الشباب يقترح../ أحمد ولد محمدو

altبعد ما يزيد قليلا على العام من انطلاقة الربيع العربي حيث كان للشباب الريادة في إعادة توجيه بوصلة التاريخ أطل علينا البعض في الركن القصي من ذات المنطقة حاملا خطابا جديدا يري أن دماء الشباب قد لا تكون الخيار الوحيد للإصلاح، معتبرا أن ثقافة الحوار أو ما سماه الاقتراح المغيب قسرا يمكن أن يوصل لذات الهدف بأقل الخسائر، فكان في ظل نشوة النصر بالنسبة لمن عايشوا الربيع تلفزيونيا كمن نطق كفرا..

إن هذا التحامل وليد طبيعي لثقافة تكريس رداءة الخطاب السياسي والعمل الممنهج لخلط الأوراق الذي أطلقت ماكينته ما بعد أغسطس 2005 لقطع الطريق على الإصلاح من خلال رفض تمايز الطبقة السياسية حيث كان يفترض أن يقف من ناضلوا للإصلاح طيلة العقود الماضية في خندق على أن تقف قوى النظام الأسبق في خندق آخر.

لقد نجحت القوى الأخيرة من تمييع كل شيء وتمكنت بطريقة مبتكرة من إعادة إنتاج الماضي المظلم خصوصا في جانبه القيمي مطعمة خندقها بدماء جديدة طالما اعتقدنا أنها من سيجر قاطرة الإصلاح.

إن هذه الصورة الرمادية التي نقف أمامها لا تعني بالضرورة أننا قد وصلنا خط اللاعودة فبقايا الخير الكامنة في عتمة الشر المهول الذي يحيط بنا يمكنها أن تنتفض من جديد لتصحيح المسار وأولى الخطوات لذلك هي أن نعيد ترتيب الأوراق من خلال نفض أيدينا من التحالفات المريبة حيث ضحايا الأمس المقيت يصفقون هستيريا لجلاديهم في مشهد محزن، إن هذه المشهد الغريب مخالف لنواميس الطبيعة وهذا لا يعنى الدعوة للانتقام أو رفض التسامح لكننا نريد أن نضع خطا رفيعا بين من أحسن إلى هذا الشعب ومن أساء إليه للحيلولة دون تكرار هذه الأفعال.

وللوصول إلى هذه الغاية فنحن مدعوون لإعادة ضبط المفاهيم ومراجعة الخطاب السياسي وإضفاء مسحة أخلاقية عليه ليسترد مصداقيته خلافا لما يتمنى من أهلك الحرث والنسل خلال المراحل الماضية كشفا لزيف الأقنعة.

إن من يتحمل وزر أخطاء ـ حتى لا نقول جرائم ـ الأنظمة السابقة هو من كان واجهة لها وعلى وجه التحديد بطانته السياسية التي شغلت مناصب سامية في حكوماته مثل الوزراء ومن في مرتبتهم وبالتالي فلا مجال لتوسيع الدائرة حتى لا نميع القضية ويفلت هؤلاء من المساءلة الأخلاقية وذلك أضعف الإيمان أما أن يتحولوا إلى قادة رأي مطالبين بالإصلاح فهذا ما يعافه الذوق السليم.

إن من شارك أو سكت على سحل وتغريب وتجويع الشعب الموريتاني لا يتصور أن يتحول إلى منافح عن الإصلاح ويصول ويجول في الساحة السياسية حاملا هذا اللواء.

إننا في وضع كهذا نجد أنفسنا مطالبين كشباب اختار أن يكون قوة اقتراح أن نبدأ حسب الأولويات بتصحيح هذا الفوضى منعا لعودة هؤلاء من النافذة ولنؤجل الفعل لوقته المناسب.

وما دمنا في طور الاقتراح فإننا ندعو شباب الأحزاب لمساءلة قياداتهم حول أدائها؟ فمن يريد الإصلاح أو "التغيير" يجب أن يكون مقنعا لغيره وليبدأ بنفسه أولا فمن يصدق أن البعض يريد خير التناوب لغيره، ويحرم مناضلي حزبه من هذه الخصلة، ان أقرب ما يمكن أن يحتكم إليه في هذا الجانب هو أداء الأحزاب خلال الاستحقاقات التشريعية والمحلية الماضية التي يؤكد الجميع أنها كانت الأفضل من حيث الشفافية.

إن هذه الانتخابات ظهرت فيها الأحزاب السياسية بموقف الضعيف حيث سحقت من طرف المستقلين وبافتراض أننا تركنا للظروف الخارجة عن إرادة قيادة هذه الأحزاب نسبة مقدرة فإنها لابد وأن تتحمل من باب المسؤولية جزء من هذا الفشل وهذه النتيجة المتحصل عليها يمكن تفسيرها بأحد أمرين: الأول سوء الأداء في هذه الانتخابات وهذا فشل يستوجب تغيير قيادات هذه الأحزاب كما درجت على ذلك الأحزاب العريقة التي تحترم مناضيلها. الثاني وهو الشماعة التي يعلق عليها الجميع فشله في كل انتخابات حيث يصمها بالمزورة بطريقة أو بأخرى وهذا التكرار للخداع في كل مرة يشي بعدم القدرة على كشف هذا التلاعب وهو أيضا موجب للتغيير وضخ دماء شابة قادرة على مواجهة التحديات.

إننا نعتقد أن من الأسباب الرئيسة لهذا الفشل رداءة الخطاب السياسي وما نتقدم به في هذا الجانب ضرورة التخلى عن أسطوانة مشروخة تسم كل من يقف مع النظام بأنه مصفق يهدف للحصول على مكاسب، إن هذا الطرح يجد تعبيرا يلخصه في المثل الشعبي "عيب لحمير بالدبر" فالمعارضة الموريتانية أثبتت على مر التاريخ أنها في جلها تريد تحقيق نفس المكاسب لكن من خلال طريق آخر تعتبره أقصر معتبرة أن الأنظمة لا تمنح المزايا إلا لمن تهابه وهذا ما جسدته العديد من الوقائع التاريخية كان آخرها دخول أحزاب معارضة في حكومة ولد الشيخ عبد الله وحتى الحكومة الانتقالية التي جاءت بعدها ولم نعلم بان المعارضة غيرت في برنامج هذه الحكومات أو توجهها بل نجد أنها دخلت على ما كانت تعتبره إحدى موبقات هذه الأنظمة.

شيء آخر يحتاج الى إعادة النظر هو علاقة هيئات المجتمع المدني بالأحزاب السياسية فلهذه الهيئات التصويت لأحزاب معينة لخدمة من تحمل لواءهم وليس العكس فمن غير الطبيعي أن نستخدم النقابات كأدوات في يد هذه الأحزاب ونفس الشيء ينطبق على المنظمات الحقوقية التي يفترض أن تستغل علاقتها لرفع الحيف عن ضحايا هذه الانتهاكات بدل استخدام عذاباتهم لدعم فلان أو علان في وجه غيره من الساسة.

وعود على بدء فان الخطاب السياسي المتردي خصوصا في زينة ديمقراطيتنا " البرلمان" بات من الضروري الرفع من مستواه فمن غير اللائق أن يعمد بعض المشرعين للمس بأعراض الأفراد والمجموعات دون أن نحرك ساكنا فنحن هنا نقوم بتشييد تقاليدنا الديمقراطية الخاصة والتي ستبقى للأجيال القادمة ولا معنى أن نترك لهم كل هذا الاحتقار لمن يخالفنا الرأي.

 

10. يناير 2012 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا