرب قيادة النظام السياسي للنظم الاجتماعية، والعمل على تطويرها بدلا من مراعاة  رموز  الجماعات القبلية، والجهوية، والفئوية، والعرقية ، والإخضاع الفاسد، والمذل لنا جميعا، و للنظام السياسي الذي لا يعبر عن قيم العصر الحالي..!
 
    السيد الرئيس، نتمنى على الجميع،  أن نرتقي بالعمل السياسي، ولن يكون ذلك ممكنا، إلا  حين نجعله شراكة بين الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، كما هو الحال الجاري  في جميع التجارب الديمقراطية،  ودمج كل البرامج  الحزبية في العمل الحكومي، بدلا من  إقصاء الأفكار الإصلاحية، وحامليها، وهذا بمثابة فتح " كوة" صغيرة في مشهدية التنافس في الانتخابات البلدية، والتشريعية فقط، كما  الواقع القائم في بلادنا من حشر أحزاب المعارضة الهامشية  في البرلمان، واسكاتها بحصة  مالية بعد التأهيل للبرلمان، رغم  إقصائها من المشاركة في التسيير، والتخطيط، والتنفيذ في الحكومات منذ التجربة الديمقراطية البائسة التي شوهتها، وعرت حقيقتها الصورية " الهلامية"، تلك  التجارب الميتة -  قبل نهاية  مأمورية حكوماتها -  وانعكاس فشلها  الذي تولد عنه الإحباط، تلو الإحباط  في كل التجارب السياسية  طيلة  الثلاثين سنة الماضية ..!
ولعل  الخطل في الأداء الإجرائي المصاحب للإصلاح، هو " السبب الكافي"، لتفسير الإجابة المشروطة..!!
وأخيرا لا بد  من وضع حد للفساد المالي، والإداري، والاقتصادي، كذلك من المفروض إخراج  التعليم العام  والصحة العامة  من افتراس القطاع التجاري الخاص  للناشئة  في عقولها وتربيتها،  ونهب  ما في جيوب  أولياء الأمور، والعمل على تأسيس قاعدة للتنمية المستدامة التي نراهن عليها شاء من شاء، وأبى من أبى، لأن هذه المطالب  المشروعة، والمستحقة للموريتانيين، ستحققها قواهم الوطنية عاجلا، أو آجلا، ولعلها في طريقها للتحقيق بإذن الواحد الأحد ابتداء من هذا الإصلاح السياسي المقترح من طرف السيد الرئيس، وجاء وفاء لوعده الذي تعطل  القيام به لظروف خارجية، ولكنها الآن، يتضح انها ظروف  داخلية بصراحة السادة  الوزراء  المشكورين عليها

14. janvier 2025 - 9:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا