أحببتُ الكتب منذ الصبا فصرت ممن يصفهم الإنكليز بعبارة bookworm
أتذكر ولعي بها وندرتَها هنا وأنني طولَ إقامتي في مصر ما انتقلتُ من شقة مؤجرة إلى أخرى إلا وخلفت فيها كتباً لم أستطع حملَها.. فأفارقها فراقَ وامق..
فأكون كما قيل إنه كانت لأبي الحسن الفالي الأديب اللغوي نسخة في غاية الجودة من كتاب الجمهرة لابن دريد دعته الحاجة إلى بيعها فاشتراها الشريف المرتضى بستين ديناراً فلما تصفحَها وجد بها هذه الأبيات بخط بائعها:
أنِستُ بها عشرينَ حولاً وبعتُها***وقد طال وجدي بعدها وحـنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها **** ولو خلدتني في السـجون ديوني
ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ *** صـغارٍ عليهــم تسـتهلُّ شؤوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ **** مقالةَ مكويِّ الفــؤاد حــــــزينِ
وقد تُخرج الحاجات يا أم مالك. ***. كرائـمَ من ربٍ بهن ضـــنين.
فرد الشريفُ الكتابَ إليه ووهبه المال!
وحتى الآن ما زلت لا أستبدل الكتاب الورقي بأي جليس.. حتى أنني أحن أحياناً إلى رائحة الورق.. وطقوس القراءة في أوقات نسرقها من الحياة لأنفسنا.. وقد قلت سابقاً:
أَحِنُّ إلى بوحٍ سُحيراً ولَقْيَةٍ *** إليها مسافاتُ الحنينِ تُجابُ
ومِمَّا يَسُرُّ النفسَ مَجْلِسُ خلْوَةٍ**نَــديمايَ، شايٌ جيِّدٌ وكِتابُ.
وسأتناول في هذه الصفحات بعضا من الكتب، خصوصا الروايات، التي أثرت فيّ أو أعجبتني، مع تلخيص لأهم ما ورد فيها، لعلها تكون حافزا للمطالعة والرجوع للكتب في عالمنا العربي الذي نسي عادة القراءة للمتعة، فأصبح يقرأ فقط ما تفرضه عليه الدراسة أو العمل.
ذكريات من معارض الكتاب:
مواسم معرض الكتاب هي مواسم حماس وترقب جميل للأحدث والأندر من الكتب، ولكنها أحيانا تأتي وليس في الجيب ما يُشبع نهم العين والفكر إلى مطالعة الجديد والمختلف، وسنواتي بالقاهرة كنت أحرص على حضور معرض الكتاب حتى ولو لم يكن عندي ما أشتري به شيئاً، فهناك خيام وندوات وشعراء ينشدون وحفلات توقيع ونقاش الإصدارات الجديدة وغيرها من الأنشطة المصاحِبة، كما أن مجرد تصفح العناوين متعة بالنسبة لي، ويُعينني على اتخاذ قرار الشراء لاحقاً عندما تسمح الظروف، إنه موسم ثقافي بطله الكتاب وأي بطل!
لكنني ما زلت لا أفهم القيمة التسويقية لبعض التصدير أو الإهداء (غير الشخصي طبعا) في مقدمات أو على أغلفة بعض الكتب خصوصاً تلك التي تحمل عبارات مثل "قالوا عن الكتاب أو عن الكاتب" وكأن القارئ غيرُ راشد ويحتاج من يشرح له لماذا هذا الكتاب الذي اشتراه ويقرأه هو كتاب مهم وصاحبه من شأنه كذا وكذا.. إلخ.
هذه الشهادات لا أراها تنفع بل ربما العكس، فلندع الكتاب يتحدث عن نفسه، ولا داعي لآراء وشهادات الكتاب الآخرين ومراجعي الكتب book reviewers وقد أصبحت هذه مهنةً على غرار تقييم ومراجعة الأجهزة الإلكترونية الجديدة وكل ما ينزل السوق..
بالإضافة إلى أن كثيراً من الكتب التي حظيت بتقريظ وثناء الكُتّاب والمراجعين لم تكن على مستوى التطلعات، كما أن الكتب التي تعتمد على التذوق الفني والأدبي بالخصوص تخضع للذوق والحِسّ الشخصي وهو ما يختلف من شخص لآخر، فلا مجال لتشارك تجربة قراءتها مع الآخرين لأن كلنا يفهم ويتذوق هذا الفن والأدب بصورة خاصة به وتتدخل في هذه العملية عوامل كثيرة مثل التنشئة، المستوى العلمي التجارب السابقة إلخ..
لذلك أرى ألا مكان للمقدمة في الأعمال الأدبية، سواءً كانت بقلم الكاتب أو الأديب نفسِه، أو بقلم آخر.