الأمن والعدل والحوار في وطن يعبر التحولات وتقاطع الاتجاهات! .. / سيدي ولد محمد فال

لا شك أن ثقافة ترسيخ الحوار السياسي، كما قلنا مرار ويتفق عليه الجميع، هي أنجع طريقة لغربلة تباين الرؤى في الشأن الوطني، إذ أن الحوار مهم جدا وحافز للتقدم في كل الظروف سياسيا واقتصاديا وأمنيا…
وهو أكثر إلحاحا حين يتعلق الأمر بأمن الوطن ووحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي، مع بروز سموم خطيرة، تستهدف بشكل علني هوية البلد ثقافيا ودينيا منذ سنوات للأسف، إنه استهداف مباشر لموريتانيا بكل شعبها وأرضها وسمائها، 
إنه استهداف وقح، للجمهورية، ولشعارها: شرف – إخاء – عدل …
انه تلطيخ للشرف، وإفساد أهوج للإخاء، وتضليل وإرجاف في أروقة العدل ..

موريتانيا بحاجة للحوار بين أبنائها المخلصين، وحشر المنسلخين من الوطنية في الزاوية، وفضح كل عملاء الفعل الخارج على القيم والدين والقانون الضار بالشعب كل الشعب والوطن..
وكما قلنا سابقا، موريتانيا بحاجة بدرجة أقل؛ لحوار يستهدف بلورة حكامة سياسية راشدة ومتنورة، وإستراتيجية تنموية واقتصادية ناجعة، ومقاربات أمنية معقلنة وشاملة وصارمة..
حاجة الحوار في مجمله مهمة.. 

إلا أنه ينبغي دوما التساؤل لماذا، وعلى ما ذا نتحاور، وما يراد من الحوار، وكيف يكون الحوار، وعلى ماذا، وما هو الموضوع الأكثر إلحاحا للتحاور بشأنه؟..
الجواب على أسئلة الحوار ، بنظري، يحتاج أولا، إلى تشخيص الحالة العامة للبلد بكل تفاصليها، السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية 
في واقع العالم اليوم، تشهد الدول والشعوب مواجهة طبيعية مع التحولات العميقة والكبيرة، التي تكسر الرتابة وتزعزع مسارات الحياة وتؤثر، وربما تمتلك القدرة على توجيه الأمور، وفق اتجاهاتها المتعددة..
وفي واقع المتغيرات الجذرية التي تؤكدها معطيات الأحداث في موريتانيا، صار من الواضح لدى الشعب الموريتاني، أن تحولات كثيرة طرأت، وربما أوغلت في الانتشار لحد أنها صارت تحاول زرع قيم بديلة لا تشبه قيم الشعب الموريتاني الدينية والاجتماعية.. ولا السياسية ! 
وهو دليل على أن هذه القيم الوافدة كسرت كل الحواجز، وأصبح من المقلق للجميع، قدرة الكيانات الموازية للمجتمع والدولة على التحكم بأساليبها المستنسخة والتي تتجاوز القيم الدينية والاجتماعية، وقد لا تخضع للنظم والقوانين بسبب قدرتها على المناورة والتلبس ورهن النفوذ لمصالحها !

كلما تعززت سلطة الدولة الناظمة وقوة القانون والعدالة قويت سيطرة الدولة وسلطان القيم الدينية والمجتمعية للشعب، وصار الكل مطمئنا على المسار التنموي الآمن من الانزلاق في بؤر التحولات ومنافذ الاتجاهات المتعددة المصالح .. 
وكلما تزايد وجود وسيطرة الكيانات ذات المصالح الانتهازية السياسية أو الدينية أو التجارية، تراجعت قوة الدولة والسلطة الناظمة وتراخى سلطان القيم الوطنية .. 

إن تشخيص الحالة الوطنية العامة، والتأمل في المتغيرات والتحولات ومسار الاتجاهات حتما سيساعد على وضوح الرؤية في سبيل بلورة عمل وطني بقدر الطموح، والحفاظ على تماسك السلطة الناظمة الراعية للوحدة الترابية والحامية لأمن الوطن والمواطنين.

منذ بداية مأمورية الرئيس محمد الشيخ الغزواني الثانية، والرئيس وحكومته يعملون بشكل واضح على انجاز برنامجه الطموح، وأطلقوا برامج استعجالية رائدة وأنجزوا الكثير في وقت قياسي، أصبح المسار التنموي يسير الى التقدم 

إلا ان واقع التحولات التي أشرنا لها ورهان الاتجاهات المتعددة، ربما فوجئ بجدية المسار التنموي والانسجام العام للموريتانيين جميعا مع طموح أفضل لبلدهم..
فطفقت توترات وأحداث مثيرة تبرز للعلن، لا يمكن تجاهلها.. بسبب خطورتها وقوة تأثيرها العام.. وفظاعة وجودها على أمن الوطن والمواطنين !
كان ملف الأجانب والمهاجرين غير الشرعيين، ملفا شائكا استطاع النظام معالجته بحكمة وربما يحتاج استراتيجية معقلنة محيطة بكل الحيثيات، لتواصل التحكم فيه والحد من اضراره..
الهجرة غير الشرعية والأجانب، ملف مرتبط بالتهريب، وقضايا التهريب من أخطر القضايا التي تواجهها الدولة بكل طاقتها، نظرا لما تشكله من خطر بالغ..
 التهريب بكل أشكاله خطر، وحين يتعلق الأمر بتهريب حبوب الهلوسة أو المؤثرات العقلية بكل صنوفها والأدوية المزورة، فإن المهربين قد لا يستغنوا عن وجود الأجانب ضمن أو في خدمة شبكات التهريب، بالتالي فإن ملف الأجانب غير الشرعيين وملفات التهريب والمخدرات، أخطار تتكامل وتهدد أمن موريتانيا وشعبها..
إن التحولات العميقة، التي أدت إلى وجود مهربين من الشعب الموريتاني، الذي حافظ عبر تاريخه على قيمه الإسلامية السمحة، يهربون المؤثرات العقلية والسموم والأدوية المزورة ونشر الفواحش في مجتمع مسلم محافظ، لإفساد الأجيال وتحطيم القيم،
 هي تحولات بقدر من الخطورة لا يمكن معالجة أي خلال قبل مواجهتها بمعالجة صارمة، تأخذ في الحسبان أمن الشعب كل الشعب وأمن الوطن ووحدته واستقراره .. 
تحولات كثيرة واتجاهات متعددة ومتبانية المصالح والأهداف، طفت على سطح الاهتمام الشعبي في الفترة الأخيرة 
حملت رياح التحولات والاتجاهات وكياناتها، أسليب جديدة على الموريتانيين شعبا وسياسيين ونخب، حملت الانتجاهات المستجدة، صورا من الانتهازية السياسية والمادية والدينية مؤسسة الأممية والمصالح النافية للهوية الوطنية في أبعادها وثوابتها، جاءت التحولات بأممية شعوبية كهنوتية ومادية، تنفي قيمة الإنسان وتاريخه وثقافته وهويته، وتجعله سلعة مادية متدنية القيمة..!

ربما من المهم استنطاق المسكوت عنه فيها، لأجل الخلوص إلى حوار وطني يعزز الوحدة الوطنية ويعيد ثقة المواطن بوطنه، ويساعد السلطة بقوة القانون على تحقيق العدالة المطلوبة، وحماية هذه الشعب بكل طوائفه وفئاته من غول الفساد واتجاهات الأخطار في عالم محفوف بها..
الحوار الوطني صار أمرا ملحا، وجاءت دعوة الرئيس محمد الشيخ الغزواني له موفقة، ومن الطبيعي أن يأتي الحوار المرتقب حول مواضيع من عمق التفاعل الحاصل رسميا وشعبيا والملموس بشكل واضح منذ فترة..
الحوار الوطني، السياسي والاجتماعي، والذي هو مفتوح للكل المشكلات والتحديات العالقة، لا شك أنه سيركز على التوافق السياسي بين الطيف السياسي للحفاظ على جو الديمقراطية، لكنه بنظري، ينبغي أن يكون فرصة ملحة أيضا، في ترسيخ حوار اجتماعي وشامل.. 
ليؤسس لثقافة المواطنة الحقة.. ويضع الحدود والضوابط الضرورية المطلوبة لمواكبة التحولات السياسية والتجارية ..
 وينشر الوعي بأسس الثوابت الوطنية، بالتأسيس على دستور الجمهورية وقوانين البلد، وقيمه الوطنية والإسلامية. 
مع ضرورة فرض احترام حرية وخصوصيات الشعب الموريتاني بكل طوائفه الدينية والاجتماعية على كيانات التحولات العميقة المستنسخة..!

الدولة هي السلطة الناظمة للجميع، ولا ينبغي أن يكون أي فعل فيها موجها ضد أو من أجل جهة معينة، الكل عليه خدمة بلده والحفاظ على وحدته وأمنه، والكل مسئول عن أي فعل ضار بصفة فردية أو سياسية، لكن لا يجب أن تخرج المسؤولية عن أي فعل، إلى دائرة جهة أو عرق أو عشيرة، لأننا اليوم في دولة للجميع، وللجميع؛ فيها حقوق وعليهم واجبات تجاه وطنهم…
ولا ينبغي ولا يعقل؛ أن يكون كل شيء يفعل أو يقال بمنطق محاصصات ومحاباة لجهة أو لون أو كذا، أو أي فعل أو حدث يعالج بفعل تسميم الساسة وأفكارهم، بمنطق إثارات ومظالم لا تنبغي في دولة القانون والمواطنة، حيث يجب أن يكون القانون والمصلحة العام، وأمن الوطن والمواطنين، هي البوصلة وليس غير ذلك..
ينبغي أن يكون الحوار الوطني الشامل، في وطن تأسره التحولات المتعددة وتربكه وتأثر فيه الاتجاهات! حوارا أو عملا  تكامليا، يشارك فيه الجميع، سلطة ونخبة وشعب بكل قواه، من أجل العبور الآمن وتخطي حواجز التحولات العميقة ومغريات الاتجاهات المستنسخة.
وإلا فلا وقت للحوار .. 
فالأولى هو الأمن والعدالة والتنمية في سبيل الاستقرار وتحقيق تحقيق الطموح 

والله المستعان

 

25. mai 2025 - 20:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا