لنتعامل مع الفساد بما يناسب خطرة! / التراد سيدي

لقد كثر الكلام عن أضرار الفساد وسوء تأثيره وتم توضيح كيف يعرقل التقدم و الإصلاح ويفسد كل الخطط والبرامج وإذا أردنا مزيدا من التوضيح فلن نجد مثالا أكثر توضيحا لتأثير الفساد من الحالة التي عليها بلدنا حيث أنه بعد عشرات السنوات من بداية الإستقلال والحكومات المتعاقبة تتصرف أسوأ تصرف بمقدرات البلد وتم نفخ مليارات الدولارات منها قيمة ما استهلكنا من اتروليوهات أطنان معدن الحديد من منجمه في تيرس وتروليوهات أطنان الأسماك التي سُحبت من مياهنا التي كانت من أغنى مياه العالم بمختلف نوعيات السمك وأطنان النحاس والذهب بالإضافة إلى مئات ملايير الدولارات من المنح المالية التي تلقتها بلادنا من مختلف المصادر ومن القروض الميسرة وغير الميسرة. كل هذه الأموال وكل هذه الثروات ذهبت دون أن تترك أثرا إجابيا يذكر فبقينا بحالنا متخلفين في كل شيء بلا طرق وطنية صالحة للاستعمال وبلا سكة حديد تربط مناطقنا المختلفة وبلا بنى تحتية ومؤسسات خدمية راسخة ومجدية وبلا ثروة نقدية مكدسة في البنوك يمكن استغلالها والاستفادة بها فيما يفيد الحاضر و المستقبل كل هذه الثروات ذهبت أدراج الرياح بلا طائل وبقينا كما كنا فقراء مرضى جهلاء تائهين نبحث عن الهوية وغيرنا يرسل للمريخ مسابر ومراصد ليعرف هوية سكانه وإمكانيات الحياة عليه كل ذلك التبديد للثروات والتأخر وسوء الحال سببه الفساد و ليس تحطيمنا لمحيطنا وبيئتنا التي أصبحت صحراء قاحلة وتلويثنا الفظيع لبيئتنا البحرية إلا مظهرا لنفس الداء. فها نحن مانزال نشتري كل حاجاتنا وأكثر أغذيتنا من الخارج مكلفة خزينتنا الملايير سنويا حتى اللبن لم نستطع ونحن نملك ملايين رؤوس المواشي إبل و أبقار وأغنام أن نؤسس صناعة للألبان لسد حاجتنا أولا ثم تصدير الفائض كل ذلك الإخفاق تسبب فيه الفساد. كل هذا يوضح لماذا الفساد يشكل سرطان أصبح عدم إنهائه بسرعة وفعالية يشكل تهديدا وجوديا للبلد ... ومع كل ماذكرنا من مساوئ الفساد وخطره نرى أن البلد لم يباشر حتى الآن سياسة واضحة تنهي الفساد وتدشن توجها جيدا وجديدا تطبعه الحكمة والرشاد والاستقامة إننا مانزال نأمل أن يدرك الجميع بما فيهم المسؤولون في قيادة البلد أن البلد في خطر إذا لم يتوقف الفساد ونأمل أن يستمع الجميع لأنين هذا الوطن الذي يعاني تأثير هذا المرض الفتاك ( الفساد) الذي ما ابتليت به أمة إلا تسارع إليها الفناء و الاضمحلال والزوال .! إن مشكلتنا الآن مع الفساد مشكلة موت أو حياة إننا مجبرون على إنهائه لنضمن البقاء وكل تساهل معه كما كان الحال أو تأجيل لمواجهته يشكل انتحارا واختيارا للأخطار غير المحدودة ومنها التفكك والاندثار والفشل . إننا الآن مطالبون بل ملزمون بموقف صريح وحاسم ينهي الفساد بكل اشكاله ويعتمد سياسات جديدة مستقيمة ونظيفة في كل مناح الحياة إن الموقف الصحيح يتطلب اختيار الأكفاء والنزهاء لمختلف المسؤوليات ووضع سياسة علنية صريحة وواضحة باعتماد سياسة جديدة في اختيار الأشخاص للمسؤوليات ووضع قوانين ونظم تنهي التهاون والتلاعب وتُجريم المحسوبية والزبونية والوساطة مطلقا وتبني معيارية تؤسس لشكل جديد في التسيير وممارسة مهام الإدارة والمصالح الخدمية إن المساواة في الفرص واعتماد الكفاءة والنزاهة مع سن قوانين تخدم التوجه الجديد سيشكل نقلة تفتح الطريق نحو الغد المرجو. إن إنهاء الفساد يتطلب تنظيف الإدارة وقطاع العدالة وإعادة النظر في وضع المنتخبين الذين جاءت بهم مرحلة الفساد إن وجود مُشَرِعِينْ فاسدين يضر بالعملية الأمر الذي يتطلب إعادة الانتخاب وبذل الممكن اختيار الكفاءة والنزاهة وهذا يتوقف على وعي المواطن وتعاونه فمالم تكن الكفاءة والنزاهة شاملة فلن تستطيع أن تكون مؤثرة. إن للفساد مرتكزات يجدر التركيز عليها فمادام سارق المال العام يتمتع بما أخذ من سحت وينال الحظوة به في المجتمع ويتمكن من الترشح للبرلمان والرئاسة أحيانا مادام الأمر هكذا فلن يَأْلُوَ أحد جهدا في الحصول على فرصة العمر باختلاس ما يصلح الحال وإذا أردنا محاربة الفساد فلنجعل عدم الأمانة فضيحة ونحرص على أن لايتمتع صاحبها بما أخذ وأن يتعرض للسجن ويحرم من كل ترقية ويحظر إعطاؤه المسؤولية ويمنع من الترشح لأي مسؤولية بلدية أو جهوية أو تشريعية و لايحق له ترشيح نفسه للرئاسة ! هذا هو الذي سيجعل الناس تتهيب عدم الأمانة وعدم الإخلاص في تأدية الواجب. إن سياسة تناهض الفساد لا تتبنى اعتبار عدم النزاهة نقص في الكفاءة و الأهلية للمسؤوليات المختلفة تنقصها المصداقية وتفتقر إلى أحد أهم مرتكزاتها عندما يتم تبني سياسة شاملة و واضحة ضد الفساد سنرى الكثيرين يغيرون سياساتهم ويتسابقون في تنافس كامل لتأكيد أهليتهم واستقامتهم وطموحهم للنجاح و سنراهم يحرصون على الحفاظ على مصداقيتهم و أهليتهم وسيتجاوب المجتمع معهم ويتفاعل مع هذه السياسات ويدعمها وهكذا تبدأ عملية البناء التي تعتبر في ظروف الفساد بحكم المتوقفة وغير ممكن استأنافها رغم إلحاح الظروف ومتطلبات الحياة فلن نستطيع التقدم خطوة واحدة إلى الأمام ما لم نكنس فسادا أثر على كل شيء وأضر كل شيء وقطع مختلف الطرق المؤدية للانطلاق نحو مستقبل تقوده النزاهة نحو التقدم والرخاء و الرغد والرفاه والسلام....

 

30. يوليو 2020 - 11:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا