سلامات .. سيادة الرئيس / حبيب الله ولد أحمد

altبغض النظر عن تفاصيل وملابسات إصابة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وأيا كانت الجهة التي استهدفت الرئيس، وسواء كانت النيران التي امتدت إلى جسم الرئيس، صديقة أم عدوة، فإننا نتمنى لصاحب الفخامة شفاء عاجلا، ونحمد الله على أنه تجاوز مرحلة الخطر..

نعم عارضنا بعض سياسات الرئيس، ورأينا ضعف حكومته، وكثرة اللصوص والمفسدين من حوله، في القصر والأغلبية والحاشية، وعشنا في ظله مآس عديدة، كلها دماء ودموع، ومعاناة سياسية واجتماعية واقتصادية، ورأينا كيف تخلى عن شعاراته الانتخابية، وحكم البلاد بطريقة "قاراقوشية" رعناء، مع أغلبية بائسة، ومؤسسات دستورية معظمها منتهي الصلاحية، ولكن كل ذلك لا يخرج السيد محمد ولد عبد العزيز عن كونه مواطنا موريتانيا، يتقاسم معنا الانتماء للدين والوطن والهوية، نحب له ما نحب لأنفسنا، ولا نريد له أن يصاب بأي سوء، ونحن الذين نتألم حتى لرؤية قط جريح، ثم إنه رئيس منتخب، اعترفت حتى المعارضة بدستورية انتخابه، وله مكانته الخاصة في المشهد السياسي والأمني المحلي، وهي مكانة قد يتحفظ عليها البعض، لكن لا أحد يستطيع نكرانهانتمنى حقا عودة الرئيس سليما معافى، لمواصلة مهامه في انتظار انتخابات رئاسية قادمة، لاشك أن لغالبية الموريتانيين الحق في الأمل بأن توصل رئيسا توافقيا آخر إلى سدة الحكم، ولكن بهدوء، وعقلانية وتبصر، بعيدا عن أساليب العنف والإرهاب والفوضى.

ولربما كانت الدموع التي تجمعت في أحداق بعض المواطنين المصدومين في جنبات مستشفى نواكشوط العسكري، وهم يتسقطون أخبار رئيسهم الجريح، أكبر برهان على أن هناك من يريد محمد ولد عبد العزيز، ويخاف عليه ويتعاطف معه ، وذلك الخوف والتعاطف ليسا في الواقع إلا جز ء من الخوف على مستقبل الوطن الموريتاني، والتعاطف معه، والإشفاق عليه من الفوضى والمجهول القادم.

ولئن سمحنا لأنفسنا بمعارضة الرئيس، فإنه علينا يقينا ولكي نكون عادلين، احترام الموريتانيين الذين يريدون ولد عبد العزيز، ويرون فيه ضمانة لأمن البلاد واستقرارها، وضمان وحدتها، ذلك أن الدول الهشة أمنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، هي بحاجة دائما لرئيس وسلطة مركزية من أي نوع، و قد لا تكون العدالة والاستقامة والحكامة الرشيدة، بالضرورة شرطا من شروط بقاء ذلك الرئيس، أو تلك السلطة، التي قد لا تتجاوز أحيانا في حقيقتها ممنوعا أباحته ضرورة الحفاظ على الكيان الوطني، وتعايش مكوناته الاجتماعية. إننا مطالبون في هذا الوقت العصيب، بالتشبث بروح التسامح والوطنية والتعالي على الحزازات الضيقة العابرة، وقد برهن شعبنا في الماضي، وفى ظروف أكثر صعوبة واستثنائية، على شجاعته وصبره، وقدرته على التحمل، وإصراره على الحفاظ على لحمته وكيانه الوطني، وحماية مؤسساته السيادية المدنية والعسكرية.

ليس سرا أن أمن الرئيس جزء من أمن البلاد كلها، وأن أي عدوان على الرئيس هو عدوان على رمز سيادي وطني، قد يختلف الموريتانيون على كل شيء إلا على احترام رموزهم السيادية المشتركة، فليس هناك أي موريتاني لديه مصلحة في إلحاق الأذى بمواطن مثله، رئيسا كان أو مرؤوسا ، نحن فعلا بحاجة للرئيس، على الأقل لنعارضه ونصرخ في وجهه، أكثر من حاجتنا للفوضى وعدم الاستقرار، ووجود رئيس يدير شؤون البلاد مهم للاستقرار والتنمية ،مهما كان فساد الرئيس وانحرافه، فالفراغ والارتباك لا يدعان مجالا حتى للتفكير في أي شكل من أشكال التنمية، وقد رأينا في العراق، وليبيا، واليمن ،وغيرها من بلدان العالم، كيف عصفت الأزمات بالشعوب بمجرد سقوط أنظمة مركزية، كانت على ظلم بعضها وعنجهيته أحيانا، توفر بيئة مناسبة للتنمية والتطور العلمي والعسكري والصناعي.

وليس من المهم الآن "ضرب الأخماس في الأسداس" للبحث عن الجناة الذين استهدفوا الرئيس عمدا أو خطأ، بقدر ما أنه من المهم ملاحظة أنه لا أحد حتى في صفوف المعارضة التي توصف بالمتطرفة، رحب بإصابة الرئيس، أو تشفى فيه، حاشا لله ، فنحن في النهاية مجتمع واحد، تحكمه قيم عربية افريقية أصيلة، لحمها الإسلام العظيم بلحام الأخوة والتراحم والمودة، وإن اشتد الخلاف بيننا ،فإنه لا يصل أبدا ،وتحت أي ظرف من الظروف درجة أن يبسط بعضنا أيديه اتجاه البعض الآخر بالسوء.

إن حرصنا على أمن بلدنا ولحمته وسيادته، يدفعنا دائما إلى تجاوز الأخطاء والتفكير في مستقبل شعبنا، الذي يستحق الحياة الكريمة، بعيدا عن العنف والتدابر والفرقة، والتحدي الذي علينا مواجهته في كل حين، هو منع الفوضى وبناء مستقبل مشرق لكل الموريتانيين بدون استثناء، ونحن قادرون على رفع هذا التحدي، والتعامل بحزم وتعقل مع كل الظروف الاستثنائية الطارئة.

وفى انتظار عودة الرئيس من رحلة العلاج في الخارج نقول له: (سلامات يا صاحب الفخامة ورحلة علاج ناجحة وميمونة).

ولتظل موريتانيا أرضا وشعبا ووحدة وكرامة، فوق كل اعتبار ولتهن في سبيلها كل التضحيات الممكنة

15. أكتوبر 2012 - 12:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا