قضايا الشباب في برنامج الرئيس / مختار زيدان

إن كان الشباب لما يتمتعون به من طاقة هم محرك كل تنمية، وهم حملة مشعل البناء في الغد القريب، فإن من الأقدار السعيدة أن معظم سكان هذا القطر هم من الشباب، وبالتالي فإن تبني سياسة وطنية للشباب، تعنى بتحفيز دورهم المحوري وطاقاتهم الكامنة لم يعد خيارا بل أضحى ضرورة ملحة في أي برنامج إصلاحي حقيقي، ولا ينحصر الهدف العام في تلك السياسة في  تنمية رأس المال البشري الشبابي فحسب ، بل يهدف إلى جعل هذه الطبقة الاجتماعية محورا فاعلا في التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المرجوة وركيزة من ركائزها.

وكان المتوقع بعدما عرفته فترة الرئيس المنقضية ولايته من تطور معتبر في هذا الصدد ، لاسيما بعد إنشاء مجلس أعلى للشباب جنبا إلى جنب مع وزارة خاصة تعنى بالشباب، كانت الخطوة المنطقية الموالية، حسب نظري ، هي الحديث عن اعتماد سياسية وطنية للشباب، كإطار جامع موجه للجهود تفاديا للمعالجات الموضعية التي تكون أحيانا شكلية لغياب هذا الإطار، كما سبق واعتمدتها دول عربية وإفريقية عديدة، ولا نغفل عن محدودية مصادر الدولة وندرك أن أي توسيع لمجال تدخلاتها لابد أن يصحب بتوسيع للوعاء الضريبي كي تحصل الدولة إيرادات تسمح لها بتبني سياسات خاصة تعنى بالشباب.

وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة انجذب قدر لابأس به من الشباب إلى صف الرئيس المنتخب، ولد الشيخ الغزواني يحدوهم أمل عريض في انحيازه لصالح قضاياهم وهمومهم بعدما أشار في كيهيدي أنه يحس بإحباطهم ويطالبهم بالتصويت له على أساس قناعتهم ببرنامجه الانتخابي.

 مع ملامسة خطاب الرئيس لقلوب الشباب ، إلا أنه بالنظر إلى ماتحقق للشباب في فترة الرئيس المنهية ولايته ، مثلت معالجة رئيسنا المنتخب ضمن برنامجه الانتخابي، انحسارا في مد الأمل الشبابي وتشتيتا للمقاربة في محاور مختلفة – وردت كلمة شباب في برنامج المرشح 37 مرة متفرقة واحدة منها فقط في عنوان فرعي والباقي في سياقات عامة. مقابل ورودها مرة واحدة في برنامج المرشح الذي حل في المرتبة الثانية.

في رأيي وبناء على قول الرئيس المنتخب – صديق الشباب كما أكد سيادته من كيهيدي-أن برنامجه تم بعد التشاور مع مختلف الفاعلين من مختلف المحاور وعرض مشاكلهم ومقترحاتهم، فإنني أؤكد هنا أن الرئيس المنتخب إما أن يكون نسي أن يلتقي بالشباب كفئة عريضة من المجتمع، أو أن من التقى بهم كانوا للأسف دون مستوى المسؤولية أو يعانون من غياب الرؤية العامة.

فتشتيت المقاربات الخاصة بالشباب في فصول مختلفة من البرنامج الانتخابي وتحت عناوين أكثر عمومية، هو خلل منهجي، وارتباك في ترتيب الأولويات، ويترك انطباعا سيئا لدى المتابعين لتطور الوعي السياسي في بلادنا من شركاء تنمية ومن فاعلين مدنيين.

فقد كان الأولى أن يتم نقاش المسألة في محور خاص بها، لأن كل مشكلة تعالج بمستوى حساسية تناسب خطورتها.

وإعادة لطرح الإشكالات الشبابية أعيد هنا طرحها للتذكير:

يواجه الشباب في بلادنا معضلات عديدة ، من أخطرها  البطالة، وهي كما لايخفى هدر لطاقات هائلة وإهمال لمصادر دخل – للدولة على شكل ضرائب وللمجتمع على شكل أثر اقتصادي- ما يجعل الشباب عبئا عاما تتحمله الدولة والمجتمع.

وهذا المعضلة العالمية تذهب في تأثر وتأثير بأسئلة أخرى اقتصادية واجتماعية، ولكن استشراءها واستفحالها يمكن علاجه في مستوياته الأولى بعلاج أسبابه التي تعود إلى :

  • غياب المهنية والكفاءة، نتيجة لعدم تيسير التعليم المهني
  • عدم مواءمة التعليم المتوفر لمتطلبات سوق العمل
  • التشغيل غير الموائم لطموحات الشباب وغير المناسب لقدراتهم .

ثم تأتي أبعاد أخرى لهموم الشباب ، قد تكون أقل خطورة من البطالة ولكن بعض سيئاتها ظهرت مؤخرا في شكل تطرف فكري وانحرافات أخلاقية تجتاح الشباب، لعل أخف آثارها السلبية على الشباب، هو تعميق عزلته عن محيطه وتحييده عن العمل الجاد.

أولا :الشباب وقضايا وإشكالات الحداثة:

 الحيرة الفكرية ورواج الأيديولوجيات لدى الشباب ، هو خلل فكري بين ، فنقاشات الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي لاتطرح فيها قضايا ديمقراطية أو حقوقبة جادة، بل هي سفسطات إيديولوجية ، وقمامات فكرية تؤخر أكثر مما تقدم، وجدليات عرقية، وهذا الجدل والسفسطة نتيجة طبيعية لإغلاق منابر الإعلام أمام حملة الفكر الجاد والرصين ، وعدم طرح الإشكاليات الحقيقية في وسائل الإعلام لنقاشها بصراحة. هذه الوصاية على الشباب من بين عوامل أخرى كغياب المواضيع الجادة ونقاشاتها في المدارس الحاضنة الأولى للتفكير السليم، أسهمت في تمييع الأجوبة على أسئلة جادة وملحة تطرحها الحداثة على الشباب، فيكون استهلاك القمامات الفكرية الجاهزة هو الجواب المتاح لهذه الإشكالات.

ثانيا : محدودية دور الشباب في المجتمع في البعدين الاجتماعي والاقتصادي:

غياب خطة إدماج الشباب في الدورة الاقتصادية، وضبابية المستقبل المهني، عوامل تجعل الشباب يعزف عن ريادة الأعمال ويتجه للوظائف الرتيبة، مما يزيد العبء على سوق العمل ، ويحد من فاعلية الشباب ، ولابد بهذا الصدد من تبني حلول إبداعية تهدف لدعم المشاريع الاقتصادية للشباب وتبديد غيوم الفساد والمحاباة في منح الفرص.

أما من حالفهم الحظ وبقدرة قادر تخطوا عتبات النجاح الأولى، فيتملكهم إحساس جارف بفرادتهم واستثنائية ما حققوه، وفي غمرة تلك الأحاسيس الذاتية تغيب عقلية المسؤولية الاجتماعية ووجوب المشاركة وتكون الوفرة هي آخر ما يؤمنون به فيكون كل نشاطهم منصبا على استغلال الشباب بدل إتاحة الفرصة لهم.

 ولو التفتنا للقطاع المصرفي مثلا لوجدنا أنه لا دور له يذكر في خلق فرص العمل عبر التمويل ، بل إن تمويله لايشمل إلا موظفي القطاع العام وبعض موظفي المؤسسات والشركات الأجنبية ، أما من اعتمدوا على قدراتهم وعصاميتهم فلسوف يجدون في الأغلب العتبة الموالية في سلم النجاح مفقودة.

وأجد هنا أن فرض توجيه تمويلات لمشاريع الشباب ، لابد أن يكون ضمن سياسات منح تراخيص المصارف التي تكاثرت كالفطر.

ثالثا: عدم توفر برنامج وطني للشباب

 بسبب غياب الرؤية الشاملة لواقع الشباب ، فكل علاج غير مبني على تشخيص سليم هو في أحسن الأحوال علاج موضعي مهدئ ، ويبدأ الحل الحقيقي الدائم والجذري بإجراء مسح شامل لدراسة واقع الشباب للاطلاع على الوضعية الراهنة وللانطلاق  بشكل سليم في تصحيح الوضع.

إن طبقة الشباب على محورية دورها، بقيت غير مدروسة ومهملة بشكل لا يصدق، وكان يمكن تفادي الكثير من المشاكل المتراكمة لو أن بحوثا أجريت ورفعت للجهات المعنية – في الوقت المناسب- لاتخاذ ما يلزم تجاهها.

هذه بعض الأوجه من تجليات هموم الشباب والإشكالات البارزة التي تواجههم، نرجو أن تثير تساؤلات حول الوسيلة الأنجع والمقاربة الأشمل التي ينبغي تبنيها في بداية هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلادنا، حفظها الله وأهلها.

وفي الختام نحيي رئيسنا المنتخب ونتمنى له التوفيق في مهامه الجسيمة.

 

29. يوليو 2019 - 6:33

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا