نواكشوط بين فوضى القمامة وتراخي الرقابة... من ينظف العاصمة ؟ / محمد محمود العتيق

في نواكشوط، المدينة التي تراكمت أحلام سكانها كما تتراكم نفاياتها على قارعة الطريق، تختنق الأرصفة تحت أكوام من القمامة، وتغدو الأزقة مسارات للروائح الكريهة بدل أن تكون متنفسًا للحياة.
لم تعد القمامة تُرى فقط، بل تُشمّ وتُحسّ، وتفرض نفسها كمشهد دائم في تفاصيل العيش اليومي. تتوزع كما تتوزع المحطات، عند كل سوق، وكل مفترق، وفي كل زاوية مهملة.
وكأن العاصمة تعيش تحت حصارٍ صامت... حصار من الفضلات والفوضى والإهمال.

نظافة غائبة... ووعود تتبخر
رغم الحديث الرسمي المتكرر عن "خطة نظافة جديدة" وتعاقدات حديثة مع شركات مسؤولة، إلا أن الواقع لا يزال يشي بعجز واضح.
أحياء بأكملها لم ترَ حاوية مغطاة،
نقاط تجارية كبرى تختنق بمخلفات البيع،
وشاحنات القمامة تمر متأخرة أو لا تمرّ أبدًا...
إن النظافة ليست رفاهًا، بل حق أساسي.
وما يحدث اليوم في نواكشوط لا يمكن وصفه إلا بأنه إخفاق مؤسسي في تأمين الحد الأدنى من الكرامة البيئية للمواطن.

  المكبات العشوائية... وجه آخر للفوضى

من أخطر مظاهر الأزمة، ما يُعرف بـ"المكبات العشوائية" داخل الأحياء.
هي تلك المساحات التي تتحول تدريجيًا، دون إذن أو إشراف، إلى نقاط تجمّع للنفايات، غالبًا في مناطق شبه مهجورة أو مفتوحة، حيث تُلقى القمامة بعيدًا عن الحاويات الغائبة وعن الأنظار الغافلة.
هذه المكبات لا تنمو فقط في التربة، بل في الوجدان الحضري للمواطن الذي يتعايش قسرًا مع التلوث، ومع الحشرات والروائح، ومع مشهد القمامة الذي يزاحم يومياته.
إنها قنبلة بيئية صامتة،
تتفجر آثارها تدريجيًا:
في صحة الأطفال،
في نقاء الهواء،
وفي صورة المدينة التي لم تعد تُشبه المدن.

 المدينة التي تُريد أن تكون مستدامة

نواكشوط ليست مجرد مدينة نامية؛ إنها عاصمة تُحاول أن تتنفس وسط فوضى حضرية خانقة.
لكن كيف لنا أن نطمح إلى "مدن مستدامة" و"تنمية خضراء"، بينما أبسط قواعد النظافة غائبة، وأهداف التنمية المستدامة تُخرق عند كل مكب مكشوف؟
أين نحن من:
الهدف 3: صحة جيدة ورفاه
الهدف 11: مدن ومجتمعات مستدامة
الهدف 12: إدارة النفايات بشكل مسؤول؟
هل يكفي أن نوقّع الاتفاقيات ونعلن الخطط، بينما الشارع ينطق بما هو أقسى من الكلمات؟

جمعية آفاق واعدة... صوتٌ من قلب الأزمة

من هذا الواقع المؤلم، تنطلق جمعية آفاق واعدة للتنمية المستدامة، لتدق ناقوس الخطر بصوت المجتمع المدني لا بأصوات الشعارات.
نحن لا نبحث عن الخصام، ولا نمارس المعارضة من أجل المعارضة، بل نرفع مطالبنا انطلاقًا من وجع الناس ورغبتهم في التغيير.
نقول بوضوح:
نريد خطة نظافة واضحة وشفافة.
نريد رقابة فعالة ومعلنة.
نريد بيئة تُشبه أحلامنا لا تُشبه مكبات نفايتنا.
 من أجل نواكشوط أنظف... وأكثر كرامة
لن تستقيم أي تنمية، ولن تُجنى ثمار أي إصلاح، ما لم يكن الإنسان في صميم الاهتمام... وبيئته في قلب السياسات العامة.
نظافة العاصمة ليست مسؤولية جهة واحدة،
بل مسؤولية الجميع:
السلطات، الشركات، والمجتمع المدني،
لكن قبل كل ذلك... مسؤولية الضمير.

 

 

 

16. juillet 2025 - 11:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا