نكاد نتفق اليوم على وجود اختلال جوهري في علاقتنا بالأمانة على الأموال والحقوق. اختلال نشجبه جميعا حين يقع من غيرنا علينا أو على من ننتصر له أو نعطف عليه أو نتعاطف معه, ونكرره بنفس الفظاعة حين تتاح لنا سلطته متأولين لأنفسنا لتبرير الزلة, لاسترضاء ضمير ضعيف الشكيمة, لم نعوده على الدلال, لا يعرف السلطوية. فما الذي أوصل الوازع عندنا إلى هذا الحد من الوهن؟
هل هي الطبيعة البشرية الخام فشلنا في ترويضها نتيجة الاختلالات التربوية المجتمعية؟ أم أننا ذهبنا أبعد من ذلك حد إفساد الفطرة البشرية بفساد التربية؟ أم أنه الأنا استطاع تطويع الدين حتى أصبحت التقوى لا تقف بين “تقينا” ومصالحه الشخصية التي يعلم يقين العلم حرمتها؟ هزل الوازع الديني حتى أصبح لا يمنع خيانة الأمانة, بل بلغ وهنه أن لم يعد يجرؤ أن يلتمس التوبة, رضي من أفضلنا بالاستغفار مع إصرار لا يتزعزع على العودة متى توفرت الفرصة. أصبحنا في تجارتنا مع الله لا نترك مصلحة من خشية, بل إن بعضنا لا يتعهد من الأجر إلا ما توسمه مطية إلى مصلحة.
تحاملنا على الضمير حتى اعتصم ملتجأه الأخير هروبا من سياطنا التربوية, ومعينا التقوى حتى زهت متكسبا تجني لملتحفها ولا تردعه.
إننا لا يمكن أن نستمر في الاختباء وراء المسؤوليات الفردية لإنكار الاختلالات التربوية المجتمعية التي تُنتج هشاشة المنظومة القيمية التي تحكم إرادة الأفراد. وإنني أعتقد حقيقة أن الأمانة على الأموال والحقوق هي الرمز الذي يستحق أن نشيد له نصبا في قلوبنا, يصونه قول الحق, ويعززه التآمر بالمعروف, ويحميه المانع العدلي.
يجب أن تتكامل العقول لنخرج الأمانة من معتكفها ونرسم خطة لإعادة توطينها القلوب, إذا لم يكن ذلك حبا في الأمانة كقيمة أخلاقية, فإدراكا أنها تَعبٍيد التنمية لأنها منبت الثقة.
وفق الله وأعان
د. م. شماد ولد مليل نافع
----------------------
* لا يخلو المجتمع من أمناء وخيرين كثر, وليس هؤلاء من أتحدث عنهم, وإنما عن انتشار الظاهرة التي جعلتهم استثناء, والتي تستحق أن نُسخّر لها من عقولنا لنخلص لها كمجتمع إلى حلول مناسبة, تتطلب ليس فقط إعادة تصميم منظومتنا الرقابية والعدلية, بل تتطلب أيضا إعادة تصور آليات بناء المنظومة القيمية وزرع الوازع, وأن ندرك أن ذلك يشكل إحدى ورشات التنمية الأكثر إلحاحا.