الكتابة النسائية في الوطن العربي من جيل التأسيس إلى جيل التجديد / تربة بنت عمار

تربة بنت عمارلقد مرت التجربة النسائية في الوطن العربي من خلال الكتابة السردية (القصة والرواية) بمرحلتين يمكن إجمالهما في ما يلي:

 مرحلة التأسيس: لقد انطلقت الأقلام النسائية من مخبئها منذ منتصف القرن العشرين، لتشارك في رصد الواقع بأسلوب أدبي جميل، وقد ساعدها على استخراج تجربتها دور الصحافة المكتوبة، حيث كانت الصحف أهم محفز للمرأة الكاتبة على التعبير، رغم أن الكثير منهن كتبن تحت أسماء مستعارة، وتلك مسألة طبيعية نظرا لقوة الهيمنة المفروضة عليهن من طرف المجتمع.

حيث ترجمت لنا الشاعرة الكويتية موقف المجتمعات العربية بأمانة عندما قالت:

يقولون:

إن الكلام امتياز الرجال

فلا تنطقي‼

وإن التغزل فن الرجال

فلا تعشقي‼

وإن الكتابة بحر عميق المياه

فلا تغرقي‼

وانطلاقا من هذا القانون ظلت المرأة الكاتبة خلال جيل التأسيس تكتب تارة بإسم مستعار، وتارة تكتب ما يريده المجتمع، وفي الحالتين ظلت الكتابة النسائية في طورها الأول –رغم أهميته- تراوح مكانها طيلة أكثر من نصف قرن من الزمن، فيمكن أن تصنف بأنها لبنة أساسية في درب الإبداع، إلا أنها لم تشكل ثورة صارخة بحجم ما تعانيه المرأة من ظلم وقهر...

فظل منهجها الكتابي يمتاز بالنقد الاجتماعي الهادئ إلى درجة الخجل، وهيمنت على هذا الجيل القضايا الاجتماعية والسياسية، وقد مثلت هذه المرحلة النماذج النسائية التالية:

*من المغرب: ليلى أبو زيد في روايتيها " عام الفيل" و " رجوع الطفولة" وتعتبر الرواية الأولى قد طغى عليها الطابع الوطني والقضايا السياسية الكبرى للمغرب في سبعينيات القرن العشرين، أما الرواية الثانية فكانت سيرة ذاتية للمجتمع المغربي في عهد الاستقلال.

وفي الجزائر كانت زهور ونيسي تشق بقلمها طريقا نضاليا جديدا إلا أن هموم الهوية الجزائرية قد هيمنت على كتاباتها، فهي التي شاركت في ثورة التحرير الجزائرية، وكتبت في سنة 1996 رواية " الرصيف النائم".

وعندنا في موريتانيا حاولت عائشة زين العابدين أن تكتب عن المجتمع الموريتاني في فترة خاصة من تاريخه فكتبت روايتها " الفتاة المعذبة" سنة 1978 إلا أن أسلوبها النقدي كان خجولا.

أما في المشرق العربي فقد كان المجتمع الشامي أكثر تحررا من غيره من بلدان المشرق الأخرى، بفعل اتصاله المبكر بوسائل التعليم وتأثره بالمجتمعات الأكثر تقدما، وانطلاقا من هذا فقد سجل له التاريخ الأدبي الحديث محاولة جريئة ورائدة جاءت عن طريق الكاتبة ليلى بعلبكي في روايتها " أنا أحيا" سنة 1958 لكنها واجهت رفضا عنيفا من طرف الدوائر التقليدية، مما أدى بها إلى المحاكمة، "فرغم أنها شكلت ثورة بروايتها لكنها تعرضت للكثير من النقد لجرأتها الواضحة حتى أنها تعرضت للمنع والمحاكمة".

أما في الإمارت العربية المتحدة فإن جيل التأسيس الأدبي قدم نموذجا مشتركا في عمل روائي مشترك بين ثلاث نساء إماراتيات وهن: مريم جمعة، سلمى مطر سيف، أمينة عبد الله أبو شهاب، وكانت الرواية بعنوان" النشيد" سنة 1988.

فكان ذلك العمل تجربة روائية جميلة، إلا أن التحول الاجتماعي الذي عرفه مجتمع الإمارات قد طغى على أسلوبها.

- مرحلة التجديد: لقد انطلقت هذه المرحلة في العقد الأخير من القرن العشرين وقد مثلتها من الجزائر الكاتبة أحلام مستغانمي في ثلاثيتها التي يكتشف القارئ بين ثناياها " النضال الجزائري، والمرأة الجزائرية، بالإضافة إلى تراث قسطنطينية، فهي ثورة أدبية و ثورة لغوية"، ومن خلالها تجد كل ما هو جميل وكئيب معا، إنها ازدواجية رسمتها الكاتبة الجزائرية بأسلوب غاية في الجمال. وكانت أولى هذه الثلاثية في الصدور " ذاكرة الجسد" التي صدرت تموز 1988 و" فوضى الحواس" التي صدرت ديسمبر 1997 و" عابر سرير".

وقد شكلت ثورة تجديدية ملأت بها ذلك الفراغ الذي كان يهيمن على الكتابة النسائية..." حطمت المنفى اللغوي الذي دفع إليه الاستعمار الفرنسي مثقفي الجزائر". ومن تونس كانت رواية أمال مختار والتي بعنوان: " الكرسي الهزاز" والتي ظهرت 2002، كانت قد شكلت ضجة كبرى، نظرا لأسلوبها الجريئ وخروجها عن النسق التقليدي في الكتابات النسائية، ونكتفي بما قاله عنها الناقد محمد الجابلـي:

" الكرسي الهزاز فضاء البوح والإدانة، حركة العمق المغيّب، ومحاكمة شعرية أنثوية لعالم الذكورة الكسيح والمقفر، وكأني بالساردة تصرخ بلسان درويش في مجاز آخر " لماذا تركت الحصان وحيدا"..."

وقد ودعت التجربة النسائية في الوطن العربي العقد الأول من القرن الحالي بثورة صارخة شكلت استثناءا وذلك من سوريا مع هيفاء البيطار في روايتها " امرأة من هذا العصر" حيث كانت هذه الرواية من روائع الأدب العربي المعاصر،فقد انطلقت الكاتبة برؤية تجديدية وبنقد جريئ وبناء... وكان ذلك العمل قد خرج بتاريخ 15-01-2010.

يتواصل..........

21. نوفمبر 2012 - 14:20

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا