تشهد موريتانيا حالة أمنية تتميز بالتسيب , حيث أصبح الهاجس الأمني يؤرق المواطن الموريتاني في وطنه الأم أكثر منه في بلد أجنبي , هذه حقيقة مرة , لكن الواقع اليومي فرضها , فرغم أن بلدنا بلد مسلم ينعم بنعمة الإسلام والتآخي والتكافل ونبذ القيم والمسلكيات التي لا تتماشى
مع روح الدين الإسلامي ,فإنه يرفض كل شكل من أشكال الظلم والعدوان ,وهذا ما يفرض أن يجر بطرفه على الواقع المعيشي للموطنين , خاصة من حيث الجانب الأمني الذي تطور منذو سنوات إلى أساليب تقشعر منها الجلود وتصطك منها المسامع في مشاهد متعددة ومثيرة يوميا بشكل روتيني منظم فقد تطور من سرقة فقط إلى مداهمة البيوت وعمليات القتل والاغتصاب ليتجاوز إلى فئة الأطفال الأبرياء بشكل يبعث على القلق تماما وفي مشاهده المثيرة والمأساوية يشبه إلى حد بعيد استهداف الإسرائيليين لأطفال فلسطين الأبرياء , فانطلاقا من حادثة قتل شيخ محظرة وضح النهار قبل سنوات في العاصمة وقتل الطفلة البريئة خدي تورى في مقاطعة الرياض بعد اغتصابها وتقطيعها وودفنها على شاطئ المحيط السنة الماضية وعملية اقتصاب وقتل بندا قبل ذالك إضافة إلى العديد من عمليات القتل للآبرياء في الهزيع الأخير من الليل والنيل من شرفهم في مساكنهم ,كل هذا تطور بشكل مثير ومدهش رغم تعدد المقاربات الأمنية لدى النظام الموريتاني ووضع سياسة أمنية متطورة شاركت فيها مختلف التشكيلات الأمنية في العاصمة , لكن كل هذا لم يمنع من وقوع الكارثة المأساوية للطفلة البريئة زينب بنت الخضر قبل يومين في وضح النهار , فهل هذا الحادث جاء ردة فعل من العصابات الإجرامية من أجل ذر الرماد في عيون الجهاز الأمني ؟ وما مدى قدرة الجهاز الأمني على متابعة واعتقال المجرمين ؟ ألا يمكن ان نقول إن أسباب انتشار الجريمة وتطورها يرجع إلى هشاشة الترسانة القانونية وغياب مبدأ العقوبة من جنس الجريمة وعدم تطبيق حدود الشريعة ؟ هذه الشكالية يجب ان توضع على محك البحث والنقاش
أجل إن حوادث قتل واغتصاب البنات البرئات خدي تورى من طرف عامل بناء السنة الماضية وبندا وزينب هذه الأيام قد كسر جدار الصمت لدى الرأي العام في حقيقة الوضع الأمني في بلادنا وهو ما يجعلنا نقف بدهشة وحيرة لنقول إن الجريمة المنظمة لم يعد هناك أي شخص بمنأ آمن منها فبمجرد ان هذه الفئة العمرية البريئة أصبحت صيدا من طرف المجرمين لتنهشه كلاب المجرمين في أبشع الصور, لا لشيء سوى ترك مأسى وجراحات في قلوب امهات مكلومة , ترك لهم جناة الإجرام بصمات من الحزن والألم حين استبدلوا لهم الأمل بالألم في شكل مأساوي سطرته أيادي إجرامية بحبر من الدموع المفعمة بالبكاء والحزن الشديد على مسارح جرائم منظمة تارة وتارة غير منظمة , إنها المسؤولية الكاملة للجهاز الأمني , لكن الجهاز الأمني رغم مسؤوليته هذه لن يبرح الأرض حتى يلقي القبض على مقترفيها بطريقة أو بأخرى حتي ولو جرت بالليل الدامس , فجهازنا الأمني رغم محدودية وسائله وإمكانياته , لم يفشل قط في تتبع خيوط أية جريمة والقبض عليها , إلا أنه بمجرد إعداد مسطرته الإجرائية وتحقيقاته إلى المحاكم التي هي بمثابة الميزان العدلي الذي يعنى بإحقاق الحقوق وتكيف الجرائم , حيث يقوم هذا الجهاز بتكيف الجرائم التي قد تصل في أقصى العقوبات لديه حد الإعدام والسجن المؤبد ,تتبدد أحلام الضحايا في القصاص ورد الحقوق إلى ذويها قبل أن تضمد جراح الضحايا , وذالك إما بمنح حرية مؤقتة للمجرم قبل محاكمته أو بتدخل نافذ كبير يلقى بثقله من أجل إطلاق المجرم من السجن في انتظار محاكمته .
إن تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة ترجع في الأساس إلى الكثافة السكانية المتزايدة في المدن الكبرى و التسيب المدرسي وغياب رعاية تربوية للجانحين ومتابعة الأفلام ووسائط المغامرات والتنظيمات الإجرامية وكذا استعمال المخدرات وسرعة الخروج من السجون كلها عوامل عززت ظاهرة انتشار الجريمة .
كما يمكن القول إن هشاشة المسطرة الإجرائية وظاهرة النفوذ ومبدأ منح الحرية المؤقتة لدى أروقة المحاكم يعتبران سببا في إفلاس المجرمين والعصابات من السجون إما بسبب نفوذ نافذ أو عن طريق منح حرية مؤقتة قبل أن تطبق فيهم العقوبات , بل قبل أن يملثوا أمام المحاكم الشيئ الذي يجعل أصحاب هذه السوابق يعودون إلى الجريمة مجدد أ فيطورونها إلى درجة أشد بشاعة وفتكا وهذا ما يجعل الجريمة تتكرر بشكل مذهل .
إن حادثة اغتصاب ومقتل البنت زينب الطفلة البريئة يأتي قبيل أيام من اجتماع المجلس الأعلى للقضاء وهو ما يشكل أرضية مناسبة لرئيس الجمهورية من أجل مراجعة الحالات الإجرائية لدى المحاكم في تنفيذ العقوبة وكذالك وضع آلية جدية من أجل تحديث المنظومة القانونية المتعلقة بالعقوبة النافذة والرادعة شأنه في ذالك شأن أنظمة الدول المجاورة كالمغرب والجزائر التي تطبق فيها عقوبات الإعدام وتقام فيها الحدود .
إن النظام الموريتاني الحالي يتحلى بإرادة قوية وجادة تتميز بالصرامة والجدية في كل القضايا الوطنية خاصة ما يتعلق منها بالتوازنات الإقتصادية والاجتماعية والأمنية , فعلى المستوى الاقتصادي مثلا وضعت سياسة صارمة في ترشيد موارد الدولة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الدولة في إطار حملة مكافحة الفساد وعلى المستوى الإجتماعي فقد وضع سياسة من أجل تعزيز اللحمة الوطنية والحد من خطاب الكراهية من طرف بعض فئات الشعب وهوما تعزف على أوتاره بعض الحركات الغير مرخصة , وأسس وكالة التضامن من أجل مكافحة آثار الاسترقاق .
كل هذا من أجل تعزيز التنمية , إلا أن التنمية بطبيعتها لا تتحق إلا بتحقيق الأمن , وهذا لا يمكن أن يتحقق في بلادنا ما لم يتم تحديث وتفعيل الترسانة القانونية وتطبيق أحكام العقوبة القانونية والشرعية في هذا البلد من طرف محاكمنا , عندها لن يسكب ماء إنا مواطن حتى ولو كان في شارع رغم أن الجهاز الأمني الآن قادر على أن يضع اليد على منفذي أية جريمة .
هذه هي أفضل الطرق والآليات الوقائية من تكرار الجرائم وتطورها ,إن الواقع الأمني في بلادنا الآن على مفترق طرق بحيث أصبح قاب قوسين من التسيب التام, فالهاجس الأمني لدى المواطنين يظل بعدا لدى أي شعب في تحديد ملامحه الحضارية والاقتصادية والثقافية من خلال التطبيق الفعلي للعقوبة ومسطرة تكيفها بعيدا عن الإملاءات الخارجية والعوامل الثانوية , فنحن ينبغي أن نكون في نظام دولة لا نظام قبيلة أو مجموعة يحكمنا نظام مسؤول عن توفير الأمن بالدرجة الأولى قبل كل شيئ حتى يستشعر الشعب أنه لا ظالم ولا مظلوم فيه , وهذا ما يعتبر إحدى المكانيسمات الأساسية في استمرارية الأنظمة ( الدولة تقوم على الكفر ولا تقوم على الظلم ) إن إجهاش أم زينب المكلومة مساء اليوم بالبكاء ونداءها المؤلم ونبرة الألم على والدها يذكرنا بآلام ومآسي الشعب الفلسطني في معاناته تحت رحمة هجمات الطيران الإسرائلي الذي يستهدف الأطفال والنساء الأبرياء ، قد يقول قائل إن بلادنا لا يمكن أن تطبق حكم الإعدام ولاولا ...................إلخ بفعل ضغوط المنظمات الدولية فأي عهد بيننا وبين تلك المنظمات , إن تدخلها في تطبيق العقوبات , يعتبر تدخلا سافرا في الشأن الداخلي , وهذا مالا يرضخ له نظامنا ,فلم لا تضغط تلك المنظمات على المملكة العربية السعودية والمغرب ومصر وسوريا والجزائر التي تطبق فيهم أحكام الإعدام بصفة بسيطة من أجل ضبط الحالة الأمنية في هذه الدول , وهذا ما يمكن أن يتحقق في بلادنا خاصة أن النظام الموريتاني الحالي يتميز بالإرادة الجادة والصرامة التامة من أجل تحقيق السعادة للشعب في مختلف المجالات .