رسائل العودة / أحمد ولد الوديعة

بعد أربعين يوما من الغياب القسري في فرنسا للعلاج من الرصاصة اللغز عاد الرئيس الجنرال محمد ولد عبدالعزيز يوم أمس إلى نواكشوط ليجد في استقباله حشودا من الموظفين  المهددين والفقراء المجلوبين، والشباب الفضوليين،

وعشرات من أصحاب المصالح ومديري المؤسسات الكبرى.. بدا المشهد وكما لو أن رئيس موريتانيا الأسبق العقيد معاوية ولد الطائع و الذى يعود فقد عادت مظاهر للحشد كانت قد اختفت خلال سنوات ما بعد 2005..

 لحظة العودة  بما فيها من مشاهد معبرة وما تلاها من خطوات تحمل رسائل بالغة الأهمية لابد من التوقف معها لمحاولة استشراف ما ينتظرنا خلال مرحلة  الرئيس العائد أو العاجز على اختلاف في الروايات.

 السيدة الأولى

 كان أول ما شاهده المصورون القابضون على كاميراتهم لالتقاط الصور الأولى لعودة الرئيس هو جانب من  ملحفة السيدة الأولى تكيبر بنت النور التي همت فيما يبدو على أن تحط من الطائرة قبل الرئيس قبل أن تفسح له الطريق وتنزل بعده مباشرة  لتأخذ مكانها في الصورة ، والحقيقة أن تكيبر  وابنها أحمد هما من كان يدير جانبا مهما من أمور البلد خلال الأربعين يوما الماضية، والأكيد أن هذه المكانة المؤثرة لتكيبر وأحمد التي تكشفت خلال ما بعد الرصاصة الصديقة ستتعزز خلال الفترة القادمة التي سيتكرر فيها غياب الرئيس للعلاج وستضعف قدرته على متابعة جميع التفاصيل كما هي هوايته الاصلية.

 منت النور إذا جزء أساسي من مشهد الحكم في موريتانيا ما بعد الرصاصة الصديقة فظهورها القوى إلى جانب الرئيس خلال العلاج والعودة يؤكد أنها قررت أن تتابع الأمور عن قرب فوضع الرئيس لم يعد يسمح  بتركه يذهب وحيدا ففتك النيران الصديقة يبدو خطيرا جدا وربما يترك  مغانم العائلة من الحكم في مهب الريح.

 

غاب النشيد

يعزف النشيد الوطني رغم أننا في أيام عيد الاستقلال وأن الرئيس عائد من رحلة علاجية هي الأطول لرئيس مويتاني منذ قيام الدولة، فهل هو الوضع الصحي فقط  هوما جعل البروتكول يحذف فقرة النشيد أم أنه الارتجال فقط هو الذى جعل النشيد الوطني يغيب عن مشهد احتفالي أرادته الحكومة والجيش والإدارة والموالاة الأكبر في تاريخ البلد.

 ومع أن التفسير الصحي لغياب عزف النشيد هو الأقوى  لكن اللافت أن الرئيس لوح لمدة قرابة دقيقتين للجموع التى استقبلته، وهو وقت كان كافيا لسماع النشيد الوطني، فهل يمكن أن نقول إن النشيد الوطني  يأتي في أولويات الرئيس ومرتبي حفله متأخرا عن التلويح لجماهير الموالاة.. إن تلك الرسالة خطيرة حقا عندما يكون الوطن ورموزه في مرحلة متأخرة عن الحزب وجموع المصفقين والمتمجدين وفق تعبير الكواكبي في طبائع الاستبداد.

  جنرالات وجنرالات

  في السابق  دأب أنصار العسكر من السياسيين والإعلاميين على ترديد مقولة مؤداها أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة المتماسكة في البلد ؛ فهو لذلك – بالنسبة لهؤلاء الضامن الفعلي – لاستمرار الدولة وكيانها، لكن الصورة التي التقطها الصحفيون أمس لأربعة جنرالات فقط في الاستقبال فيما بقية الجنرالات والقيادات العسكرية على الهامش تبدو مغايرة وتكشف للمرة الأولى حقيقة أن في الجيش جنرالات وجنرالات؛ جنرالات يستحقون الظهور في المقدمة وجنرالات مكانهم مع الجموع المقهورة.

 ظهور الجنرالات إلى جانب الحكومة تأكيد لما لايحتاج إلى تأكيد وهو أن الجنرالات هم من يحكم موريتانيا بالفعل أما " الدكتور مولاي ولد محمد لقظف" فهو " شكل حكومي" فقط.

 

 لامكان للمفتي

 

كان الإمام أحمدو ولد لمرابط هو من خلع على الرئيس محمد ولد عبدالعزيز صفة رئيس العمل الإسلامي وقد حافظ خلال فترة الغياب القسري على دعاء أسبوعي ثابت للرئيس بالشفاء والعودة الميمونة المظفرة لكن كل ذلك لم يشفع له عند  التشريفات فقد ردوه على أعقابه بعد أن خرج إلى الطائرة رفقة الجنرالات ليشاهد الموريتانيون  ولأول مرة كذلك إدارة تشريفات الجمهورية الإسلامية الموريتانية تسيئ معاملة إمام الجامع الكبير والرجل الذى يحمل صفة مفتي الجمهورية الإسلامية.

 هي رسالة واضحة إذا مفادها أن لامكان للمفتين والعلماء في دائرة الحكم والتشريف فتلك مكانة محجوزة للجنرالات والجنرالات فقط.

 

مسعود على الهامش

 

 رغم أن رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير قطع إجازته  وعاد من مسقط رأسه بالحوض الشرقي ليستقبل الرئيس، ورغم أنه كان أول من أكد للموريتانيين في لحظة حرجة أن الرئيس بخير وأنه يتماثل للشفاء فقد كان واضحا يوم أمس أنه على  الهامش وأنه غير مرتاح للظروف والسياق الذى تم فيه الاستقبال.

 ربما يكون مصدر عدم ارتياح ولد بلخير هو التصريحات التي أدلى بها الرئيس العائد لإذاعة فرنسا الدولية وجدد فيها رفضه لحكومة الوحدة الوطنية المقترحة ضمن مبادرة رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير، وهي التصريحات  التى وجد فيها مسعود " جزاء سينمار" لمواقفه طيلة فترة الغياب، وهي رسالة من الراجح أن ولد بلخير لن يتركها تمر إذ أنها تعني في واقع الأمر أن كل مساعيه لتفادي الأسوأ في البلد تفهم بطريقة خاطئة ولاتلاقي التجاوب الذى تستحق من الرئيس وحاشيته.

 

  العدو رقم واحد

 

 وفي سابقة من نوعها في تاريخ التدافع السياسي في البلد  هاجمت سيارات تحمل صور الرئيس وشعارات حزبه منزل رئيس حزب سياسي معارض وعضو في البرلمان، وكالت له سيلا من " السباب والشتائم الرسمية" أمام منزله وبحضرة أفراد عائلته، وهي رسالة 

قوية من الرئيس العائد لقيادات المعارضة عموما وقيادات تواصل خصوصا  أنه لاتوجد محرمات ولاخطوط حمر، كل الخيارات ممكنة للتعاطي مع معارضة يعتبر النظام وحزبه أنها " خارجة على النظام ولآداب العامة."

 تلك إشارات تحمل أهم ملامح موريتانيا في ظل الرئيس العائد حيث الأسرة وبعض الجنرالات في  عمق وواجهة الحكم، وحيث الأنصار والموالون والمحشورون أهم من  نشيد الوطن ورموزه، أما العلماء والمفتون فلامكان لهم في المقدمة ولابحضرة التشريفات، كما لايفيد المعارضين المعتدلين طول المسافة التي قطعوا من أجل الاستقبال ولاأهمية المواقف التى اتخذوا في أوقات تواري الموالين فلاوجود لشراكة في الحكم إنها هي التبعية والتبعية فقط.. ويبقى على المعارضين "الراديكاليين" انتظار أيام عصيبة من الإذلال فالقناعة الراسخة لدى حواريي الرئيس العائد أن لامكان للمعارضين في المدينة فالواجب إخراجهم منها " إنهم أناس يتطهرون".

26. نوفمبر 2012 - 17:56

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا