ما ذا لو تحولت رؤية المنتدى الوطني لتمكين الشباب إلى مشروع حزب سياسي / عبد الرحمن اليوسي

في ظل مأمورية التمكين ومناخ التطور المشهود لآليات تنظيم الأحزاب في المشهد السياسي الوطني، وعلى وقع التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، تبرز فكرة تحول المنتدى الوطني لتمكين الشباب من منصة مدنية تشاركية إلى حزب سياسي شبابي البصمة، وطني الرؤية، ومجتمعي الوظيفة، كخطوة تستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة التي تتميز بانفتاح غير مسبوق على تعددية حزبية أكثر نوعية وفاعلية.

منبر شبابي وطني لحماية المكتسبات وصون الاستقرار
في هذه الظرفية الفارقة من تاريخ الوطن، التي تشهد تحولات إقليمية متسارعة وتحديات داخلية تمليها دورة حياة المجتمعات والدول، تبرز - في نظري-  أهمية تأسيس حزب سياسي شبابي منبثق عن المنتدى الوطني لتمكين الشباب كخطوة وطنية مسؤولة، تهدف إلى تعزيز جبهة الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلية، والدفاع عن المكتسبات الوطنية التي تحققت في ظل القيادة الرشيدة لفخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
مشروع حزب كهذا لا يُراد له أن يكون مجرّد رقم في ساحة التعدد، بل حائط صد سياسي وثقافي في وجه حملات التضليل والتشويه التي تستهدف ثقة الشباب في دولتهم، وتسعى إلى توظيف طاقاتهم ضد المصالح العليا للوطن.
وسيكون حزبُنا المنشود، بروحه الشبابية ومقاربته الواقعية، منبرًا وطنيًا يجمع بين الحيوية والرسوخ، بين الحماسة والرصانة، وبين الطموح والإدراك العميق لأهمية الاستقرار كشرط أساسي لأي تنمية أو إصلاح. إنه دعوة لاحتضان وتمكين شباب اليوم والأمس والغد داخل مشروع الدولة، تفاديًا لترك البعض فريسة للتيارات الفوضوية ودعاة المغامرات غير المحسوبة.
ومن هذا المنطلق، سيُشكّل مشروعنا السياسي رافعةً إضافية لبرامج الدولة، وصوتًا وطنيًا صادقًا في الساحة السياسية، يخدم الجمهورية، ويُعزّز حضور الأغلبية، ويُكرّس ثقافة المشاركة المسؤولة في بناء مستقبل موريتانيا.

مأمورية التمكين… مرحلة مفصلية
شكّل إعلان فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، عن دخول البلاد في مأمورية تمكين الشباب لحظةً تاريخية يمكن وصفها بـ”الفرصة الذهبية” لإعادة ترتيب موقع الشباب في الحياة الوطنية، ليس فقط بوصفهم مستفيدين من السياسات العمومية، بل كفاعلين مباشرين في صياغتها، وتنفيذها، وتقويمها.
وفي هذا السياق، يبدو من الطبيعي أن توجه إلى المبادرات الشبابية الرائدة، وفي مقدمتها المنتدى الوطني لتمكين الشباب، بدعوة تطوير أدوات عملها وتأطير طاقاتها ضمن أفق سياسي مؤسسي أكثر نضجًا، يجعل من الشباب شريكًا في القرار، لا مجرّد موضوع أو هدف للبرامج.

من العمل المدني إلى السياسي: تطور طبيعي من منظور شباب موريتانيا
إلى جانب ثراء التجارب العملية والسياسية، وتنوّع الخلفيات والخبرات التي لمستُها شخصيًا لدى الغالبية العظمى من رفاق المنتدى، فقد راكم المنتدى الوطني لتمكين الشباب، رغم قِصر الفترة الماضية، خبرةً نوعيةً معتبرةً في التعبئة المجتمعية، والتفاعل مع القضايا التنموية، وبناء جسور التواصل بين الشباب بمختلف مجموعاتهم وتياراتهم وأطيافهم.
ولم يكن لهذا المسار أن يتحقق لولا الشغف المتزايد لدى شباب هذا الوطن المخلصين، وتعطّشهم الصادق للتعاطي مع القضايا الوطنية بروح المسؤولية، كمن يحمل همّ مجتمعه وأمته. وقد فوجئنا - كفريق - بحجم الإقبال غير المسبوق من مختلف التيارات والمجموعات الشبابية على رؤية التمكين التي وُلد المنتدى من رحمها.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن سقف طموح الشباب الذين التقيناهم كان عاليًا إلى درجة أبهرت العديد من الزملاء، لكنه في الوقت ذاته شكّل دافعًا قويًا لنا للاستمرار، بل وساهم في بلورة قناعة راسخة لدي بأن العمل المدني، رغم أهميته، قد لا يكون كافيًا وحده لتلبية طموحات الغالبية الساحقة من الشباب الذين حظينا بالتفاعل معهم.
لقد أثبت الشباب، على سبيل المثال لا الحصر، قدرتهم على تقديم رؤى واقعية وطموحة في آن واحد حول قضايا محورية مثل التعليم، الصحة، التشغيل، مكافحة الفساد، الهجرة، اللحمة الاجتماعية، المشاركة السياسية، والمبادرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد لمست لدى هؤلاء الشباب شبه إجماع على أن تحقيق الأهداف الكبرى لتمكينهم يقتضي اليوم انتقالًا نوعيًا من العمل المدني إلى الفعل السياسي المُؤطّر، بما يتيح لهم التأثير المباشر في السياسات العامة، وحجز مكان معتبر داخل الحقل الحزبي الوطني، الذي يشهد تحوّلًا جذريًا ونوعيًا، ويتسم بمرونة وشفافية أكبر في شروط التأسيس والمشاركة.

حزب بروح جديدة
فيما لو تحول المنتدى إلى حزب سياسي فإن لن يكون باعتقادي مجرّد رقم إضافي في مشهد سياسي عانى حتى وقت قريب، من ظاهرة “كثرة الأحزاب وضعف الفاعلية”، بل سيكون مشروعًا وطنيًا يتبنّى معايير جديدة في التنظيم، والتمثيل، والبرمجة.
سيشتغل هذا الحزب على قاعدة شبابية عريضة، منفتحا على القرى والأرياف، والمغتربين، كما على المدن والجامعات، وسيعتمد الكفاءة، والنجاعة، والمواكبة الميدانية والرقمية، كأدوات عمل أساسية.
وسيكون هذا الحزب ملاذًا لمختلف شرائح المجتمع وفئاته الطامحة إلى التغيير الإيجابي المستدام، ومنبرًا للأفكار النوعية، وتعبيرًا عن جيل جديد من الرواد الشباب الذين يجمعون بين الالتزام الوطني والكفاءة المهنية.

من أجل جيل سياسي معاصر
تحتاج موريتانيا اليوم إلى دماء جديدة في الحياة السياسية، دماء تجمع بين الحماسة والواقعية، بين الوطنية والانفتاح، وبين خدمة مصالح الناس والقدرة على بلورتها في رؤى وسياسات عملية.
وقد يُمثّل تحويل المنتدى الوطني لتمكين الشباب إلى حزب سياسي إحدى بوابات هذا التجديد، بل أحد مؤشرات نضج التجربة الشبابية الموريتانية، التي لم تعد تكتفي برفع المطالب وطرح الأسئلة، بل أصبحت قادرة على تقديم الأجوبة، وتجسيد دورها كسواعد بناء وعطاء

بيئة مشجّعة ودعوة للحوار
إن المناخ السياسي الحالي، وما تبديه السلطات من استعداد لتسهيل انخراط مكونات جديدة في المشهد الحزبي الوطني وفق معايير نوعية تضمن الجدية والتمثيل والمساهمة الفعلية في الحياة العامة، يُشكّل بيئة مشجّعة لتحوّل المنتدى إلى حزب سياسي، شريطة أن يتم ذلك من خلال حوار داخلي مسؤول، وخطة مدروسة، ورؤية جماعية ناضجة.
كما أن هذا التحوّل لا يعني نهاية دور المنتدى كفاعل مدني، بل يمكن أن يتكامل المساران، بحيث يستمر المنتدى كمنصة للفكر والمناصرة والتواصل، تعزّز المشروع الحزبي وتُثريه من زاوية مدنية غير حزبية.

دعوةٌ للتفكير… لا لفرض المسار، وأسئلةٌ تُمهد لبداية جديدة
إن الدعوة لهذا المشروع، تظل ثمرة فكرة تبلورت لدي وأفضل طرحها  اليوم بروح تشاركية لا تُقصي، ولا تُملي التوجهات، بل تحترم التعدد في الرؤى والالتزامات، خاصةً لأولئك الأعضاء النشطين ضمن أطر حزبية أو تيارات سياسية قائمة، ممن يواصلون أداء أدوارهم النضالية من مواقع مختلفة. فقد كان التنوع داخل المنتدى دومًا عنصر قوة لا عامل تفرقة.
ومع ذلك، يبقى هذا الطرح مثارًا لتفكير جدي، وربما بداية لتحولات ومراجعات جوهرية…
فهل نشهد في الأيام القليلة القادمة انعقاد مؤتمر تأسيسي لهذا المشروع السياسي الوطني بروحه الشبابية؟
هل تنطلق مشاورات أوسع لوضع ميثاق الحزب وتشكيل لجنته التحضيرية؟
هل يتحول هذا الحماس الجماعي إلى خطوات عملية تؤسس لإطار سياسي نوعي، يجمع ولا يُقصي، يُكمل ولا يُكرر، ويساند القيادة الوطنية الرشيدة في رؤيتها الطموحة لمستقبل الوطن؟
وهل يكون هذا الحزب الجسرَ الذي طالما انتظره الكثيرون، ليعبروا به من التهميش إلى الفاعلية، ومن الفرجة إلى التأثير؟
وأي دور يمكن أن يلعبه حزب شبابي في الموالاة، في مقابل الأحزاب الشبابية المعارضة؟ 
تلك أسئلة راودتني قبل كتابة هذه الأحرف…
لكن الشباب — بما يحمل من طموح، وهمّة، وحس وطني — والأيام القادمة… كفيلان بالإجابة.

م. عبد الرحمن اليوسي
عضو مؤسس في المنتدى الوطني لتمكين الشباب
 

 

 

17. juin 2025 - 12:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا