
ليس غريبا أن ينحو بعض الشباب في ظل الانفتاح والعولمة نحو الإلحاد، فالعالم بات قرية واحدة وهاتفك الذكي يربطك من بيتك بأي نقطة شئت من الدنيا، لكن الغريب الحراك العفوي والتعامل مع القضية بدون حزم أو جدية، فموجة الإلحاد بدأت مع الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في ستينات القرن الماضي، وكان الشيخ: بداه البصيري رحمه الله أبرز من تصدى لها في ذروتها وتمكن من فقإ عينها، ثم جاءت الصحوة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي وطبقت أحكام الشريعة الإسلامية في عهد الرئيس: محمد خونه هيداله، فخفت صوت الإلحاد طيلة العقود الماضية، ليعود بقوة بعدما عرف بثورات الربيع العربي، مستفيدا من الإخفاق الذي تعرضت له الحركة الإسلامية، وبدأ يتغلغل في أوساط الشباب بصمت طيلة السنوات الماضية.
كان لشيوخ "علم" بارزين دور في نشر ظاهرة الإلحاد، كالشيخ: عدنان إبراهيم، ومحمد شحرور وعلي منصور الكيالي، فتفسيراتهم الغريبة لآي القرآن الكريم كانت تميل للمادية في أغلبها، وتروج لأساطين الإلحاد باعتبارهم "علماء"، وتتعامل مع أفكار ونظريات مشبوهة كنظرية داروين باعتبارها حقيقة علمية مسلم بها، ويلوون أعناق النصوص لتنسجم معها، في مشهد عجيب يذكرنا بالآية الكريمة: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف].
لذا تغلغلت هذه الظاهرة وانتشرت في أوساط الشباب العربي، وما شباب بلادنا من ذلك ببعيد، وإن كانت الظاهرة في أوساط الشباب الموريتاني اتسمت بطابعها الخاص، فأغلب من أعلن إلحاده خارج البلاد كان لأجل الحصول على اللجوء ومزايا مادية، ولم يكن عن اقتناع أو فهم لماهية الإلحاد، وبعضهم عانى من ظروف صعبة وتعرض لظلم اجتماعي، جعله يظن أن الدين هو السبب ولم يوفق في ردة فعله، وأقلهم من كان إلحاده عن اقتناع، فكيف نعالج هذه الظاهرة ونطوقها في مهدها؟.
بمعرفة الأسباب التي دفعت للإلحاد نتعامل مع كل سبب على حدة، فمن كان غرضه اللجوء بين له أن في الصدق سعة ومنجاة من الكذب، ولا يكن دينه هينا عليه ليعرضه في المزاد؛ فما عندالله لا يؤخذ إلا بطاعته.
أما من كان إلحاده لأسباب اجتماعية، بين له الخطأ والصواب في الأمور الاجتماعية، وموقف الدين الرافض للظلم والداعي للعدل والإحسان، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل].
أما من كان إلحاده عن اقتناع فيجمع له العلماء المختصون ليجروا معه مناظرة فكرية، بينوا له فيها خطأ الإلحاد وبطلانه بالدليل العقلي الذي يقبله واستدلوا عليه بالمراجع المعتبرة عنده، فهؤلاء أشد خطورة ممن جنحوا للعنف، فأولئك اخذوا بتفسير ديني متشدد تحت المظلة الشرعية، أما هؤلاء ففد نبذوا الدين وراء ظهورهم، وأخذوا بتفسيرات مادية لا تقيم وزنا لكرامة المرء ولا للأخلاق، فالبدار البدار لكسر ظاهرة الإلحاد، وليعمل كل منا حسب جهده، فقد جاء ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال: سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يقول: كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ. أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829).