وباء كورونا المستجد / د.الحسين الشيخ العلوي

مدخل ، وفق مؤشرات علم الوبائيات (epidemiology) بات خبراء التخطيط العام وعلماء الإناسة والوبائيات علي يقين أن وباء كورونا المستجد(كوفيد-19)، من المنعطفات التاريخية الحادة التي تعيد تشكيل خارطة العالم، وفق معطيات ما بعد الوباء، وأن هذا الوباء سيشمل جميع دول العالم وبنسب متفاوتة حسب وعي الناس ومدي تقيدهم بالتدابير الاحترازية المتبعة، أثناء فترة الانتشار.

وفق متابعة استقرائية لمسار الوباء طيلة الأشهر الثلاثة الفائتة، وبناء علي مؤشرات علم الوبائيات، نتوقع أن الوباء:

سينتشر بكثافة في جميع دول العالم في القارات الستة، مع منتصف شهر ابريل 2020، ولن تسلم منه غير الجزر النائية في المحيط الهادي البعيدة عن القارات بآلاف الأميال، ولا سيما بعد أن توقفت معظم الرحلات الجوية في العالم( حوالي 11 ألف جزيرة، انتشر الفيروس في 241 جزيرة منها،التي تجاور اليابسة في البر الجنوبي لسيريلانكا والهند).

سيتراوح عدد المصابين بين 900 ألف إلي مليونين مصاب، قبل اكتشاف عقار في أواخر يونيو أو مطلع يوليو القادم.وستكون الوفيات جراء الوباء بين 70 – 110 آلاف.

نسبة الوفيات الآن 4,5% من المصابين، سترتفع خلال أسبوع إلي ما بعد 5%، ثم تبدأ في الانخفاض مع منتصف ابريل 2020، إلي أن تصل إلي 2% مع مطلع مايو، وستستمر في الانخفاض تدريجيا.

شهد الوباء حتى الآن، أربع نقاط انتشار كثيف(بؤر)هي الصين(ووهان) وإيران وأوروبا الغربية( ايطاليا واسبانيا وألمانيا وفرنسا) والولايات المتحدة الأمريكية. ونتوقع أن يشهد مطلع ابريل تفجر ثلاث بؤر جديدة اثنتان في إفريقيا هما مصر وجنوب إفريقيا، والبؤرة الثالثة في أمريكا اللاتينية(البرازيل). وستتفاقم بؤرة إيران إلي حد مخيف.

ستبدأ موجة الوباء بالانحسار مع منتصف شهر أغسطس، لأسباب عديدة(معظمها فني يطول شرحها)، بعد أن يكون عدد المصابين المتوقع بين 5 إلي 10 ملايين، وعدد الوفيات بين 200,000 إلي  500,000 شخص.

مسار كورونا المستجد(كوفيد-19)

وفق تصنيفات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن مراحل الوباء خمسة هي :

المرحلة الأولي (تسمي المرحلة صفر): أي عدم تسجيل أي حالة إصابة. في هذه الخانة لا توجد الآن إلا دولة واحدة فقط في العالم قاطبة هي ليبيا، ويرجع الخبراء السبب إلي ضعف آليات الرصد، في ظل تشظي سلطات الدولة بين طرفي الصراع في الشرق والغرب في ليبيا، رغم التزام معظم الشعب الليبي بالتدابير الاحترازية والوقائية التي طالبتهم السلطات المتعددة بإتباعها.

المرحلة الثانية (تسجيل أول حالة): تبدأ هذه المرحلة مع تسجيل أول حالة في البلد، وتقوم السلطات بالبحث عن مخالطي المصاب، الذين قد تكون انتقلت إليهم العدوى، ليتم عزلهم في حجر صحي إجباري. وفي حالة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ونظرا إلي سرعة وسهولة انتشاره، يضع الخبراء من 1 إلي 20 إصابة في هذه الخانة، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، تقع 68 دولة في هذه الخانة، من ضمنها موريتانيا بإصابتين.

 المرحلة الثالثة( تزايد عدد الإصابات): في هذه المرحلة تتزايد حالات الإصابة عن طريق العدوى. وفي حالة كورونا المستجد (كوفيد-19) قدرت هذه المرحلة من 21 – 50 إصابة، وتشمل هذه المرحلة في راهن اللحظة 23 دولة.

المرحلة الرابعة (المناطق الموبوءة): في هذه المرحلة تشهد البلاد إصابات عدة تكون غالبا في منطقة واحدة أو أكثر من منطقة وبشكل جماعي وتصنف هذه المناطق بـ"الموبوءة". وهي تضم حاليا 97 دولة.

المرحلة الخامسة(مرحلة البؤرة): عندما ينتشر الوباء في كامل البلد، كما حصل في الصين ويحصل حاليا في ستة دول هي ايطاليا والولايات المتحدة واسبانيا وألمانيا وإيران وفرنسا. 

منذ مطلع مارس الجاري صنف وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)  كجائحة (cataclysm)، وترجع التسمية إلي العرف اللاهوتي الكنسي، الذي يقسم الكارثة إلي أربعة مراحل أدناها المصيبة calamity))، وأعلاها الجائحة (cataclysm).

موريتانيا والوباء

مما لا شك أن السلطات الموريتانية جادة في التصدي للوباء بكل ما تملك من مقومات وإمكانيات، وقد لمست ذلك مؤخرا من خلال متابعاتي للشأن الموريتاني، وقد أثلج صدري أن أري هذا الحرص من أعلي مستويات الهرم إلي أدناه، مما يشي بتوجه جاد للنظام السياسي في موريتانيا حيال الأزمات الوجودية التي تواجه بلدنا. لذا أردت من هذا المقال أن أشارك في إنارة الطريق ليس كخبير استراتيجي أو طبيب سابق، بل لأن الواجب الوطني يحتم علي تقديم المشورة لصناع القرار الطبي والسياسي في بلدي، تنسيقا للجهود، فالأمر جلل ويحتاج تكاتف جهدنا الجماعي كموريتانيين، فالقضية مسألة حياة أو موت.

بات من المسلم به لدي الخبراء أن وباء الكورونا المستجد في هذه المرحلة أي مرحلة الانتشار، وقبل اكتشاف الترياق( العقار المضاد لكوفيد-19)، أن سياسة احتواء الفيروس، للحد من انتشاره، وتضييق سبل العدوى هي السبيل الأمثل والفعال في هذه المرحلة، وإستراتيجية احتواء الفيروس ترتكز علي أسس ثلاث كتدابير احترازية وقائية :

منع الاختلاط بأي شكل من الأشكال.

فحص أكبر شريحة ممكنة من السكان باستخدام تحليل PCR للكشف عن فيروس كورونا المستجد(كوفيد- 19).

التبكير بإجراءات الحجر الطبي الشامل للسكان.

وتتوقف فعالية ونجاعة هذه التدابير الاحترازية علي أمرين مهمين،هما:

أولا: مدي الصرامة في تطبيقها.

ثانيا: درجة وعي الناس ومدي تقيدهم بالتحوطات والتدابير.

التدابير الاحترازية

من نافلة القول أنه في فترة انتشار المرض، يلعب وعي الناس وتعقلهم وتقيدهم بالتدابير دورا مهما للحد من انتشار الوباء، وفي حالة موريتانيا، نعرف جميعا أن وعي الناس الصحي متدني بشكل مريع، هذا فضلا علي أن جزء كبير من عاداتنا السلوكية يساعد علي انتشار المرض، بما فيها ملابسنا الفضفاضة التي قد تلامس الأسطح الملوثة، رغما عن يقظتنا واحترازنا، لذا فإن الصرامة في تطبيق التدابير الاحترازية ينبغي أن تكون شديدة وسط عقلية معيقة كعقلية معظم الموريتانيين. 

نظرا إلي سرعة انتشار الفيروس، فإن فعالية الاحتواء تتوقف علي فعالية التدابير التي تتخذها الدولة لمنع الاختلاط بأي شكل من الأشكال، وقد شرعت السلطات الموريتانية فعلا باتخاذ العديد من الإجراءات ذات الصلة التي تمنع الاختلاط والتجمع. لذا سأتحدث فقط عن النواقص أو الجوانب الإجرائية التي ينبغي اتخاذها وبصفة عاجلة وفق أساليب الفكر الاستراتيجي لإدارة الأزمات أثناء انتشار الأوبئة.

إدارة أزمة الوباء

أولا : تشكيل خلية أزمة

إدارة الأزمات ببساطة تعني التعامل مع ما حدث لتقليل الأضرار والاستعداد لما قد يحدث لتلافيه، عليه ينبغي تشكيل خلية أزمة من 9 إلي 15 شخص، يترأسها رئيس الجمهورية، تضم:

رئيس الحكومة.

وزير الداخلية.

وزير الصحة.

وزير الدفاع.

قائد الأركان.

مدير مجلس التخطيط الاستراتيجي( إن كان موجودا).

رئيس الاتحاد العام لنقابات موريتانيا( إن كان موجودا).

رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين.

المدير العام للأمن الوطني.

رئيس الاتحاد العام لطلبة موريتانيا.

رئيس المجلس النيابي.

مفتي الجمهورية.

يتولى مجلس التخطيط الاستراتيجي وضع خطة عمل الخلية لإدارة أزمة الوباء، التي تتضمن:

استشراف مآلات مسار الوباء في موريتانيا لوضع التصورات والمقترحات الإجرائية للتصدي للتداعيات.

تحديد التكاليف المالية للتدابير الاحترازية، وطريقة الحصول عليها بطريقة عاجلة لا تتعدي أسبوعين.

تشكيل اللجان الفرعية للتعامل مع الأزمة بشكل قطاعي، وتعيين الكفاءات العلمية والمهنية من التكنوقراط الموريتانيين دون اعتبار للولاء السياسي.

سن القوانين والتشريعات ذات الطبيعة الخاصة للتعاطي مع الوباء.

ثانيا: قاعدة بيانات وافية

توفير المعلومات الضرورية حول كافة جوانب الأزمة( الوباء)، حجر الزاوية لنجاعة التعاطي الفعال معها. والعمل علي تحديث(تحيين) تلك المعلومات،ووضعها في متناول المواطنين والباحثين والمعنيين والمتتبعين. فنشر المعلومات الصحيحة والوافية، أفضل وسيلة لنجاح التدابير الاحترازية.

ثالثا: القرارات والمراسيم

ينبغي علي خلية الأزمة استصدار مراسيم وقرارات توقع من قبل رئيس الجمهورية حول التدابير الاحترازية المزمع تنفيذها وتذاع عبر وسائل الإعلام الرسمية، كما تضمن وتنشر في الجريدة الرسمية وفق آلية اضبارات المراسيم الوطنية، وأن يلقي رئيس الدولة كلمة موجهة إلي المواطنين بالخصوص لتبيان أهميتها.

رابعا: الحملات التوعوية والتحسيسية.

القيام بحملات توعوية وتحسيسية شاملة ومستمرة، مع تخصيص ما لا يقل عن 50% من السعة الزمنية للإعلام للرسمي لهذا الغرض، مع ضرورة إشراك النخبة السياسية (موالاة ومعارضة ومستقلين) والنخبة الثقافية والمالية والعلمية، ورجالات الدين. وجعل القضية هاجس وطني وقضية رأي عام، وإيقاف كافة المناشط  والفعاليات الأخرى في عموم الجمهورية.

هذه الحملات ينبغي أن يخصص الجزء الأكبر منها للحديث عن التدابير الصحية، والسلوك المناسب الذي ينبغي التحلي به من قبل المواطنين مع تبيان خطر التغاضي واستسهال الأمر أو تجاهله أو الاستخفاف به.

خامسا: الشق الإجرائي للتدابير الاحترازية

شبكات الرصد والمتابعة

بما أن موريتانيا مكونة من 13 ولاية و53 مقاطعة و280 بلدية، فيتم تشكيل شبكة رصد ومتابعة علي مدار الساعة في عموم تراب الوطن، لجمع المعلومات وإرسالها إلي خلية الأزمة، علي النحو التالي:

13 شبكة رئيسة في عواصم الولايات: تعمل علي مدار الساعة، تتكون من 6 شباب( تخصص تقنية معلومات IT)، بنظام الورديات - - working hours shift (كل وردية مكونة من اثنين بدوام ثماني ساعات).

الوردية الأولي  من الساعة 08:00 إلي غاية 16:00

الوردية الثانية  من الساعة 16:00 إلي غاية 00:00

الوردية الثالثة  من الساعة 00:00 إلي غاية 08:00

280 شبكة فرعية في البلديات، بدوام الوردية الواحدة(من الساعة 10:00 إلي غاية 18:00).

بناء مستشفيات طوارئ

بناء 13 مستشفي في عواصم الولايات لعلاج الحالات المثبتة الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بسعة 100 سرير للمستشفي الواحد. ومزودة بكافة التجهيزات الضرورية، ولا سيما جهاز التنفس الصناعي ventilator))، وغيره من لوازم الإنعاش والطوارئ.

اختيار ما لا يقل عن 36 طبيب عام و13 أخصائي أمراض صدرية و180 ممرض(ة)، لتلقي دورة تدريب مكثفة حول آليات التعاطي والتعامل مع المصابين بكوفيد-19، علي يد خبراء صينيين في نواكشوط( للعلم وحتى صبيحة اليوم ينتشر 552 خبير صيني لإعطاء هذه الدورة في 92 دولة في العالم من ضمنها 19 دولة أوروبية، أهمها ايطاليا واسبانيا وفرنسا وألمانيا).

منع الاختلاط والتجمع ( الشعار: الزم بيتك تنقذ روحا)

أمام الاستهتار والاستخفاف الذي أظهره الكثير من الموريتانيين بهذا الوباء الذي هز العالم، والذي يحصد أرواح الآلاف يوميا دون هوادة، يجب عدم الاكتفاء بالنصح والإرشاد، بل يجب إنزال الجيش إلي الشوارع للعمل علي تطبيق التدابير الاحترازية ولمعاقبة المخالفين والذين لا يتقيدون بالتعليمات والتدابير والتحوطات التي تتخذها الدولة، ولماذا أقول الجيش، وليس الشرطة، لأننا في موريتانيا ندرك ونعرف جيدا أن قطاع الشرطة ينخره سوس الفساد والمحاباة، ويفتقر إلي الصرامة، بينما الجيش لازال القطاع المنضبط والمنظم الوحيد في بلادنا، ولن نجد غير الجيش يمكنه أن يطبق التعليمات والأوامر بصرامة، حتى لو استدعي الأمر أن يكون قاسيا في تعامله مع المخالفين، فلا ضير.

بهذا الخصوص ولمنع الاختلاط والتجمع نوصي بالتالي ولضمان سلامة الناس، ينبغي استصدار قرارات من قبل خلية الأزمة تنص علي:

ضرورة التقيد بمسافة الأمان (social distance) بين الأفراد في الشارع، بحيث لا تقل عن مترين، مع حظر اللمس الجسدي أو السلام باليد أو العناق.

إغلاق جميع المحلات والدكاكين، مع الإبقاء فقط علي محلات المواد الغذائية والمخابز والصيدليات والعيادات.

إلزام كل محل مواد غذائية أو مخبزة أو صيدلية أو عيادة أن يكون لديه جهاز كشف حرارة ليزري للكشف عن بعد( دون لمس)، ثمن الجهاز لا يتعدى 50 دولار أمريكي( أي ما يعادل 18 ألف أوقية قديمة). وان يتم الكشف علي كل زبون يدخل المحل أو المخبزة أو الصيدلية أو العيادة دون لمسه، وألا يتواجد في المحل أو المخبزة أو الصيدلية أكثر من ثلاثة زبائن دفعة واحدة، والباقي ينتظر خارج المحل أو المخبزة أو الصيدلية مع المحافظة علي مسافة الأمان بين كل شخصين.

إلزام العاملين في المحلات والمخابز والصيدليات بارتداء قفازات، وأن يكون الشخص الذي يستلم النقود، غير الشخص الذي يسلم أو يمد البضاعة أو الخبز أو الدواء.  

إجبار المحلات بتوفير سائل التعقيم( جل التعقيم) عند المدخل وان يستخدمه كل زبون دون لمسه عن طريق شخص في مدخل المحل يقوم بفحص حرارة الزبائن، وتقديم الجل لهم دون لمسهم.

تجريم ظاهرة البصق أو التبول في الشارع وتغريم المخالف وحبسه ليوم أو اثنين.

تحليل PCR للكشف عن فيروس كورونا المستجد(كوفيد- 19).

فحص أكبر شريحة ممكنة من السكان باستخدام تحليل PCR للكشف عن فيروس كورونا المستجد(كوفيد- 19). ولا سيما في كبريات المدن ذات الاكتظاظ السكاني( تكلفة الفحص الواحد 65 دولار أمريكي: أي ما يعادل 23,400 أوقية قديمة).

الحجر الصحي

في هذه المرحلة، طالما أن الحالات المرصودة حتى الآن حالتين فقط، ينبغي التركيز علي التدابير الاحترازية أعلاه والعمل علي جعل المواطنين يلتزمون بالحجر الصحي الذاتي والتزام المنازل أطول مدة ممكنة، من خلال الآليات والمقترحات التي تقدمها لجان خلية الأزمة. وبالمقابل ينبغي الاستعداد للمرحلة الموالية، أي الحجر الصحي العام، الذي لا قدر الله قد نضطر إليه إذا تلاحقت الأحداث.

ينبغي إعداد 53 مقر للحجر الصحي للحالات المشتبه بها، وللموريتانيين العائدين إلي الوطن من المهاجر المختلفة.

الموريتانيين العالقين بالخارج

يوجد موريتانيين عالقين في العديد من دول المهجر ولا سيما في دول الخليج وإفريقيا، ينبغي علي الدولة، إعادتهم معززين مكرمين إلي ارض الوطن وبشكل يليق بمواطنين لدولة مدنية نتشرف بالانتماء إليها.

ختاما

طالما انه لا توجد شبكات رصد ومتابعة حتى الآن في موريتانيا، وطالما أنه لم تجري فحوص للمواطنين بالبلاد لا يمكن الجزم أو الركون إلي أن الحالات المصابة بموريتانيا هي حالتين فقط.

حفظ الله موريتانيا من كل مكروه.

الدكتور/ الحسين الشيخ العلوي

24 مارس 2020 / تونس.

[email protected]

 

25. مارس 2020 - 19:15

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا