هذه المعارضة وهذه الموالاة ؟/عبد الله السيد

ليس في الساحة السياسية الموريتانية ما يدعو للتفاؤل ، أحرى أمام هذه الموالاة التي تمد كالأميبا، أرجلها الكاذبة في كل اتجاه، وهذه المعارضة التي تتحرك بتثاقل كبير كالقطارات القديمة التي تسير بسرعة نصف ميل للساعة..

لا شيء يدعو للتفاؤل وشعبنا مضطر للصمت، لا يتأوه فيه متأوه للظلم والطحن وليس في نخبه من هو مستعد للوقوف لخمس دقائق تحت أشعة شمس الاستنكار والرفض التي لا بد أن تكون محرقة.

فالنظام يدرك أنه، رغم ندوة "اعطس وشمت اراص " التي نظمها الحزب الحاكم عن الحصيلة حيث لا حصيلة وعن الآفاق حيث لا آفاق، عاجز -والأدلة قائمة- عن تنشيط الحياة العامة وتسييرها بتدبير راشد لكل واحد فيه حقه وعلى كل واحد فيه واجبه.

لست أدري أهذا النظام متصامم متعام أم هو بالفعل أعمى وأصم، عن رؤية الواقع المزري الذي تشهده البلاد وعن سماع أنات وآهات ثكالى الأسعار المرتفعة ونحيب أطفال اخضرت أمعاؤهم من الجوع في القرى النائية بل وفي أكواخ ضواحي العاصمة، أطفال رضاعاتهم فارغة، لم يجدوا في برنامج أمل 2012 ملاعق تحمل قليلا من الحليب.

كل عمليات سوء التسيير أصبحت مكشوفة، مع أن استكشافها لا يحتاج لكبير عناء فقد وصل النظام لدرجة من التعالي والاستخفاف بالشعور العام، جعلته لا يخفي الصفقات المشبوهة ولا يتخذ من الصالح العام مؤشرا أول، يحكم سياساته.

وأخطر ما يميز النظام الحالي هو التفرد بالسلطة وابتعاد الرئيس "المنتخب" عن التشاور، الذي ألزم الله به نبينا المعصوم محمدا صلى الله عليه وسلم بنص صريح "وشاورهم في الأمر"، وقد كان الصحابة يسألون "أهذا وحي أم موقف مفتوح للرأي والمشورة يا رسول الله"؟.

جميع القرارات دقيقها وجليلها، يتخذها رجل واحد وتصفق له، عليها مهما كانت ولا عمر بن الخطاب هناك، مجموعة المؤيدين وتدفع المجموعة الوطنية كلها أثمان إخفاقاتها المؤكدة..

لقد وقع هذا في العبث بموازنات الدولة وفي إرساء منهج الزبونية لتولي المناصب العامة حتى الفنية منها وفي توزيع مئات الرخص على الشركات الناهبة وفي الصفقات المباشرة المشبوهة التي أكدتها المعارضة ولم ينفها النظام بصورة مقنعة، ووقع هذا توازيا مع الحروب الاستباقية التي تشن هنا وهناك خارج الحدود تنفيذا لأجندات أخرى، لتزرع لنا إحنا وعداوات ستكشف الحرب المقررة في شمال مالي عن مخاطرها علينا ..والأمثلة على مساوئ هذا التفرد الذي يحكمنا كثيرة لا تحصى.

ومن أخطر حالات العبث الجارية أيضا، التصرف في مواد الدستور الذي صوت عليه الشعب عام 2006 ليعسكره المجلس الأعلى للدولة في أغسطس 2008 بمواد متخلفة موغلة في الشذوذ، ثم لتعبث به الأغلبية أو المتغلبة على الأصح، بتحويره ليلائم مقاسات نتائج حوار العسكر مع ما يسمى معاهدة التناوب.

ومن أخطر ذلك أيضا، استحالة تنظيم انتخابات نزيهة متفق على شفافيتها فالنظام يريد الاستغناء عن المعارضة الحقيقية التي تخاف اليوم من الحبل بعد أن عضتها أفعى يوليو 2009 ، بمعارضة زرعت في المنسقية لتنسحب منها ثم لتلعب دور المحاور الثعلب المتباكي على الاستقرار وهو يلبس مسوح الواعظين.

ومن العراقيل المعترضة انعدام قائمة للناخبين مجمع عليها فالقائمة المسكينة التي عبث بها في انتخابات 2009 ،غارقة اليوم في بهلوانيات الإحصاء بل وتخضع لعملية تحكم ألكتروني مبرمجة لإعادة انتخاب الرئيس عند الاقتضاء أو انتخاب خلفه (بسكون اللام)،الذي سيخلفه عند اللزوم.

رغم كل هذا ترفض متغلبة النظام الإقرار بوجود أزمة سياسية في موريتانيا؛ هذه الأزمة التي تطرقنا لجوانب قليلة منها والتي بدأت برفض الضباط الذين يحكمون البلد حاليا بروز نظام مدني منتخب بتنفيذهم لانقلاب 2008. لم يحدث أن سمع محمد ولد عبد العزيز "لا" مرة واحدة منذ أن حكم هذا البلد، فحولته "نعمات" المطبلين إلى ديكتاتور كما فعلت بالضباط الذين حكموا قبله، وكما ستفعله بالضباط الواقفين حاليا في طابور تولي الرئاسة.

فالمستشارون الذين يتولون منذ يوليو 1978، تأطير رؤساء العسكر يؤكدون لكل من نفذ انقلابا أن "بإمكانه تنفيذ ما يشاء فالعادة أن من تحكم لن يعارضه أحد وستتنافس القبائل على تأييده"، وبهذا يضل الجميع الطريق حتى الخيرين الذين جاؤوا فعلا بنوايا إصلاح.

ولعل أخطر تجليات هذه الأزمة هو امتناع النظام الحاكم عن التحاور الجاد حتى مع المجموعة التي حاورته، ورفضه للتنازل من أجل المصلحة العامة كما فعل ملوك ورؤساء كثيرون؛ فأصبحنا أمام خيارين أحلاهما المر: فإما أن نبقى في الوضعية القائمة التي ستدفع البلاد في ظل الفساد الممنهج وحالة التأزم الداخلي وتحت إيقاع مسموع الآن لطبول الحرب، نحو انفجار لا تحمد عقباه وإما أن نقبل بطروحات غير ديموقراطية كالدعوة للرحيل التي هي من حق الجماهير المحتشدة وحدها لا الأحزاب، أو الدعوة للانقلابات التي جربناها وتأكد لدينا ألا فائدة فيها لكونها ستأتيك بأحد أفراد نفس المجموعة.

فلا نظام محمد ولد عبد العزيز ضعف فزال أو قبل بالتنازل ولا المعارضة قويت فأرغمته على ذلك ولا هي استطاعت تعبئة الشارع لفرض واقع جديد.

لست أدري أين يكمن الحل، ولا ضوء يستبان في نهاية النفق، لكنني على يقين بأنه "من الظلم تولد الحريات"، وبأن المعجزات كامنة في الجماهير مهما طال هذا الصمت.

7. أكتوبر 2012 - 15:40

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا