أخيراً، أُسدِل الستار على واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للجدل في التاريخ السياسي الموريتاني، بالحكم على الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً. كان الشارع الموريتاني يترقب هذا الحكم منذ سنوات، يتساءل بفضول وريبة: هل سيتحقق العدل؟ وهل يُحاسَب من حكم البلاد لعقد من الزمن؟
لقد بدا أن الرجل يواجه مصيره وحيدا، بعد أن توارى رفاق الأمس عن الأنظار، وتركوه يواجه الاتهامات منفردا. وهنا تطرح تساؤلات مشروعة نفسها: هل كانت العدالة منصفة بحق الرجل؟ أم أن ما جرى كان انتقائية قانونية أملتها ظروف سياسية متغيرة؟ وهل هذه المحاكمة تمثل بداية عهد جديد تُطبّق فيه العدالة على الجميع دون استثناء، أم أنها مجرد استثناء في سجل طويل من الإفلات من العقاب؟
ما يثير الانتباه أن المحاكمة جاءت في سياق حديث متكرر عن “الحرب على الفساد”، وهي عبارة طالما سمعها الموريتانيون، لكنهم نادراً ما رأوا نتائج ملموسة لها. فهل يمكن اعتبار هذه المحاكمة دليلا فعليا على جدية الدولة في محاسبة الفاسدين؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تسوية سياسية بين أجنحة السلطة، دفع الرئيس السابق وحده ثمنها؟
في الشريعة "الفاعل والمعين في الإثم سواء، وفي القانون، يُعاقب الشريك في الجريمة كما يُعاقب الفاعل، سواء كان مُحرّضاً أو مساعداً أو مخططاً. فلماذا إذاً لم يُحاسَب الآخرون الذين كانوا شركاء في اتخاذ القرار وتسيير مرحلة بأكملها؟ أليست المحاسبة الشاملة مدخلاً أساسياً لتحقيق العدالة الكاملة؟
تفتح هذه القضية باباً واسعاً للتفكير في المستقبل: هل ستكون هذه المحاكمة سابقة يُحتذى بها، يتم من خلالها محاسبة كل رئيس عند نهاية حكمه؟ أم أنها ستبقى حدثا معزولا لا يتكرر؟ وهل ستُشكّل رادعا حقيقياً لكل مسؤول، يخشى من تبعات التفريط في أمانة الحكم والثروة العامة؟
يراهن البعض على أن هذه المرحلة قد تكون بداية نهضة حقيقية، تتجسد فيها دولة القانون، وتتحقق فيها الشفافية، وتُسترد ثروات الوطن لصالح المواطن. فهل نشهد بالفعل ولادة موريتانيا جديدة، لا يخشى فيها القضاء لومة لائم، ويُحاسَب فيها الجميع دون انتقائية؟
هذه مجرد تساؤلات يطرحها صحفي من المهجر ، يأمل أن يرى بلده يسير نحو مستقبل أكثر عدلاً وشفافية، حيث تُبنى الدولة على أساس المحاسبة والمساواة، لا على الانتقائية وتصفية الحسابات.
بقلم: صحفي: اباه أبيري المامي
فرنسا بتاريخ : 14/05/2025
