أمَّا ما بعد الكورونا فلا بد من عهد جديد / د.محمد نافع ولد المختار ولد آكه

لقد تقدمت بمقال سابق (نوفمبر 2019) تحت عنوان (أما دورك أنت فهو تطبيق القانون لإثمار دولته). وبأسلوب مؤكد وخطاب مباشر موجه إلى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، قلت: «أؤكد لك، سيادة الرئيس، أن أولى أولويات المرحلة هو تطبيق القانون سبيلا أوحد لإثمار دولة القانون التي غدت مطلبا شعبيا وحضاريا ناط بكم التاريخ إنجازه، وهو دور لا كالأدوار؛ إذ بتحقيقه يطعم الله الجائع، ويؤمن الناس من المخاوف، ويفتح على أهل القرى بركات السماء والأرض»، وهو توكيد ما زال قائما وسيبقى ما بقي موجبه.

هذا الموجب باق، لكن بالنظر إلى مستجدات جائحة الكورونا يجب أن يطرأ تحديث للأولويات يمكن من إجراء التعديلات الضرورية واللازمة لمواكبة التطورات الجديدة تبعا لاستجداد موجبها كوفيد-19، هذا الكائن العجيب الذي غير موازين العالم المخْسَرَة بجعل كل بلد منشغلا بذاته يطلب النجاة منفردا؛ مما ينبئ عن غد مختلف عن أمسه اختلافا جوهريا لا كاختلاف اليوم عن الأمس العادي. ورغم عمق وجوهرية التغيرات المتوقعة، لا شك أن قوى الاستكبار العالمي الضالعة في تسخير مقدرات الأمم والشعوب المستضعفة لمصالحها الذاتية ستبحث بكل ما أوتيت من قوة عن بدائل جديدة لنظامها المتهالك، بدائل ترى أنها ستمكنها من إحكام سيطرتها باستمرار على إمكانات تلك الأمم والشعوب إلى الأبد. وفي هذا السياق يندرج ما يروج من مراجعات استراتيجية بادرت إليها هيئات غربية متخصصة، وهي مراجعات غدت تسريباتها ماثلة عبر مؤسسات إعلامية ذات يد طولى وأهداف معروفة كإذاعة فرنسا الدولية الأقرب إلينا، والأكثر اهتماما بـ«شأننا»... وفي هذا السياق أيضا تندرج المليارات التي تم الإعلان عن إطلاقها من طرف البنك وصندوق النقد الدوليين، وهي أموال لن تكون مجانية – كلَّا؛ فما كان منها قرضا سيؤخذ مقابله ثلاث مرات: رأس المال مستعادا، وفائدته الربحية، ومنافعه الأخرى المادية والمعنوية. أما ما كان باسم الهبة فلن يكون مقابله أقل من السيادة ونصيب من استقلال القرار، ولا يخفى على أحد أن هذا المقابل هو الأثمن والأخطر بكثير.

هذا من جهتهم هم، لكنه ليس بالضرورة قدرا مقدورا علينا.

فمن جانبنا نحن ينبغي لنا –ويناسبنا- أن نستغل فرصة انشغال (الكبار) عنا بأنفسهم –وهي محمدة للكورونا، وذلك بالرجوع إلى ذواتنا والعمل على تبني صيغ وتقنيات أخرى للإنتاج مغايرة لما كان عليه الحال قبل وباء كورونا 2019. ولعل من المناسب لنا أن نبدأ هذا الأمر برصد ما يتوفر لدينا من موارد وتوجيهها نحو النقاط الخمس التالية، التي أتقدم بها كمقترحات رجاء أن تشكل مساهمة جادة في وضع لبنات لتأسيس استراتيجية عمل وطني جديدة جادة، ومثمرة، وبناءة.

النقاط الخمس-المحاور هي:

التركيز على الزراعة، وإعطاؤها الأولوية بالنسبة للصناعات الاستخراجية.

التركيز على التكوين المهني، وتعزيز قدرات أصحاب الحرف البسيطة، والعمل على تطوير التعليم الأصلي ليكون دافعا ورافعا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

تفعيل الطب الأهلي البديل، والعمل على تطويره وتخليصه من شوائب الشعوذة وخرافات المتمتمين والمدندنين.

جعل التعليم العالي في خدمة المجتمع، بخلق طرائق جديدة للبحث العلمي تنطلق من القدرات الذاتية المتاحة وتتصدى لحاجات البلد الأساسية الواقعية، وتتطلع إلى المستقبل بنزعة الطموح الخلاق وروح الأمل الواعد ونهج الابتكار المبدع.

ثم، أخيرا وليس آخرا، دمج الكفاءات الوطنية المهمشة، التي تعيش داخل الوطن وخارجه، ليحِلَّ صالحُها شيئا فشيئا محل من يثبت فسادهم؛ لأن من مرد على الفساد يصير فساده طبعا له، ولن يمكن قط إصلاح ما يقع بحوزته وتحت سلطته.

       

نواذيبو، 05 رمضان 1441

29. أبريل 2020 - 17:36

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا