من البوعزيزي إلى المشظوفي إلى تهديدات ولد محمد فال: هل تتجه المعارضة نحو الحسم المسلح!! / محفوظ ولد الحنفي

 

محفوظ ولد الحنفيكثيرة هي التظاهرات والمهرجانات والاعتصامات التي نظمتها منسقية المعارضة الديموقراطية منذ رفعت شعار ومطلب الرحيل، وكثيرة هي الشعارات واللافتات التي اختارتها عناوين لنشاطاتها الاحتجاجية المختلفة؛ من التحدي، إلى الحسم، إلى الحشد الكبير.. دون أن يشهد الوضع الداخلي وشكل الصراع السياسي تغيرا يذكر: لا في المظهر، ولا في الجوهر!!

غير أن نشاط منسقية المعارضة الأخير حمل جديدين أحدهما في الشكل، والآخر في المضمون:

- أما الذي في الشكل فهو انطلاق مسيرة الأربعاء الاحتجاجية من ساحة المستشفى الوطني، وليس من ساحة دار "الشباب".

- وأما الجديد الثاني فقد حمله مضمون كلمة للرئيس السابق العقيد اعل ولد محمد فال عندما أبان صراحة عن أن منسقية المعارضة ليست عاجزة عن مواجهة النظام بالقوة "إذا أصر على هو مواجهة المطالب السياسية والاجتماعية بالقوة التي يظنها حكرا عليه"؛ حسب ولد محمد فال..

فماذا وراء هذين المستجدين واقعيا؟ وهل بدأت المعارضة المطالبة بالرحيل التفكير الجدي في إحداث نقلة نوعية في أساليب ومضامين صراعها مع النظام بما من شأنه فتح أبواب ذلك الصراع على جميع الاحتمالات؛ حتى المواجهة العنيفة التي ظلت هذه المعارضة تؤكد حرصها على تجنبها؟؟.

ولنبدأ من النقطة الأخيرة أو المستجد الثاني:

هل تجعل المنسقية من المشظوفي بوعزيزي موريتانيا؟

لقد جاء التصعيد غير المسبوق في لهجة المعارضة الموريتانية مباشرة بعد حادثة مقتل محمد المشظوفي، وردا عليها، واستثمارا لها في ما يبدو.

وربما يكون قادة منسقية المعارضة قد تذكروا محمد البوعزيزي مباشرة بمجرد سماعهم نبأ وفاة محمد المشظوفي..

صحيح أن الأول مات منتحرا بعد أن أحرق نفسه، والآخر مات "مقتولا" وهو يمارس حقه في الاحتجاج على ممارسة الاستغلال البهيمي عليه وعلى زملائه في العمل من طرف مستغل أجنبي غاية في الجشع وعدم الإنسانية.

ومع ذلك فإن الرجلين كانا ضحيتين للظلم ورمزين من رموز النضال من أجل العدالة، كما أن الأول استطاع أن يطلق بموته شرارة الثورة التي غيرت مجرى التاريخ؛ ليس في تونس فقط؛ وإنما في أكثر من بلد عربي، بينما أطلقت وفاة الثاني شرارة تهديد قادة المعارضة باللجوء إلى الحسم بالقوة إذا فرض النظام عليهم ذلك!!

ومحمد المشظوفي مات في احتجاجات عمال معدن النحاس، ومحمد البوعزيزي مات في البلد الذي بدأت الإرهاصات الأولى لثورته مع الحركة الاحتجاجية لعمال الحوض المنجمي، وها هو حوض موريتانيا المنجمي يبدأ احتجاجاته هو الآخر ويقدم الشهداء في مرحلة مبكرة من تحرك عماله.. فإلى أين تسير بنا الأمور!!!

إن النظام الموريتاني لا يرى في الأمر غير حدث عابر، ومواطن موريتاني يموت كما يموت كل الموريتانيين بحوادث السير، أو بالأمراض مجهولة المصدر والتشخيص والعلاج... دون أن تثير اهتمام أحد!

لكن القوى العمالية المطحونة والمسحوقة والمظلومة والمستغلة، لا شك أنها ترى أبعد مما يرى النظام، وأعمق مما تراه أجهزته القمعية، وتسمع أيضا أفضل مما يسمعون:

منذ ثمانينيات القرن الماضي لا تسمع قوى الشغيلة الوطنية والمواطنون البسطاء غير أخبار تراخيص التنقيب برا، وبحرا، وجوا عن المعادن النفيسة ومعادن القاعدة؛ حتى صار كل مواطن لا يصبح إلا وهو ينتظر أن تفاجئه شركة أجنبية وهي تطالبه بإخلاء بيته ليتسنى لها التنقيب فيه بعد أن منحتها إحدى حكوماته المتشابهة رخصة تنقيب مدفوعة الثمن!!

ولذلك أيضا مازال المواطن الموريتاني يحلم منذ ثمانينيات القرن الماضي بالعيش في بحبوحة ورغد من الحياة بفضل الاستغلال "المتكالب" لخيرات أرضه وثروات بلده الظاهرة والباطنة!!

غير أن هذا المواطن لا ينام ليلة حالمة، أو يغفو غفوة آملة؛ إلا استيقظ على واقع تضليل أحلامه وسذاجة آماله..

يرى عمال مناجم موريتانيا مئات الحاويات تنطلق من مدينة التعايش الأبدي بين ثراء الأرض وفقر ساكنتها لتشق طريقها كل يوم إلى موانئ التصدير وهي تحمل نفائس خيرات البلاد وجواهر ثرواتها الدفينة دون أن يجد الناس أثرا إيجابيا واحدا لشيء من ذلك على حياتهم اليومية التي لا تزيدها وعود الحاكمين وبرامجهم الطموحة وخطاباتهم الخشبية إلا بؤسا وقساوة...

ثم؛ لا تقف لعنة الأرض المعطاء على فقر أصحابها وعجزهم وخورهم وفاقتهم المزمنة؛ بل تتحول إلى كابوس يحمل الموت قهرا وإذلالا لعمالتها المطحونة كي تتعلم أن ظاهر الأرض لها، وأن باطنها ملك خالص لرأس المال "الوطني" والأجنبي المستغل والجشع!!

وذلك ضغط كبير لا يستغرب أن يولد انفجارا أكبر!!

فهل استشعر العقيد والرئيس اعل ولد محمد فال هذه الدلالات فاستبق ما توقع حدوثه ب"نبوءة" افتراضية، أم أنه يشير فعلا إلى سيناريو قادم تصنعه المعارضة بفعلها وخيارها الواعي بعد أن أعدت له عدته ورسمت له طريقة تحققه؟؟

لقد أخذ الكثيرون على منسقية المعارضة الديموقراطية تسرعها بإعلان مطلب "رحيل النظام" دون أن تعرف بقدر كاف من الوضوح لماذا "الرحيل"، ولا كيف، ولا متى.. وهو ما أثبته دورانها في حلقة المسيرات والمهرجانات والاعتصامات المفرغة التي تحولت إلى مشهد معاد لا يقدم ولا يؤخر؛ حتى مله الناس، أو كادوا يملونه إلا قليلا!!

فهل يضيف قادة المعارضة لقراراتهم الارتجالية قرارا آخر بمواجهة القوة بالقوة دون أن يعرفوا أيضا كيف، ولا متى، وإن كانوا قد عرفوا لماذا حين قال العقيد ولد محمد فال إنه إصرار ولد عبد العزيز على استخدام القوة لفرض أجندته بدءا بالانقلاب وانتهاء بقمع المتظاهرين السلميين.

أم أن الأمر يتعلق بخطة تم رسمها في كواليس المعارضة واكتفى أحد قادتها بالإشارة إليها دون إعطاء تفاصيل؟..

لا معلومات لدينا في هذا الصدد، ونستغرب أن الأمر لم يحظ بما يفترض أن يثيره من تساؤل وتحليل، ولست أدري لماذا تذكرنا تلويحات ولد محمد فال بخطابات عربية حديثة من إنتاج ظاهرة "الربيع العربي" من قبيل: "الدعوة لحماية الشعب من قمع النظام"، و"فرض عقوبات دولية، ومناطق عازلة".. كما رأينا في سوريا وقبلها اليمن وليبيا!

فهل تتجه معارضة الرحيل لطلب حماية دولية وتدخل خارجي بذريعة إفراط النظام في استخدام القوة ضد مواطنيه؛ خاصة وأن المشظوفي ليس أول ضحايا القمع الأمني؛ وإن كنا نتمنى أن يكون آخرهم.

وهل استطاع قادة المنسقية أن يحجزوا لأنفسهم معقدا على مائدة بعض القوى الدولية المغرمة برؤية الدماء العربية تسيل تحت شعار الثورة والربيع ومطالب الديموقراطية والحرية، بعد أن رصدت لذلك الأموال الطائلة، والأسلحة الفتاكة، والعصابات المدربة، وهي قوى قد لا يستعصي عليها إجراء عملية معقدة تضمن بها تحويل المشظوفي إلى البوعزيزي، وانشيري إلى حوض منجمي، وولد محمد فال إلى المرزوقي، وولد عبد العزيز إلى بشار أو إلى القذافي.. نسأل الله السلامة والعافية.

كل ما نعرفه أنه من غير الوارد منطقيا أن يغامر سياسي مخضرم، وقائد عسكري محنك، ورجل أمن من الطراز الأول بإطلاق التهديدات الكبيرة جزافا ودون وعي لدلالاتها وأبعادها، وإن كنا قد نجد في المستجد الآخر ما يخفف من القلق الذي أثارته تصريحات الرئيس السابق العقيد اعل ولد محمد فال..

من دار الشباب إلى المستشفى الوطني: أية رسائل؟

كان ذلك جديد منسقية المعارضة على مستوى المضمون؛ أما الجديد الشكلي الذي حمله نشاطها الأخير فهو انطلاق مسيرتها من ساحة المستشفى الوطني بدل ساحة دار الشباب؛ فأي معنى يحمله هذا الإجراء؟.

يمكننا أن نتصور جبلا يتمخض فيلد فأرا أو يثير عاصفة في قعر فنجان!! هكذا يزعمون؛ وبالتبعية يمكننا أن نتصور لحظة وعي طارئ تمر بعقول قادة المعارضة فينتبهون إلى أن المنسقية قد شاخت وترهلت وأن مواصلة ظهورها أمام دار الشباب أصبح تصرفا فجا وغير لائق بحالة الهرم التي استبدت بها، ومن ثم يكون تظاهرها أمام المستشفى الوطني أكثر واقعية ومسؤولية وأخلاقية؛ نظرا لعراقة هذه المؤسسة الوطنية العتيقة وتقاليدها القارة في سرعة وسلاسة تخريج دفعات الراحلين من دار العباد إلى دار المعاد!!

كما قد يكون اختيار ساحة مسجد ابن عباس مقصدا لمسيرة هذه المعارضة، أكثر تعبيرا عن حالة الشعور بقرب الرحيل؛ نظرا لما عرف به هذا المسجد من احتضان الراحلين في لحظاتهم الأخيرة حيث تؤدى عليهم صلاة الجنازة في خشوع ووقار.. وبذلك ربما لا يكون لهذا المستجد الشكلي من دلالة أكثر من أن منسقية المعارضة الديموقراطية تحتضن في لاوعيها شعورا مسيطرا بأن ساعة رحيلها قد تكون أكثر قربا من لحظة رحيل النظام الذي تدعو إلى ترحيله!!

وهنا لا يكون تهديد قادة المنسقية باستخدام القوة سوى بعض من خرف الشيخوخة الذي رفع الله عن مساءلته الأقلام، وربما أدرك الكثير من محللينا هذه الدلالة فرفعوا أقلامهم عن الخوض في هذا الكلام، وعن التعليق على تلك "الأحلام"!!

ويل لنظام القضاء والقدر من القضاء والقدر!!

أستطيع الجزم أن هذا الكلام يضحك رموز النظام حتى يستغربوا، ولكن وراء تلك الضحكة شعورا مضللا بالتميز وبعدم الشعور بالمسؤولية إزاء واقع وطني لا يحسد عليه هذا الشعب البئيس!!

يحب كل الحكام مسألتين ويموتون في حبهما:

- أما الأولى فهي أن يفهم الناس قيمة الاستقرار والعافية وأن يذودوا عنهما بالغالي والنفيس، وإنهم في ذلك لمحقون مصيبون.

- وأما الثانية فهي أن يحسب لهم كل خير على الأرض ولو لم تكن لهم به أدنى علاقة، وأن يعاد كل شر إلى القضاء والقدر، وإن كانوا هم المتسببين فيه والمحدثين له! وإنهم في ذلك لظالمون ومغرورون..

يا حكامنا، وقادتنا، والقائمين على أمرنا: إننا لا نبغي عن الأمن والعافية بديلا، ولا نريد عنهما تزحزحا أو تحويلا؛ ولكن للناس هموما وآمالا وأحلاما واقعية ومشروعة لا ترضى أن تدفعها ثمنا لعافية هي أيضا حقها المشروع.. وإن الناس في بلدنا لأشد إيمانا وتصديقا بالقضاء والقدر من كل الحكام وكل المحكومين؛ لكنهم مع ذلك لا يستطيعون أن يفهموا بأن:

- نهب خيرات أرضهم، هو قضاء وقدر..

- وانهيار قيمة عملتهم، هو قضاء وقدر..

- وارتفاع أسعار جميع حاجياتهم، هو قضاء وقدر..

- وجمود رواتب عمالهم وموظفيهم، هو قضاء وقدر..

- وشلل وزاراتهم ومؤسساتهم العامة، هو قضاء وقدر..

- وعجز سياسة "محاربة الفساد" عن تطهير مؤسساتهم من المفسدين، هو قضاء وقدر..

- وتصفية الحسابات السياسية باسم إقامة العدل في بلادهم، هو قضاء وقدر..

- وإذلال أساتذتهم ومعلميهم ونخبهم المثقفة، هو قضاء وقدر..

- وإقصاء أصحاب الكفاءات من أبنائهم، هو قضاء وقدر..

- وسقوط طائراتهم بسبب انعدام الصيانة وموت خيرة قياداتهم العسكرية، هو قضاء وقدر..

- وموت المحتجين من عمالهم هو قضاء وقدر..

- وكل ما لا يسعدهم هو قضاء وقدر، وكل ما فيه خير لهم هو بفضل التوجيهات السامية.. و.. إلى آخر الأغنية..!

ليحذر العابثون بمنطق "القضاء والقدر" أن يحل بهم سوء القضاء والقدر الذي لا مرد له من الله.

ويا قادتنا في السلطة والمعارضة؛ اتقوا الله فينا وفي أنفسكم وفي أماناتكم، وانتصحوا خيرا لكم.. ولقد نصح لكم غيري كثيرون، وكان حريا بنا جميعا أن نسمع لو نادينا حيا.. ولكن....

أحسن الله صباحكم، مساءكم، و"زوالكم".

1. أغسطس 2012 - 23:18

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا