منصب الرئيس ..ومتفجرات الناقدين !! / محمد الامين ولد آقه

بعض الناس مازالت مواقفهم السياسية محكومة بالعقل الباطن، ومسكونة بأجواء الحملة الانتخابية..تراهم لا يميزون في التعامل بين المرشح في الانتخابات، ومن أصبح رئيسا بشكل فعلي!

 فلا يكفون عن شتمه بالعبارات الشنيعة، ورميه بالأحكام السريعة.. ثم يجعلونه على الدوام في قفص الإتهام، وتحت وقع السهام ،دون أن يشفع له فعل جميل أو يغفر له خطأ قليل !

بل انهم -بطريقة لا شعورية ،وكردة فعل تجاه الهزيمة- يجعلون موقفهم من الرئيس بعد تنصيبه امتدادا لصراع الحملة الانتخابية !!

وربما ذهب بهم العناد الى التشويش على كل برامجه وأهدافه حتى ولو كانت تتضمن مشاريع إصلاحية !!

ولو رأوه في رؤيا لأولوها بعابر الطيرة !..مع أن ابن سيرين يقول : (رؤيا السلطان تؤول على اثني عشر وجها: إمامة وعلم وخطابة وسمعة وحكم وانقياد للحكم ووجاهة وعز ورفعة وتقديم..) فأين الطيرة من هذا ؟!!

لعل من اسباب ذلك ان المنافسة في الحملة الانتخابية غير محكومة بضوابط اخلاقية او قانونية ،فالمرشح المدعوم هو الفارس الوحيد ..والمرشح المنافس ما هو إلا شيطان يصور في أبشع صورة حتى يستقر في ذهن الجماهير انه مجرم، وانه متى وصل الى السلطة دمر البلاد واهلك العباد !

ومن كان هذا حاله يصعب على النفس تقبله رئيسا ..حتى بعد تنصيبه واستلامه للسلطة !

من الخير للمتنافسين في الحملة الانتخابية أن يربعوا على أنفسهم ،ولا يذهبوا بعيدا في خصومتهم ،وأن يتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" رواه الترمذي والطبراني من حديث أبي هريرة.

ومن الخير للجماهير ان يعلموا ان اعلان النتائج الانتخابية يجب ما قبله، وانهم بحاجة الى عملية "غسيل دماغ" تنسيهم لغط الحملة وما فيه من تجاوزات ..حتى تبرد القلوب ويهدأ غليانها .

****

والبعض الآخر : يجيدون لعن الظلام ولا يحسنون إيقاد الشموع ! فلا يعملون ولا يتركون سواهم يعملون ..!

 لديهم حاسة نقد قوية.. لكنهم يوظفونها في الهدم لا في البناء !

ويمضون بها في نقد لا ينتهي، ومحاكمات للرئيس لا تنقضي، مع الإلحاح ،والاعتراض، والإكثار من التشكي ..

إن رأوا من الرئيس جدا وحزما قالوا بأنه غليظ جبار، وإن رأوا منه لينا ورحمة قالوا : ضعيف الشخصية خوار! 

ولا يرضون له بفعل ولا بقرار!

إذا خطب في الحملة الانتخابية قالوا : مهذار !!

وإذا سكت بعد التنصيب وتفرغ للعمل قالوا : لا يحسن الحوار !!

وكل ما يفعله  فهو في نظرهم خطأ وغير صواب !

ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجدْ مُراً به الماَء الزلالا !

قوم لا يعطون الولاء لرئيسهم حتى يكون هواه تبعا لأهوائهم  !!

كأنما يريدون تقييد مشاعره وعواطفه، ومحاصرة افكاره!

يريدونه ان يتكلم كما يريدون، ويصمت كما يريدون، ويتحرك كما يريدون، ..قد اختلطت عليهم مهمة الرئيس ووظيفة "الروبوت" !!

يريدون تقييده وتجريده من حرية التخطيط ،وحرية التنفيذ، و وأن يسلم الزمام إلى عواطف المتسرعين ،

 ورغبات المستعجلين، وأهواء العاطلين !

ثم يتوجهون اليه بالسؤال عن حصيلة المنجزات !!

وحتى لو تعلق الأمر ببعض المسائل المعقدة التي تحتاج إلى كوكبة من المستشارين والاختصاصيين في شتى المجالات، 

فإنك تجد العامة في مجالس الشارع والشاي تعطي فيها أحكاما فاصلة، وتصرح بأن على الحكومة أن تفعل كيت وكيت.. وإلا وقعت في الخلل وتخبطت في الزلل!

كأنهم لم يفقهوا قوله تعالى :{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]

ولو أعطي للناس الحق في مناقشة كل ما يقوم به الحاكم لانتشرت الفوضى وعم الجدل وقل العمل .

والانسان بطبعه لا يدرك النقص في عقله ، وبعض من لديه سطحية في التفكير يحاول –ببراءة- تصديرها الى مراكز الحكم !!

كدعواكِ كلُّ يدعي صحةَ العقلِ ... ومنْ ذا الذي يدري بما فيه من جهلِ !

واحيانا تكون عقدة الضعة هي العامل الذي يجعل هؤلاء يتسورون الى المناطق الشائكة ويقفزون على اهل الاختصاص !

ومع هذه الجرأة في المسائل المهمة ، والنوازل الملمة ،فإنك تلحظ بموازاتها اهتماما غريبا ببعض الأمور التافهة التي لا يلتفت اليها الا ساقط الهمة رديء الخاطر!

والإصغاء لمثل هؤلاء مضيعة للوقت !!

قرأت لأحدهم تعليقا ينتقد فيه الرئيس بألفاظ التجريح والتشريح ..لأنه قبل أن يجلس في الصفوف الخلفية في اجتماعات الأمم المتحدة !!

ويرى هذا البطل انه كان على الرئيس أن ينسحب من هذه الاجتماعات، عندما لم يخصص له مقعد في الصفوف الأمامية!

فقد يُظَنُّ شجاعا منْ به خرَقٌ ... وقد يُظَنُّ جبانا من به زَمَعُ

وما قيمة أن يجلس الرئيس في المقدمة، وبلاده في ذيل قائمة الدول ومن أشدها فقرا وتخلفا وضعفا ؟

جميل جدا ان لا يبقى لدى الرئيس من المشاكل الا مسألة تحديد مكان جلوسه ! 

ويل للشجيّ من الخليّ !!!

ولا أدري هل يتحدث هذا الشخص بناء على المعايير البروتوكولية في الامم المتحدة ؟

أم بناء على الأعراف الدولية  ؟

ام انطلاقا من قانون وطني يلزم الرئيس بذلك ؟

لا يعي كثير من الناس خطورة هذا النقد الذي يزرعونه في كل مكان ،ويذيعونه في كل مجلس، ولا يدركون ان مجرد

نقد بريء قد يؤول الى زعزعة ثقة المواطن في السلطة ، وانفكاك اللحمة بين السلطة والمواطن  داء يتبعه الكثير من البلاء ..

انهم بنقدهم هذا يضرون ولا ينفعون ،ويهدمون ولا يبنون !

****

وثالثة الأثافي..!! قوم من المراهقين السياسيين، الذين يعتقدون بأن رجولتهم السياسية لا تكتمل حتى تنطلق ألسنتهم في شتم الحاكم والنيل منه !!

تماما مثل ما يعتقد بعض المراهقين ان رجولتهم لا تكتمل الا بتدخين السجائر !!!

تسمع لهم بعض النقاشات والجدل الصاخب كأنك داخل سوق الصفارين حين يزدحم الطرْقُ !

وتقرأ لهم بعض التعليقات فترى فيها طبائع أهلها وخلفيتهم التربوية ..

تعرفهم بما تراه كل يوم من تنابز الناس وتلاحيهم في الملتقيات والتجمعات..

تعرفهم بما تلحظ من نقص في التربية ورعاية للبنين والبنات ..

تعرفهم بما تصادف في طريقك من أبناء الشوارع في الطرقات ..

لا شيء جديد إلا أنهم أـبناء الشوارع بفكرهم وأخلاقهم ،دخلوا ساحة السياسة بما اعتادوا  من الألفاظ والعبارات ، فلا يتقون قبحا ولا  يعون نصحا !

تعودوا وهم صغار على المشاغبة في المدرسة، فانتقلوا من المشاغبة على الاستاذ الى المشاغبة على الرئيس ، وتحولوا من "مدرسة المشاغبين" إلى دولة المشاغبين !

إذا كان الشغب هو المعيار في فهم السياسة فما أكثر السياسيين الصغار في مدارسنا !!

إن من أمارات الخلل والفساد في المجتمع أن يتكلم السفهاء في الأمور العامة ..

وقد أشار الى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة، قيل يا رسول الله و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة" أخرجه الحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي.

وهذا الصنف قد يحتاج الحاكم إلى تأديبه كي يتمكن من إصلاح شأنه وترويضه.

إن من العاران تكون جل نقاشاتنا السياسية بأسلوب "جينكات" السياسة!.. لا احترام فيها ولا أدب، وكأنما نقول بلسان الحال : ان منصب الرئاسة في بلادنا ليس منصب شرف ولا مقام سام!.. بل ان من تسول له نفسه الوصول اليه سوف يباح عرضه، وسوف يلحقه الأذى ..!! 

قد لا يعي البعض ان إساءة الناس  تفعل في نفوس القادة ما يحتاجون معه الى المواساة والمداواة !

ولهذا قال الله تعالى مواساة لنبيه : (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون).

اذا كان الشعب عاجزا عن مساندة الحاكم في مشروعه الاصلاحي فلا أقل من أن يكف أذاه ..

****

إن فينا تمردا طاغيا..!!..انبتته همجية البداوة، وسقته فوضوية الحضر!

أصبح التمرد على القادة والكبار سمة بارزة ..لا الصغير يحترم الكبير، ولا المرأة تعرف حق الرجل ، ولا المرؤوس ينقاد للرئيس !!

ومن رأى ما يلقاه أئمة المساجد اليوم -وهم اولى الناس بالاحترام- من شغب الناس واعتراض المصلين، عرف ان للداء جذورا..! 

وقد يكون من أسباب ذلك الخلل في المناهج التربوية ..فقد كان ينبغي أن يربى الصغار على تعظيم المقدسات الدينية ،واحترام  الرموز والقادة الوطنيين، من خلال التوجيه في مادة التربية المدنية ..

لكن هذه المادة اليوم يغلب عليها الاهتمام بالتعريف بمؤسسات الدولة ومرافقها العمومية مثل البلدية والبرلمان ..وكأن الواضعين لها اختلط عليهم مفهوم التربية بمفهوم التعليم !!

الحيوانات بفطرتها تؤدي حق قائدها ..فيندر أن ترى رأس القطيع يلتفت خلفه، خشية أن يناله أحد افراد القطيع بسوء، بل يسيرون خلفه بانتظام !

لكن بعض الشعوب لا سلامة من أذاها، ولا طمع في رضاها، فلا يأمن قادتها ولا يستريحون !

شغلتهم معالجة الناس عن رعاية حقوق الناس !

إن الحاكم  يعتبر شخصية اعتبارية يمثل الشعب فينبغي احترامه ..ولكن حينما يكون الانتماء الوطني ضعيفا، يضعف معه احترام الرموز الوطنية، ولا يجد المرء غضاضة في إهانتها والنيل منها ..!

في بعض الدساتير القانون يلزم الناس باحترام الحاكم وعدم ذكره بأي طريقة منافية للاحترام.. 

وفي بعض الدول ، من أساء الأدب مع الحاكم وضعوه خلف الشمس ،وربما أخرجوه من حيز التاريخ والجغرافيا!

تتهاوى امام العيون هيبة الدولة في أي مكان، عندما ترى الشعب يحتقر الحاكم ويلعنه صباح مساء !

وكم هو مزعج ان ترى ابناء الوطن لا يتفقون على شيء مثل اتفاقهم على السخرية من حاكم بلادهم وتشويه صورته امام الاغراب ..!

وكم هي مؤذية تلك الصورة التي سترتسم في مخيلة الآخرين عن بلاد جعل شعبها الحاكم نصبا موضوعا للرجم والتنفيس عن ضائقة النفوس ومخلفات الازمات !

إن الشعوب التي تنهش أعراض قادتها إنما تعبر بذلك عن اهتزازها وضعف شخصيتها وعدم احترامها لذاتها..

ليس هذا من باب التحذير من النقد البناء أو المعارضة الإيجابية ..

فليست المشكلة في النقد البناء، لكن المشكلة في من لا يفرقون بين انتقاد تصرفات الحاكم وانتقاد شخصه !

انتقاد التصرفات يهدف الى تقويم السياسات والتحذير من الاخطاء، مع الأدب السامي، والرفق الحنون، واللفظ الجميل.. انه نوع من الرقابة الجماهيرية والمشاركة الايجابية في الامور العامة .

وانتقاد الشخص يهدف الى النيل من شخصه، والحط من مكانته، والسخرية منه، او لا يهدف الى شيء اصلا !

انه نوع من الثرثرة  التي املاها الفراغ ،تتستر في ثوب النقاش السياسي !

ما أحسن الشغل في تدبير منفعة…أهل الفراغ ذوو خوض وإرجاف

من الضروري أن نتعامل مع الحاكم من زاويتين دون مغالاة ولا تطفيف :

زاوية اعتباره مكلفا برعاية مصالح الشعب، فينبغي تقويم اعماله وتسديد اخطائه..

وزاوية اعتباره ممثلا للدولة والشعب، فينبغي احترامه، لا لشخصه فقط ،وانما احتراما للدولة والشعب الذي يمثله ..

إنني كمواطن حينما أحترم الرئيس فإنما أحترم نفسي ..

ليس ذلك من باب الإيمان بعقيدة الحلول، وإنما لأن هذا الرئيس يمثلني ..

قد يظن البعض انهم غير معنيين بالاعتراف بالحاكم لانهم غير مقتنعين بشرعيته !

ولو ذهبنا الى التلازم بين الاعتراف بالحاكم وتحقق شرعيته لانعدم الاول غالبا لانعدام الاخير غالبا !  

والمتغلب فاقد للشرعية من حيث الاصل، ومع ذلك نص أهل العلم قديما على وجوب طاعته حسما للخلاف.

لكن من يعلن عدم اعترافه بشرعية الرئيس ، إنما يعلن عدم اعترافه بالدولة كلها !

فعليه ان يعير الدولة اعترافا مؤقتا ريثما يأتي حاكم الشرعية في نظره !

نحن بحاجة الى ترسيخ القناعة بأهمية القائد الذي يمضي بالبلاد ويقودها في مسيرة النماء.. 

وبحاجة الى دعم مشاعر الولاء نحو القائد ..

كم هي ذكية تلك الشعوب التي طبعت العلاقة مع حكامها المصلحين ومنحتهم الثقة والاحترام ..

ان الشعور بمعية الشعب وثقته يعطي للحاكم طاقة كبرى ودفعة قوية ..

يذكرون عن ملك النمسا انه خرج من بيته وركب أحد الباصات العمومية، ولم يكن معه أي حارس ، فسأله بعض الركاب عن سبب ذهابه بلا حراسة ، فقال : "لدي اربعة ملايين حارس" ! يعني بذلك الشعب النمساوي كله !!  

ان الشعوب الناضجة تصنع من حكامها اشخاصا فاعلين ،عن طريق الالتفاف حولهم ودعمهم ..فتؤيدهم، وتقف الى جانبهم ،وتدعم المشاريع الاصلاحية التي يتبنونها..

اما الشعوب غير الناضجة فأشبه ما تكون بالصبية الصغار الذين ينفرون من رعاية الابوين، ويشاغبون على دروس المعلمين !

تتسارع وتيرة التقدم في الدول النامية عندما تكون لديها سيادة محصنة من التدخلات الخارجية ، وكلما كانت العلاقة بين الحاكم والشعب وثيقة ضاق الخناق على تلك التدخلات ، وأصبح الحاكم أكثر جرأة على اتخاذ القرارات المطلوبة داخليا، ولو كانت مكروهة عند بعض الأطراف الخارجية ..

يقول كسنجر في مذكراته : "استطلعت رأي الانجليز فقالوا لي : العرب ما زالوا قبائل وليسوا دولا ،تفاوض مع كل رئيس بمفرده ، ولو وضعته في جيبك فالدولة كلها تسير وراءه كالخراف هكذا تعاملنا معهم منذ سايكس بيكو".

وهذه القاعدة التي ذكر كسنجر سوف تكون اسهل تطبيقا إذا كانت الأجواء بين الحاكم والشعب متأزمة ، أما مع وجود الانسجام بينهما فسوف يكون الامر أكثر تعقيدا ..بالنسبة للتدخلات الخارجية ..

شيء آخر يدلك على ان مكانة الحاكم وتقديره قضية حساسة يترتب عليها أمن البلد واستقراره : فالأعناق المتشوفة للسلطة حينما ترى قوة العلاقة بين الحاكم والشعب سوف تغض من طرفها وتسكن في جحرها ..

اما حين تهتز مكانة الحاكم فقد يتنامى طموح الطامحين، وتظل البلاد في دوامة من الصراعات على مقعد الحكم، ما بين انقلاب على مخلوع، أوتحين لفرصة الانقضاض عليه !

كانت تطوفني سذاجة استغرب فيها معنى الحديث : « من أهان سلطان الله فى الأرض أهانه الله » رواه الترمذي وأحمد والبغوي عن أبي بكرة (وفي إسناده سعد بن أوس ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان).

لكني رمقت بعين التأمل تلك المعاني  فزالت عني الغشاوة !

 ان كثرة النقد تبعث برسائل سلبية الى الحاكم وتوحي اليه بأن الشعب ساخط عليه ويتمنى رحيله !

وليت شعري ! اني له المضي في طريق الاصلاح ،والصبر على ما فيه من كفاح، وهو يعلم ان الشعب الذي يعمل من اجله لا يريد منه غير الرحيل ؟

وكيف يستمر في البذل والعطاء حاكم يرى شعبه يبخل عليه بحسن الولاء؟

إن من تداعيات هذا الخلل ان الحاكم حينما يشعر بجفاء الشعب، ويباشر طبعه الكنود ،فلا مفر أماه من الارتماء في أحضان المتملقين والمتزلفين !

لماذا نحرص على توفير هذا الجو الذي تنتعش فيه طفيليات التملق ؟

 لم لا نشعر الحاكم بأنه في غنى عن تملق المتملقين وتزلف المتزلفين ؟

وأن بإمكانه ان ينال رضى شعبه ؟

وأن الشعب ليس دمية غاضبة على الدوام ..!

بل إنه يرضى كما يغضب، ويحب كما يكره، ويؤيد كما يعارض ..

وأن بغضه ورضاه ليس وسوسة ولا عبثا ،كما في قول الشاعر : 

لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت... يداه كالمزن حتى تخجل الديما

 فإنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما!!

بل إنه يرضى لتوفر أسباب الرضى، ويغضب لتوفر أسباب الغضب. 

وليس مطلوبا أن نتعامل معه بالتقية والمداراة ..فإن بعض الناس حين يلقى الحاكم يبدو شديد التملق ،وحين يغيب عنه يبدو شديد التمرد !

وليته نقص من شدته وغدى خفيف التملق خفيف التمرد ،فذلك أبعد من النفاق !

قال أبو الشعثاء : قلت لعبد الله بن عمر : إنا ندخل على أمرائنا ، فنقول : قولا فإذا خرجنا من عندهم قلنا غيره قال : "كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" راه البيهقي وغيره.

إن من علامات صلاح الحاكم وصلاح الرعية على السواء، أن تكون العلاقة بينهما مربوطة برابط المودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( خياركم وخيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم )رواه مسلم وأبو عوانة واللفظ له.

وفي هذا دليل على أن الشرع يدعو كلا الطرفين إلى تنمية هذه العلاقة وتقويتها ..

مطلوب من الحاكم المصلح ان يتقرب الى الناس ويتودد الى قلوبهم ، ومطلوب من الناس ان يفتحوا قلوبهم للحاكم وينفتحوا عليه ..ذلك هو الوضع الطبيعي في الدولة الطبيعية ..

 

 

14. أكتوبر 2019 - 16:51

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا