الديبلوماسية الموريتانية وجاءحة كورونا ! / المرابط ولد محمد لخديم

قال الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله  آن موريتانيا لن تحقق شيءا ألا بالثقافة) ويبدو أن الرجل بثاقب فكره كان على حق وهذا ماشاهدناه  منذ أن كنت بالشام حيث كانت شنقيط على السنة المثقفين العرب حتى انه خلال مشاركتي في المؤتمر الفكري لدار الفكر المعاصر سنة 2004م سألني أحد المشاركين في الندوة عن صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن ظنا منه أن الشنقيطي (قبيلة) وذالك بعد تقديمهم لي باسم: المرابط لخديم الشنقيطي...

وقد رأيت بنفسي في الشام عشرات الكتب من تأليف: محمد لمين الشنقيطي وآب ولد أخطور  الشنقيطي ومحمد محمود ولد التلاميد الشنقيطي وغيرهم..

في تدوينة لدكتور الشيخ سيدي عبد الله اليوم يكتب:

في عام 2010 شاركت في مؤتمر أدبي في القاهرة بعنوان (النقدالأدبي والواقع الثقافي)وقد شاركت أغلب البلدان العربية بنقاد كبار من أبرزهم عبد السلام المسدي من تونس وحميد لحمداني من المغرب وسعيد السريحي من السعودية ومن مصر كان هناك فطاحلة أبرزهم أحمد درويش ومحمد عبد المطلب والراحل فاروق شوشة وجابر عصفور وآخرين …

في هذا المؤتمر وفي جلسة حضر فيها سؤال النهضة دار نقاش حاد وطويل بيني وبين أساتذتي المصريين حول الانتقائية في ذكر أعلام النهضة العربية وفرض أسماء معينة على المناهج التربوية العربية، واستغربت عدم ذكر اسم واحد من شناقطة مصر أو الخليج بما فيها العراق وأعطيت أسماء كانت مساهمتها في مسيرة النهضة بارزة و موثقة…

وأتذكر أن الدكتور السريحي انتصر لي في ذلك النقاش وقدم بعض الأفكار المهمة …

هذا تقديم لتوضيح الآتي :

ليس من عادتي الرد على شذاذ الآفاق من العرب الذين اتخذوا من الاساءة لموريتانيا فسحة تندر وتهكم وقتل للوقت، فللأسف ما زالت موريتانيا بالنسبة لهم جزيرة عجائبية شبيهة بجزر الجان والعفاريت في قصص ألف ليلة وليلة.. منزوعة منها تيمةالجمال الملازمة لتلك الجزر..

موريتانيا لا تستحق الحياة ولا الوجود، بل هي عند بعض مثقفيهم من الويلات التي حاقت بالجامعة العربية وقتلتها، وهي بلد لا يكاد يشب بسبب الجوع والفقر والمرض والقبح….

هذه هي الصورة التي تتكرر على مسامعنا وتمر أمام أعيننا يوميا.. وبغض النظر عن دورنا نحن في ذلك فإن الآخرين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة والواقع..

عندما انطلقت تجربتنا الديمقراطية – على علاتها – ونظمنا انتخابات رئاسية متعددة – على علاتها – لم نبلغ عند بعض كبريات وسائل الاعلام العربية درجة ذكر ريادتنا عربيا لهذه التجربة..

وعندما تصدرنا العالم العربي في حرية الصحافة غُمطنا حقنا وأصبحنا أحيانا ثالث بلد وأحيانا رابع بلد رغم أن منظمات حرية الصحافة العالمية تضعنا في المقدمة عربيا على مواقعها .. لكن لأنها موريتانيا لا ينبغي أن تتصدر شيئا كهذا ..

جابهنا هذه التصرفات باللين وبالتفهم وبالتماس أحسن الأعذار وكتبنا لمن تهمهم الحقيقة ..

والغريب أننا الشعب الوحيد الذي ليس من طبعه مهاجمة البلدان والشعوب، فمواقفنا من بعض القادة العرب لا تتعدى القادة أنفسهم، ولذا نلتمس العذر لمن ينتقد موقفا لحكومتنا أورئيسنا ولكن عندما يتعلق الأمر بوطن كامل وبحقه في أن يكون شيئا مذكورا فلا معنى ساعتها للتعقل ولا للتثاقف ولا للتنوير الزائف …

اليوم ما زال بعض العرب (جابر العافية) على الاساءة لموريتانيا بلدا وشعبا ويتخذ من هذه الفضاءات منصة لذلك، ولا يفوت فرصة دون تدوين سيل من التجريح والتهكم ضدها ..

هل من الحكمة التماس الأعذار له و التثاقف معه؟ والتغاضي عنه؟

إلى متى هذا التغاضي وهذا الخنوع وترك الآخر يسب ويهاجم؟

ما قيمة الثقافة إذا لم يرد بها المرء عن وطنه وشعبه؟

عندما هاجم السفير الفلسطيني الأسبق في القاهرة ( في الثمانينات) جمال الصوراني موريتانيا رغم ما قدمته للقضية الفلسطينية وقال في لحظة نفاق لمصر : ( إن مصر بلد عظيم ودوره لا يستغنى عنه فهو ليس موريتانيا ولا الصومال ولاالجيبوتي) لم يذهب كلامه سدى، فقد تصدى له السفيرالموريتاني في تونس آنذاك سيد احمد ولد الدي حفظه الله وألقمه حجرا برسالة مشهودة وًمعطرة بلغة أنيقة عانق الجاحظ فيها المتنبي بحب وكبرياء ( أنظرالرد في جريدة الشعب – ع 2463 بتاريخ 31 مارس 1988 منشورةفي ملحق الخميس).

وعندما تحدى المصريون ابن الأمين دمغهم بكتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، وعندما سخر التاجر اللبناني من المرأة الموريتانية، مرددا قصصا خرافية عنها وعن علاقتها بزوجها أمام المختار ولد حامدن، نفض يده من التجارة وتفرغ لكتابة موسوعة حياة موريتانيا….

الحمية للوطن ليست مسألة خاضعة للنقاش والمساومة، هي حالة لا شعورية..

واليوم عند الاعلان نجاح بلدنا في السيطرة على الوباء انبرى بعض العرب على تويتر يهاجمون ويتهكمون ويتندرون، بين من يستغرب من معرفتنا لشيء اسمه الفحوص، ومن يقول إن سبب خلونا من المرض هو أننا لسنا بلدا ولا شعبا وذلك ما اكتشفه كورونا وقرر الرحيل .. وبين من يقول إننا لم نستيقظ بعد، والأمثلة بلغت المئات على تويتر من التقزيم والهجوم والاحتقار ..

تريدوننا أن نصمت وأن نبتلع الاهانة حتى نظل في ذهنكم ( مثقفين) و ( نخبة) أي ثقافة هذه وأي نخبة إذا كانت لاترد عن شعبك وبلدك صائلا؟

قلتم إننا ظلمنا أحد المغردين العرب، طيب لماذا تركيزكم عليه وحده دون مئات الردود الساخرة، المحتقرة.. كأنكم وجدتكم فرصة لترك التهجم على الوطن جانبا ومهاجمتنا نحن .. كأن مشكلة بعضكم معنا نحن وليس مع من لا يعترف بحقكم في الحياة….

وقلتم إن الموريتانيين لديهم مركب نقص.. طيب : هل هم الموريتانيون وحدهم؟

ليجرب أحدكم الاساءة لملك أو رئيس عربي أو بلد عربي على تويتر ويرى كم وردة سيحصد…

موريتانيا بلد يستحق الاحترام كغيره من بلدان العالم فهل طلب الاحترام مركب نقص؟

سنرد عليهم بلغتهم وبأسلوبهم ولن نأخذ بلدانهم وحكوماتهم بما يتقيؤون من سافل القول وسفسافه ، بل سيظل تقديرنا واحترامنا لتلك البلدان وقادتها قائما وراسخا،

ولكننا سنضاعف لهم الصاع حتى يفكروا ويفكر غيرهم ملايين المرات قبل التجريح والاساءة الى موريتانيا .)

كنت قد كتبت مقالات وبحوثا عن دور المثقف في المجتمع مثل: ثقافة التحصيل بين الشناقطة الأوائل والشناقطة الجدد. والباحث الموريتاني بين التهميش في الداخل والانجازات المعتبرة في الخارج؟ وهل ساهم المثقف الموريتاني في االقضاء عليه؟ 

               ومأساة المؤلفين والمبدعين في موريتانيا!!

حاولت أن أصل من خلالها إلى تصورا جديدا عن واقع الثقافة والمثقف في بلدي.مبرزا الأسباب التي أوصلته لهذه الحالة المزرية ومتسائلا في الوقت نفسه عن دوره في قراءة واقع مجتمعه ؟!

فالمثقف الذي جمع من المعلومات قسطاً كبيراً ، ينبغي ألاَّ يقتصر على الجمع والاستقصاء والارتشاف والاستقاء.. للمعلومات فحسب ، بل يطمح بأن يكون له دور ريادي في إصلاح الواقع الذي يعايشه!

وإن تاريخ البشر يقول إن عهود الأزمات الاقتصادية والاجتماعية هي عهود المعالجات العملية لتلك الأزمات نفسها، إذ تنهض لها العقول المفكرة، محللة، معللة، وهكذا كلما عصف التاريخ بالأحداث الشديدة والاضطرابات المدوية قذف التفكير الاجتماعي الواعي بالآثار الفكرية الضخمة.

  ومجتمعنا اليوم بأمس الحاجة إلى هذه العقول لتشخيص المجتمع الذي وجدنا أنفسنا فيه، وكما يقال إذا تزاحمت العقول خرج الصواب..وفي هذا المجال لابد أن نرجع في عجالة الى الفئة المثقفة في مجتمعنا؛

  وهنا أرى لزاما علينا أن نعرض للنخبة المفكرة في هذا البلد والتي نلاحظ أن شريحة واسعة منهم ارتبطت بالمناهج التعليمية والمقررات الدراسية ومختصراتها وقتلت لديهم روح البحث وحرمتهم من المطالعة خارج المنهاج وكرهت إليهم القراءة والكتابة، حيث حصرت الهدف منهما بالامتحان والشهادة تنتهي الحاجة إليهما ونبدأ القطيعة معهما بالنجاح في الامتحان وتحصيل الشهادة!

  وأخرى اقتنصتها وسائل الأعلام والمعلومات السريعة، بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة، فآثروها على تحصيل العلوم والمعارف، وسلموا أخيلتهم وأوقاتهم لها، وفضلوا التحول إلى متلق يستمع ويشاهد مسترخيا على أريكته، يتجرع ويحتسى كؤوس الشاي المنعنع مع ما يقدم له من دون كبير تدخل أو اختيار...

  آثروا ذلك على معاناة القراءة الجادة وما تتطلبه من تركيز ووعي، فتسطحت الثقافة ونتج عن ذلك داء الأمية الثقافية التي أضرت بحركة النقد، وحدت من تداول الأفكار وأدت إلى ركودها، فضمر الإبداع وتحجرت العقول، وغاصت الثقافة في المياه الآسنة، أما الفئة الباقية فهم مجموعات تحكم فيها الفكر الجمعي للمجتمع الذي لا يسمح عادة بالخروج عليه لأن ذلك يعتبر إيذانا بتخريب روحه الجماعية التي هي المصدر لتلاحمه الهش، فسيطر على هؤلاء الانشغال ببيان الانجازات التي حققها عظماؤها بدل البحث عن وسائل تمكن من تطوير ما قدم الأجداد..

  إن كثيرا من الأخطاء والخطايا التي نقع فيها، ليس مصدرها الجهل، وإنما مصدرها الهوى والرغبة في تحقيق المصالح الخاصة، مما يعنى أن تكرارها هو المتوقع، نظر لديمومة أسبابها. والذي يساعد على التخفيف من تكرارها، هو الاستمرار في نقدها بشتى الوسائل وشتى الطرق، فالأخطاء. لا تتبدى دائما للعيان، ولا تتلبس بلبوس واحد، مما يعنى ضرورة الاستمرار في كشفها ومواجهتها..

 وبما أن جائزة شنقيط والمتحصلين عليها يمثلون أكبر كم من هذه النخبة فقد كتبت عنها عدة مقالات مثل: جائزة شنقيط بين الموت السريري في الداخل والانجازات المعتبرة في الخارج.. ودعوة الحاصلين على جائزة شنقيط لأداء الواجب الوطني  والمقال الأخير الذي نشر منذ أسبوعا والموسوم ب: هل تحولت جائزة شنقيط من جائزة دولة  الى جائزة محلية؟!

لاستنهاض الهمم والهبة من جديد بعد الكبوة ولكن لاحياة لمن تناديll

ففي الوقت الذي  وردت الي ايميلات واقتراحات من الخارج كان آخرها هذا الايميل الذي يقول صاحبه:

الأستاذ المرابط ولد محمد لخديم المحترم                                                                 

مساكم الله بالبركات:

لقد قرأت مقالكم حول جائزة شنقيط وحزنت كثيرا على حالها ، إذ إني كنت من المشاركين في دورتها الأولى وعلى الرغم من عدم فوزي بها لكني بقيت اعتز بها لأنها من بلد نجهل الكثير عنه..

يا ليت ترتفع أصوات المثقفين الموريتانيين ليكون لهم حضور بالمشهد الثقافي العربي كما كان سابقا عبر الجوائز او المشاركات الفعالة..

تحياتي لكم

أخوكم أ.د. مشتاق عباس معن 

جامعة بغداد_ العراق.

    لم اتلق أي رد من الداخل ولا من أصحاب الجائزة مما كون لدي قناعة بأنه لم يعد بيننا من يهتم بالثقافة والعلم وأن صورة ذالك الشنقيطي المعتز بنفسه الغيور على المثل والوطن المستميت دون مبادئه النبيلة والذي بني حضارة الدين والدنيا على ظهور أحقاف متحركة وحصل العلم من شتى أصقاع الدنيا لم تعد موجودة إلا في مخيلتنا!!

غير  ان وصول الرئيس الحالي للسلطة واشرافه على تقسيم الجائزة بعد غياب دام عشر سنين يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح وقد كتبت مقالا بعنوان : هل يرد رئيس الجمهورية الاعتبار لجائزة شنقيط؟! 

https://alakhbar.info/?q=node/22232

أما عن مقترح الشيخ معاذ سيدي عبد الله

لمقترح : أنتوم ال مثقفين ومتنورين وفاهمين الأتيكت تمو جوهم عاگبنا نحن وملْسو ردودنا وقولولهم عنا شمن الجهلة والبداة الأجلاف وعنهم عندهم الحق وموريتانيا دمها هدر لهم..

ذاك هو ال مستور وهو ال يتواس …)

هذا ما يقوم به موثقفونا للاسف وهو ماشجعت  عليه سفاراتنا في الخارج  عن قصد أو  غير قصد  فمآربهم

 الشخصية ومصالحهم الخاصة ألحقت بهذه الدولة من الضرر ما لم يلحقه بها سفراؤها في الخارج, فعلى مدى عقود من الزمن وموريتانيا تفتح في السفارات وتبعث بالسفراء وتنفق الملايين,, وفى الأخير تتفاجأ بأن هؤلاء أصبحوا سفراء حقائب, يقضى الواحد منهم ما شاء أن يقضى في الخارج في ترف منقطع النظير.

وعندما تحين العودة إلى الوطن تمتلئ الشنط بما غلا ثمنه وخف وزنه, بدليل ما نشاهده الآن على شاشات الفضائيات العربية والدولية من استهزاء وتنكأ بكل ما هو موريتاني. وهذا ما يوضح تقصير هؤلاء السفراء عن دورهم المنشود في التعريف بالبلد..وهم الذين استنزفوا خيرات هذا البلد عبر عقود.. فيكفي أن نعمل جردا عاديا لرواتبهم وميزانياتهم التي تجاوزت ما وراء البحار على مدى 50 سنة, لتتبين مدى خلل التفكير عند هؤلاء. ولا ينبئك مثل خبير، فسفراؤنا الحاليين والمتقاعدين عندهم خبر اليقين.غير أننا نرجح دائما الشعر أو "الغناء الحساني" ليتكلم بلسان حال هؤلاء قبل لسان مقالهم. والقصة تحكى عن أحد الذين عانوا من تسيب سفاراتنا في الخارج.

كان أحد سفرائنا في أحدى الدول الشرق أوسطية والتي عادة ماتمنح نوعين من الطلاب: طلاب عاديين، وطلاب من جهات أخرى، ونظرا للتأخر المنحة واقتراب ذهاب الطلاب العاديين في العطلة الصيفية إلى البلاد، وكان آنذاك يوم الاثنين آخر أيام السنة الدراسية وهو اليوم المحدد للقاء السفير بالنسبة للطلاب العاديين لذلك لجأ السفير إلى استبدال يوم الاثنين بالخميس بعد علمه بأن هؤلاء الطلاب سيذهبون يوم الاثنين في العطلة الصيفية "مناورة منه"، مدعيا أن ذلك اليوم من نصيب الطلاب الآخرين, فقال قائلهم بالشعر "الحساني":

يلگ كَانٌ الطلًاب ** كَلٌ أثٌنين أُذَ طَابٌ

أعليه أولا ينصاب **عن ملگاه أفلثنين

ذا السفير أو ينهاب ** أفست أيام أخرين

غير إبان أراعيه ** أتاليل مسكين

يتخاف عاد أعليه ** لخميس أمع لثنين

لذا يجب على دولتنا الجديدة آن  تعيد النظر في  ركيزتي التمثيل الدبلوماسي، و التعليم والبحث العلمي، فإنه من الصعب على الدول التي تهمشهما  أن تحافظ على توازنها الذاتي، مع تلبيتها لمطلبي الثبات والتغير. وبوجود خلل في هذه العوامل فستصاب حتما بالتقادم والعجز كما وقع لسلفها وماتعيش  تداعياته  اليوم.

19. أبريل 2020 - 21:30

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا