حوار الساعة (3) / الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

المختار باب: نبقى في قضايا الشباب. يتحدثون عن انفتاح عام قامت به الدولة في عهد النظام الحالي على الشباب، وإشراكه في الحكومات وفي المجالس الجهوية وإنشاء مجلس أعلى للشباب.. هناك عدة مجالات يقال إنها إنجازات تخدم الشباب بشكل عام. ما تقويمكم أنتم انطلاقا من تجربتكم الماضية؟

ذ. إشدو: في كتابي "أزمة الحكم في موريتانيا" (يرفعه) علقت على الانغلاق عن الشباب في مقال بعنوان "هنيئا للمخلدين" فقلت إن الخلود الذي تبحث عنه البشرية منذ الأزل، قد تحقق في موريتانيا في فصيلة A السلبية الجمهورية التي تستحوذ على كل شيء ولا تزول ولا تريم، وسقت على ذلك أمثلة كثيرة في مختلف العهود!

وقد تم فعلا منذ سنوات تصحيح ذلك الخطأ الجسيم (انظروا أزمة الحكم، ص 92).

نعم، لقد تغير هذا الواقع فعلا، وكتبت عن تغيره وبينت أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز والدولة الموريتانية التي يقودها أصبحوا يهتمون بالشباب ويستوعبونه ويثقون فيه ويعينونه. وهذا يدخل في صلب التغيير المنشود! لدينا الآن مثلا مجموعة من الشباب (ذكورا وإناثا) تم تعيينهم في الحكومة وكثير منهم جيد الأداء وأفاد الوطن، ولم يكن متوقعا تعيينهم؛ بل كانوا بعيدا من التعيين، وهذه السياسة إيجابية جدا، وهي من السياسات التي ساندتُ على أساسها الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

المختار باب: هنا نسألكم عن ردكم على بعض من يعتقدون أن المقاربة التي تحدثتم عنها لم تؤت أكلها؛ خاصة ما يتعلق بالشباب ودوره في الظرف الحالي. 

ذ. إشدو: بالعكس يا سيدي.. آتت أكلها، لكن ثمة أمرا ربما تحدثنا عنه لاحقا. الرجل الصالح والرجل المصلح مختلفان؛ الأول يحبه الناس جميعا، لكونه مسالما ومقبلا على شأنه ولا يهتم بشؤون الناس. عكس الرجل المصلح فالناس يكرهونه. يقول الشابي:

هكذا المصلحون في كل أرض ** رشقات الردى إليهم متاحه.

الرجل المصلح توجه إليه الرماح والسهام جميعا؛ لماذا؟ لأنه "خَصَّر" عشاء قوم دأبوا على التعشي من غير حلال. ألغى امتيازا، داس مصالح. لا ينبغي أن نكون مغفلين؛ بل ينبغي أن نعي وجود ما يسمى الجماعات، إن لم تقل: الطبقات. ولهذه الجماعات مصالح وتتصارع من أجل هذه المصالح، وأن هذه البلاد منذ 30 سنة كانت في تيه أضاع البلاد والعباد فصار "الصحيح" هو الفساد، وفي وضع كهذا فإن القضاء على الفساد غير ممكن بين عشية وضحاها؛ بل ولا في مأمورية واحدة ولا مأموريتين. إنه يحتاج طول نفس.

هؤلاء الشباب ساهموا في محاربة الفساد مساهمة كبيرة جدا، وأنجزوا الكثير في القطاعات التي أسندت إليهم، لكن نظرا لوجود جماعات كانت ممسكة بمفاصل الدولة، ولديها امتيازات كثيرة وكبيرة. ونغص هؤلاء الشباب وهذا النظام مرتعها وانتزعوا الثُّدِي من أفواهها، فستجابههم ولن تألو جهدا في التقليل مما قاموا به ورميهم بالنقائض. لدينا من بين المعارضة من يقول إن الفساد الآن أعتى من ذي قبل، وإن الظلم والبغي والاستبداد أقوى مما كان في سنوات الجمر!

المختار باب: حبذا لو أوضحت ماذا تقصد بالجماعات؟

ذ. إشدو: يكفي هذا من الإيضاح. الجماعات التي كانت مستفيدة، وهي معروفة.

المختار باب: على أية حال شكرا جزيلا. قبل أن نتحول إلى المشهد الثقافي أود القول إن ثمة سلسلة إجراءات قيم بها، وثمة أيضا من يرى أن الشباب لم يقم بالدور الذي أسند إليه، كما أن الدولة لم تأله جهدا، لكنه انشغل بالأنشطة والتعبئة لأمور خارجة عن الإطار العام. وحتى المجلس الأعلى للشباب بعد لقاء الرئيس مع الشباب.. كل هذا ما زال بعض الناس يقلل من شأنه، ويمكن القول إنه لم يقم بدوره. ما رأيكم أنتم؟

ذ. إشدو: سأجيبكم يا أستاذ.. أنا لا أرى الشباب فئة خارجة عن المجتمع، وإنما هو شباب هذا المجتمع، وهذا الأخير فيه الصالح وفيه الطالح، وهذا الشباب يقع تحت تأثير الأفكار الإيجابية وتحت تأثير الأفكار السلبية، ومنه من قد يتأثر بالأفكار الإيجابية والسياسات العامة وبقائد المسيرة، ويبذل جهودا من أجل تحقيق شيء لوطنه. لكن منه أيضا من قد يتأثر بالأفكار السلبية؛ بل وبالفئات السلبية، وبدل البحث عن إعلاء الصرح الوطني يصبح باحثا عما يخص شخصه أو بيته أو قبيلته أو فئته، وهذا معقول. 

المختار باب: هل تدخل المرأة الشابة في هذا وما رأيك في دورها، وهل كانت حاضرة في الحكم؟

ذ. إشدو: أرى أنهن أحسن عموما وأقدر.

المختار باب: ندخل في المحور المتعلق بالمشهد الثقافي. بداية استحدثت قناة "الثقافية" هنا على مستوى قناة "الموريتانية" هل تابعتم هذه القناة وما تقويمكم لما تبثه؟

ذ. إشدو: نعم أتابعها. وكل عطاءٍ خيرٌ.

المختار باب: تتابعونها أحيانا؟

ذ. إشدو: نعم.

المختار باب: خاصة النشرة الثقافية التي تبث الساعة السابعة مساء؟

ذ. إشدو: بعض الأحيان.

المختار باب: هي جديدة على المسطرة وجديدة بمحتواها، تغوص في تفاصيل الأحداث الثقافية الوطنية والدولية. هل ترون هذا توجها أضاف جديدا للمشهد الثقافي الوطني بشكل عام؟

ذ. إشدو: أضاف جديدا فعلا، لكن ينبغي المزيد.

المختار باب: ما تقويمكم للساحة بشكل عام، خاصة انطلاقا من تلك الأنشطة التي يقال إنها أصبحت ملحوظة في الفترة الأخيرة، وإن ثمة اهتماما بالتأليف والنشر، هناك مطبوعات، هناك اهتمامات بالمدن القديمة.. أنشطة من هذا القبيل يقال إن المنطقة شهدتها بالعموم في الفترة الأخيرة. ما تقويمكم لهذا الحراك الثقافي بشكل عام؟

ذ. إشدو: الحراك الثقافي بشكل عام جيد وضروري ومفيد، لكن - كما قلت لكم- ينبغي أن يقام بأمرين:

أحدهما التجديد الداخلي والعناية بالمضمون أكثر من الشكل.. العناية بالكيف أكثر من العناية بالكَمّ. العناية بروح النشاط، وبروح الناشط.

وثانيهما، وهو ضروري لحدوث هذا، اختيار عناصر يكون همها الأساسي هو الإصلاح؛ فالحراك الثقافي لا بد له من روح. وهذه الروح لها مكونات ثلاث هي:

- أن يصدر من متكلم صاحب رسالة اجتماعية وليس من مرتزق!

- أن يصدر من عارف وليس من جاهل!

- أن يصدر من صادق وليس من دجال وكذاب!

وثمة أمر لا أدري أنحتاج إلى الحديث عنه؛ وهو فهم سقيم لدى الموريتانيين مفاده أن كل من يكتب ويقرأ، أو من لديه شهادات، فهو مثقف!

المختار باب: إذن من هو المثقف؟ هذه فرصتنا.

ذ. إشدو: هذا هو السؤال الكبير. المثقف مفهوم يتجاوز من يقرأ ومن يكتب ومن لديه شهادات وما إلى ذلك. المثقف هو المتكلم. هو من يحمل هَمَّ مجتمعه على كاهله ويسعى لخدمة هذا المجتمع، ومن أجل إنارة الطريق لهذا المجتمع، ومن أجل استجلاء واستشراف مستقبل وضاء لهذا المجتمع. هذا هو المثقف.

المختار باب: انطلاقا من هذه التعريفات أين مثقفونا نحن؟

ذ. إشدو: لا أعلم.. ابحثوا عنهم.

المختار باب: إذن غير موجودين.

ذ. إشدو: أنا دائما متفائل. وقد شرحت هذه المسألة وهذا المفهوم العلمي للمثقف في مقالة تأبينية لفقيد المثقفين والثقافة، الأستاذ حبيب ولد محفوظ رحمه الله تحت عنوان "ماميتو لا يبكي!"

3. أبريل 2019 - 20:14

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا