مأساة المؤلفين والمبدعين في موريتانيا!! / المرابط ولد محمد لخديم

ان العلم هو السبيل الوحيد لشحذ ههمم المجتمع والاستفادة من طاقاته للامحدودةء، فهو يعنى  التقدم والقوة والرقي ولهذا قامت الدول المتقدمة بتحويل المراكز العلمية والجامعات بها لمنارات للعلم تجذب لها الباحثين والعلماء من كل أنحاء العالم، خاصة الدول الفقيرة والنامية والتي تحولت إلي بلاد

 طاردة للعلماء والباحثين...
وبلدنا ليس نشازا فهو وان لم يكن طاردا للباحثين بشكل مباشر فهو طاردا لهم بشكل غير مباشر بتهميشهم وعدم الاعتناء بهم وعدم مشاركتهم والاستفادة منهم ..
   وقد لا يعي مايعانيه الباحث في حياته التى قدرت له أن يحياها فجميع أعماله مضنية ومرهقة، فلابد له من معاشرة الكتب معاشرة قد تدوم أسابيع أو أشهر اًو أعواما، وتقتضي جلسات عديدة للمراجعة والتدقيق والتحقيق في المراجع والدوريات والمظان  لما يمكن اظهاره من نصوص أو حذفه.
   كما لابد له من الاطلاع عن كثب على كل ما كتب  عن الموضوع المدروس. و التحري عن مدى مصداقيته ليفاضل وينتقي ويختار ويحسن الاختيار.ناهيك عن الجلوس لساعات طوال خلف المكتب والتفكير العميق وشحذ المخيلة واستلهام الخيال واستنطاق الوحي والانعزال عن الناس والتوحد....وقد يأخذ هذ العمر كله من صاحبه ولكن المؤلف لايجد لذته الى في هذه الأوضاع مجتمعة ولا تكتمل نشوته الا اذا كانت هناك جولات وصولات من النقد البناء ليصحح ويصوب ماعجز عنه منفردا
ومع هذا كله فانه يكدح ويعمل جاهدا من أجل تحصيل لغمة عيشه,,وبهذا تكون فترة انتاجيته مقسمة بين انتاجه الفعلي وإنتاجه العملي مما سيحد من انتاجه الفكري,,,
   توفر الدول التى تحترم نفسها العيش الكريم لباحثيها مقابل مؤلفاتهم التى ستبقى بعدهم لسنوات كثيرة متجددة بتجدد طبعات الكتب وترجمتها الى كتب جديدة,, فهذه الدول يفخرون بأنهم أبناؤها، فينالون أحسن معاملة ويجدون أفضل وظيفة، ويعيشون كما تعيش شعوب دول العالم المتقدمة...
   إن إنسانية الإنسان تتجلى في تحرير الطبيعة من قيود الضرورة ليستخرج من سجنها الكبير حريته، فإذا انعكست الآية، وهاجمت الضرورة كل ما حرره الإنسان بجهده لتعيده  إلى سلطانها فإنها حين تفعل ذلك تجعل الإنسان نفسه ضرورة من الضرورات الموجودة في الطبيعة... وتضيع إنسانيته بضياع حريته.
       إنك تستطيع أن تتعرف الوجود من حركة الموجود نفسها، وهي حركة مسخرة، وتسخيرها لا يبدل منها شيئا، ونحن حين ندع الماء يجري بقدره إلى غايته التي ينحدر إليها، أو نرفعه بالضخ إلى الأعالي لا نبدل من طبيعته شيئا، ولكنه في غايته إلى القرارة لا يسخر لنا كما نريد، وفي إقامة السدود نسخره ونصرفه كيف نشاء.
          غاية الإنسانية في تحويل الوجود بالتسخير من الضرورة إلى حرية أو ارتداد الإنسان بإنسانيته من الحرية إلى الضرورة وزوال المعنى الإنساني عنه.
          إن تسخير الماء إخراج له من نطاق الضرورة إلى نطاق الحرية... والجماد ينزع في حركته إلى التحرر، والإنسان يمارسه فعلا في تحركه... وغاية الحركة الإنسانية إخراج الوجود بالتسخير من الضرورة إلى الحرية... فإن لم تكن ارتد الإنسان إلى الضرورة القاهرة وفقد إنسانيته.
        إن الحجر يتميز من جموده إذا صار ترابا، والتراب يتكيف في النبات، والنبات ينزع إلى التحرر في الحيوان الذي يتحرر في الإنسان أي يتقيد... وكأن هذه السلسلة من النزوع إلى التميز فالتكيف فالتحرر فالحرية ترسم للإنسان طريقة لتحرير الوجود من ضرورته.        
        لو نظرنا إلى لفظ ( الماهن ) وهو العامل ومنها أتت المهنة وإلى ( النهيم) وهو التنهد الذي يصدره العامل ليرتاح: لوجدنا الامتهان حركة عمل، والنهيم حركة راحة، والحركة الثانية رد فعل للأخرى... ولما كانت كل حركة تجد( كيفها) في ضدها، فالعمل يجد(كيفه) في الراحة، والراحة تجد كيفها في العمل.
        والعمل حين يستغل عن الراحة يصبح شيئا لا معنى له، والراحة حين تستغل عن العمل تصبح شيئا لا معنى له كذلك، والراحة في حد ذاتها حركة، ولكنها حركة كيف للعمل، والذين يحسبون الراحة غاية في ذاتها يجردونها من معناها لأنهم يجردونها من كيفها... . والمرتاحون دائما أناس فقدوا (الكيف) لأنهم فقدوا العمل، والذين لا يرتاحون لا يتذوقون معنى الحياة لأنهم فقدوا الكيف أيضا.
         ولولا تعاقب الراحة والعمل لفقد الإنسان حريته، فالحرية في الكيف، وقد أصبح معدوما.. وكل ضروب الملل وما يتخللها من ضروب التسلية دليل على فقدان التكيف عند من لا يعملون.
        إن العمل والراحة من صفات الإنسان، ولما كان العمل هو الذي يحول الضرورة إلى حرية كان كل مصنوع مستورد ضرورة لا حرية فيه والبضائع المستوردة تحد من حرية مستورديها حين تغرقهم بالضرورة، مهما كانت متطورة التي تزداد على حساب الحرية، ولمعالجة هذه المشكلة تعمد الشعوب إلى تبادل الضرورات، أي البضائع المستوردة قدرا بقدر.
     إن كل ضرورة مستوردة تلغي جزء من حرية المستورد على قدرها _ وأشد الضرورات المستوردة خطرا على الحريات الضرورات التي تكون أكثر إلغاء للعمل عند المستورد...
لأن العمل هو الحرية، وكل ما يلغيه يلغي الحرية...
     وحرية الفرد في المجتمع على قدر عمله، فإذا أخذ من عمل الآخرين مما يعطيهم من عمله، فقد من حريته بقدر ما يزيد لهم عنده، وأكثر الأفراد من يرون آثار عملهم فيما بين أيديهم من حاجات... وأقسى ما يواجه الحر من عقبات أن يجد نفسه غريقا في عطاء الآخرين، وليس له ما يعطيهم، لشعوره بأن ذلك على حساب حريته.
     إن توفير المعرفة وتحويلها الى معلومات رقمية يجعلها تتحول الى سلعة تزداد أنواعها يوماً بيوم ويزداد دورها في الاقتصاد العالمي الذي يتحول الى   اقتصاد المعرفة...وأن وسهولة تخزينها وتصنيفها واسترجاعها، سوف يغير أذواق الناس وأنماط تفكيرهم وأساليب تعاملهم وتحصيلهم و تعدد الخيارات أمام الملتقى ووفرتها بين يديه، سوف يكسر احتكارات المعرفة، ويضع الجميع أمام فرص متكافئة يفوز فيه من مكان أحسن عملا. 
لقد أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة الفنية، والإبداع، والذكاء، والمعلومات. وتقدر الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفه تستأثر الآن 7 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10 ٪ سنويا.
   وجدير بالذكر ان 50 ٪ من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. يتم تقييم المجتمعات حسب تعليمها فهو المحرك الأساسي في تطور  الحضارات ومحور قياس وتطور ونماء المجتمعات...
  فهل انتبهت الدولة الموريتانية أخيرا لهذا العامل باعتمادها العام 2015م كسنة للتعليم؟! ورفع معدلات تمويلها ودعمها لهذه القدرات؟ أم أنه اجراء عارض مثل الكثير من المشاريع المفصلية  التي أصبحت محكومة للمقولة المشهورة: قيد الدراسة أوقيد الانجاز!! 
    يعتمد اقتصاد المعرفة اعتماداً أساسياً على نشر المعلومات واستثمارها بالإضافة الى توليدها طبعاً .. وهناك أنواع عديدة بشبكات المعرفة مثل شبكات الجامعات وشبكات مراكز البحوث وشبكات مؤسسات المعلومات كالمكتبات ودور النشر ومراكز التوثيق وشبكات الصناعات المختلفة وغير ذلك من الشبكات . وأصبح المجتمع الذي لا يعتني بتشبيك مؤسسات المعرفة مجتمعاً متأخراً عن الركب الاقتصادي العالمي 
    بعودة مبرمجة الى الشناقطة الأوائل فقد اتبعوا  طرقا تنطلق من مبدأ الإحاطة الشاملة التي تذكيها إرادة صلبة في مقاومة جميع الظروف المعيقة للتعليم والتحصيل، لذلك كانوا يستظهرون كل المتون التي تقع في أيديهم بغض النظر عن موضوعاتها...
   وعلى الرغم من بداوة الحياة وشظف العيش وانعدام المؤسسة المركزية، فقد حصّل الشناقطة علوما ومعارف كثيرة شملت مختلف جوانب الثقافة العربية والإسلامية، تجاوزتها أحيانا لتجيب على ما تطرح الحياة الشنقيطية من جزئيات ونوازل كان العقل يجتهد في صياغة أجوبة عنها معتمدا على معارفه، منطلقا من أصله الشرعي وآليته العقلية في قياس الشاهد على الغائب،ورغم هذا التسيب فإن الثقافة الموريتانية استطاعت أن تفرض للمثقفين الاحترام والتبجيل في ظل مجتمع لم تكن فيه سلطات يأوي إليها المظلوم , ولعلنا نجدآثارهم في المشرق العربي كأعمال ولد التلاميذ الشنقيطي في مصر والحجاز وأعمال محمد لمين الشنقيطي و الأمين الشنقيطي في العراق وأولاد ماياب في الأردن وبهذا تصدق المقولة أن موريتانيا لا يمكنها أن تحقق شيء إلا بالثقافة..
     ويكون هؤلاء الشناقطة قد حققوا بالكلمة والمعلومة مالم تححقه الحكومات على مدى 50سنة, فعلى مدى عقود من الزمن وموريتانيا تفتح في السفارات وتبعث بالسفراء وتنفق الملايين,, وفى الأخير تتفاجأ بأن هؤلاء أصبحوا سفراء حقائب, يقضى الواحد منهم ما شاء أن يقضى في الخارج في ترف منقطع النظير. وعندما تحين العودة إلى الوطن تمتلئ الشنط بما غلا ثمنه وخف وزنه, بدليل ما نشاهده الآن على شاشات الفضائيات العربية والدولية من استهزاء وتنكأ بكل ما هو موريتاني. وهذا ما يوضح تقصير هؤلاء السفراء عن دورهم المنشود في التعريف بالبلد..وهم الذين استنزفوا خيرات هذا البلد عبر عقود..  فيكفي أن نعمل جردا عاديا لرواتبهم وميزانياتهم التي تجاوزت ما وراء البحار على مدى 50 سنة, لتتبين مدى خلل التفكير عند هؤلاء.
ولا ينبئك مثل خبير، فسفراؤنا الحاليين والمتقاعدين عندهم خبر اليقين.!!
     لكن تاريخ اليوم لا يكتبه الأجداد، ولا يتحرك على الأرض طبقا للأماني والأقوال في مجتمع فقد فعاليته وفقد معها قدرته على قراءة الأحداث الماضية منها والجارية، فضلا عن المستقبلية وتحول إلى ظاهرة صوتية تقول ما لا تفعل، وتسمع فلا تدون، وإن هي دونت فلن تقرأ، لأنها هجرت التحصيل العلمي.
   إننا نبحث عن العلة الكامنة في الذات، فإن نحن نجحنا في معالجتها فإن المشكلة ستزول - تلقائيا- بزوال أسبابها وإن تجاهلناها وعالجنا الظواهر فقط، فستعاودنا بأشكال شتى،كمن يتوجه إلى البعوض بأطنان مبيدات الحشرات، ولا يفطن إلى تجفيف المستنقع الذي يحتضن بيوضها فلا تلبث أن تفقس من جديد...
  ان أول شيء هو إعادة الثقة في الثقافة، والمثقف، والاستفادة من أصحاب العقول، وتوظيفها، وتنميها، ومساعدة أصحابها، على النهوض والتغلب على العراقيل التي تعترض سبلهم ولا شك أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالبلد، وجعلها في مصاف الدولة المتقدمة، فالمواهب ثمينة جدا، وجديرة بالتشجيع، والتنمية، كائنة ما كانت، ولا ينبغي إهمالها، ولا تجاهلها، سواء كانت فنية، أو أدبية، أو علمية...
.     فالإنسان الموهوب، أكثر فائدة لنفسه، ومجتمعه، من ملايين البشر، ممن لا يتمتعون بالموهبة. فمن غير المعقول معالجة الملفات السياسية، بدون ركائز ترتكز عليها. والثقافة للناس أشبه بالسلاح للمقاتل الذي يمنح لصاحبه معنى من القوة والمتعة لا يجده في غيره.
   ان من لم يسلح نفسه بالعلوم والتقنية والبحث العلمي سوف يصفع ويداس وسوف تفرض عليه أجندة لا يرغبها ولكنه سوف يضطر إلى القبول بها لذلك فإن استخدام البحث العلمي في ايجاد المخارج للمشاكل القادمة يجب أن يبدأ من الآن...
     وما دامت دولتنا فاقدة لركيزتي ، التعليم والبحث العلمي والتمثيل الدبلوماسي ، فإنه من الصعب عليها أن تحافظ على توازنها الذاتي، مع تلبيتها لمطلبي الثبات والتغير. وبوجود خلل في هذه العوامل فستصاب حتما بالتقادم وبالتالي العجز...
    فهل تتدخل الدولة وتدعم هذه القدرات المهدورة التى تعيش مأساة حقيقة أم أنها ستتركها تهاجر الى الخارج غير مأسوف عليها؟!

 

18. يونيو 2015 - 17:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا