قطاع التعليم: ملاحظات ميدانية على عملية التدقيق الحالية / عثمان جدو

لا شك أن الإحصاء والتثبت والتدقيق من الإجراءات الاستباقية الضرورية للولوج إلى تنفيذ البرامج الجادة المؤسسة على تخطيط محكم؛ سيتَّكِئُ لا محالة على النتائج المجمعة عن طريق ذلك الإحصاء أو تلك النتائج الموثقة خلال عملية التدقيق؛

ولا شك أن عملية التدقيق التي شرع فيها المكتب الدولي المتخصص الذي عُهد إليه بها توكيلا من وزارتي التعليم الأساسي وإصلاح قطاع التهذيب ووزارة التعليم الثانوي والتكوين التقني والمهني؛ لها أهميتها الخاصة للدخول في المرحلة القادمة والحاسمة للمنظومة التربوية بشكل عام والتي ستتحدد ملامحها أكثر بعد فصل الوزارتين بشكل نهائي، وهو الإجراء الذي ينتظره الجميع كبداية فعلية للوقوف على ترجمة حقيقية لمضامين تعهدات رئيس الجمهورية لمواطنيه إبان الحملة الانتخابية وما تلاها من إرهاصات سياسية أفرزت الحكومة الحالية.

إن المتتبع لسير عملية التدقيق الحالية لن يعدم الوقوف على؛ أو تبني الملاحظات التالية:

  • مع أهمية هذا التدقيق وما سبقه من استعداد وانتظار تولد لحظة إذاعة أولى أخباره في الأوساط التربوية؛ فإن الإجراءات الأولية لا تعكس مستوى الجدية لدى الوزارتين ولا تعكس حقيقة عزم رئيس الجمهورية على إصلاح التعليم وانتشاله من القاع، ولا تطمئن عمال القطاع، ولا تُثلج صدور المواطنين المتتبعين بشغف لمشاكل التعليم.
  •  يلاحظ في كثير من المناطق المَزُورة في عدد من الولايات أن الاكتفاء بتقديم بطاقة التعريف دون التدقيق اللازم في صورة صاحبها كان هو سيد الموقف والخط العريض في المشهد، ومعروف أن هذا الإجراء يَسهُل معه تمثيل غائب بحاضر لا علاقة له بالمعلومات التي يقدمها، ويتأكد ذلك إذا كان الوقت ليلا وهو الذي وافق إحصاء أغلب عمال الإدارات.
  • الاكتفاء بتسجيل المعلومات التي يقدمها أصحابها شفويا دون تقديم وثائق أصلية أو نسخ منها للوقوف توثيقيا عليها، وثبت في الماضي أن هذا التراخي يصاحبه نفخ للمعطيات الشخصية؛ وإن كانت استمارة التدقيق الحالي لا تخدم ذلك في بعض البيانات المفتوحة، لكنها تسهل الادعاءات في مجالات عدة؛
  • فمثلا يمكن لشخص ما ذكر شهادات غير موجودة ما دام النظر في الوثائق الرسمية غائب وتبني المعلومات شفويا هو محور التعاطي في العملية، ومعلوم أنه في الفترات الماضية أحدثت أزمة الشهادات المُزَوَّرة مشكلا كبيرا، وهي التي تبوأ بها كثيرون مناصب عالية، بحيازتها إيهاما وتزويرا، وحازوا بذلك السبق على حساب من كانت لهم الخبرة الجيدة والأداء المميز في مختلف القطاعات!!، (وما في ذلك تعرفه *كمبا*).
  • يمكن كذلك في مجال البنية التربوية مغالطة هذه اللجان بأعداد التلاميذ؛ فالاستمارة الموجهة للمدرسين داخل الفصول تستهدف إضافة إلى المعلومات الشخصية والوظيفية أعداد التلاميذ ونوعيتهم، وهي المعطيات التي  ظلت عقودا من الزمن مسرحا للزيادة والمضاعفة لسببين رئيسين:
  • أولهما: زيادة عدد التلاميذ لكي تُزاد كمية الكفالة الموجهة لمدرسة ما.
  • ثانيهما: زيادة التلاميذ أو مضاعفة أعدادهم للحفاظ على بقاء مدرسة معينة مفتوحة لاعتبارات سياسية تنمو كثيرا في الأوساط النائية.. إذ بدون الوقوف على التلاميذ داخل القسم ومباشرة عدِّهم من طرف لجنة التدقيق تبقى هاتان الحالتان موجودتان وبقوة في المناطق المشار إليها سلفا والتي تعد بيئة مناسبة وحاضنة دافئة لتنامي هذه الظاهرة ذات الرجع السلبي على المنظومة التربوية، وتكثر هذه الظاهرة في ولاياتنا الشرقية وفي الضفة وفي مناطق من ولايات الوسط.
  • نقص الوسائل: لوحظ أن فرقا متعددة من هذه اللجان إن لم تكن هي الأكثر لم يعهد إليها بسيارات تناسب حجم المهمة بل تنقل أكثر أفرادها من منطقة إلى أخرى في وسائل نقل عمومي بدائية وعلى الأقدام في بعض الأماكن، ومعلوم أن لذلك تبعات منها؛ مسابقة الزمن في ظل غياب الوسائل، الأمر الذي سيدفع بالتعجل ومحاولة تجميع الأشخاص في أماكن محددة لإحصائهم، ولذلك ما له من عدم الوقوف على الحقائق بعينها والاكتفاء بما يقدمه الشخص شفويا.. إذن كان بالإمكان الاكتفاء بالمعلومات الموجودة عند الإدارات الجهوية لأن الحال لم يتغير كثيرا!، فالذي يوثق شفويا في هذه اللحظة من طرف هذه الفرق وُثِق سلفا كتابيا عند هذه الإدارات؛ ولم يبق إلا رصد التغيبات بدقة ومسؤولية.
  • كذلك يلاحظ أن عملية التدقيق هذه لا تمنح دليلا ماديا يتمسك به من تم إحصاؤهم؛ فلا أوصال تسلم لهم ولا صور تؤخذ لهم لحظة إحصائهم ولا بصمات تبقى على استمارات الإحصاء لتؤكد أنهم هم.. وسبق أن استخدمت هذه الوسائل كلها في عمليات الإحصاء والتدقيق السابقة وكانت نتائجها جيدة جدا.

 

بقي في الأخير أن نشير إلى أن قطاع التعليم أفسدته سياسات معينة وضعها أو واكبها أشخاص محددون وهم من يُلقى باللائمة عليهم قبل غيرهم في فشل التعليم وإفشال برامجه لعجزهم أدائيا أو لضيق أفقهم فكريا، وما زال أغلبهم يراوح مكانه بنفس الأسلوب والنهج، والغريب أن يكون التعويل عليهم مستقبلا في إصلاح التعليم أو انتشاله من واقعه المزري!!، فهل هناك من أفسد التعليم غيرهم؟ أو على الأقل واكب ذلك دون تأثير أو تغيير إيجابي؟، وهل يمكن للمدرسين الميدانيين إحداث نهضة حقيقية في أطراف الحقل التربوي مع مرض الصدر واختلال في مركز القيادة والتوجيه؟ وهل يمكن للمفسد أن يكون مصلحا بنفس العقلية والأدوات؟.

  

 

 

31. ديسمبر 2019 - 14:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا