لحرية والديمقراطية في إطار دولة القانون / محم ولد الطيب

لقد حملت رياح الحداثة وما رافقها من ثورات وانقلابات اجتماعية وسياسية حاسمة، إلى العالم الكثير من المفاهيم السياسية الجديدة التي كان لها الأثر البالغ في توجيه وصياغة ملامح التجربة السياسية في الغرب والشرق على حد سواء، ولعل من بين تلك المفاهيم: الحرية والديمقراطية ودولة القانون.

فكل هذه المفاهيم تعلن ضمنيا عن طي صفحة قديمة وفتح أخرى جديدة ضمن الفكر السياسي الحداثوي بكل روافده. حيث ظلت الحرية والدمقراطية مطلبين ملحين تناولهما الفكر السياسي سلبا وإيجابا، الأمر الذي جعل منهما شعارين سياسيين ومعيارين يقاس على أساسهما نجاح كل نظام سياسي، فما ذا نعني بالديمقراطية؟ وهل يمكن تصور تحقيق الحرية والديمقراطية في بلد من دون أن تكون فيه أولا دولة للقانون؟ وماهي المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دولة القانون التي غدت بدورها المثال السياسي الملهم لكل تجربة سياسية؟

إذا كانت الحرية السياسية هي تبني الفرد للأيدولوجيات التي تناسبه وانخراطه في أي تنظيم بمحض إرادته من دون أن يكون لأي شخص و لا مجموعة وصاية عليه ، فإن الدمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه، بحيث يكون هو صاحب كلمة الفصل، وهو من يقرر مصيره بنفسه.

 غير أن ذلك لم يكن ليتصور حدوثه  إلا لشعب حر  و في إطار دولة القانون التي جاءت كنظام بديل عن الدولة الإمبراطورية أو الملكية المطلقة، فماهي دولة القانون؟

يتحدد مفهوم دولة القانون بأنها هي الدولة التي تخضع وتتقيد في جميع مظاهر نشاطها بأحكام القانون، أي أن سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية لا يمكن أن تتصرف إلا في حدود أحكام القانون.

وقد نشأ هذا الفهوم ( دولة القانون) في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر إبان تداعيات الثورة الفرنسية كنظام سياسي بديل عن الدولة الإمبراطورية التي يحظى فيها الملك او الإمبراطور بحق منح الحياة وزرع الموت تجاه رعاياه.

ولقد تطور هذا المفهوم ليصبح بمثابة مثال سياسي هاد وموجه للتجربة السياسية في الغرب، ومفهوما مقارنا صراحة أو ضمنيا ؛ ذلك لأن الحديث عن دولة القانون يتضمن الحديث عن نقيضها والذي هو الدولة  الإمبراطورية مطلقة السلطات أو الدولة العصرية المستبدة.

ودولة القانون بهذا المعنى هي دولة الموسسات بالقياس إلى الدولة التقليدية دولة الأشخاص، فإذا كانت الأخيرة تقوم على الجمع بين السلطات الثلاث، فإن دولة القانون تفترض وتستلزم بجانب توازي وتقابل السلطات ومراقبتها وسيادة القانون، وجود فضاء من الحرية السياسية، يمكن كل فرد من المواطنين من أن يكون مساويا لغيره من حيث امتلاكه لصفة المواطنة ولحقوقها وفاعلا سياسيا لا مجرد مرعي تمنح له بعض الحقوق والامتيازات، هذا على المستوى السياسي.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن دولة القانون هي تطبيق لمبدأ : لا أحد فوق القانون في المجال الاقتصادي، أي إلغاء الامتيازات الاقتصادية، وإلزامية أداء الضرائب ومستحقات الدولة  بالنسبة للجميع لا فرق بين رجل السلطة  والمواطن العادي .

وعلى العموم فإن دولة القانون تقوم  على عدة مبادئ أساسية  هي التي منحتها قبولا ودفعا كبيرين، ولعل من بين أهم تلك المبادئ:

* سيادة الدستور الوطني وممارسة القوة المشروعة كضمان لأمن المواطنين.

*حماية الحقوق والحريات العامة والفردية.

*خضوع السلطة التنفيذية للقواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية.

*الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية كإجراء للحد من سلطة بعضها على البعض، وتوفير الضوابط والتوازنات بينها.

*السلطة القضائية والتنفيذية مرتبطتان بالقانون، والتنفيذية مقيدة بالقانون.

*مراجعة قرارات الدولة وأفعال أجهزتها عن طريق جهة مستقلة استقلالا حقيقيا.

*التسلسل الهرمي للقوانين واشتراط الوضوح والتحديد.

 

وباختصار يمكن أن نقول إن دولة القانون هي الدولة الديمقراطية التي تكفل الحرية لمواطنينها وتمنحهم حقوقهم دون تمييز, والتي تتقيد في جميع أنشطتها بالقانون، وهي النقيض التام للدولة التقليدية  مطلقة السلطات التي تعتبر الحقوق هبات تتكرم بها على مواطنيها ورعاياها وليست حقوقا طبيعية وأصلية.

13. يوليو 2020 - 18:07

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا