موريتانيا الجديدة.. هل تنجح في احتواء الربيع العربي؟! / سيدي ولد سيد احمد

altفي ظل تنامي مد الربيع العربي، انصب جل اهتمام الأنظمة العربية على البحث عن قارب للنجاة، فاحتمى بعضها وراء أسوار الأمن العالية، التي شيدت عبر عقود من الزمن، في حين  أدرك البعض الآخر أهمية  اصلاح ما أفسده الدهر، وفي موريتانيا الحديدة سعى النظام  لاعتماد مقاربة الحوار داخليا والعمل خارجيا على كسب ود بعض فعاليات الربيع العربي.

مقاربة الحوار الداخلي..  فقد سعى النظام مبكرا للتحاور مع حركة شباب 25 فبراير، باعتبارها أول صدى لتجاوب البرزخ الموريتاني مع الثورات العربية، التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس قبل أن تصل إلى مصر وليبيا وتستقر في اليمن وسوريا.

فقد حاول النظام كبح جناح تلك الحركة، بإتباع طرائق قددا، من أهمها العمل على تقسيم الشباب إلى مجموعات مختلفة، حسب مطالبها وأولوياتها، ومحاولة التأثير عليها باستخدام كافة أوراق الضغط المتوفرة.

وسرعان ما نجحت تكتيكات النظام في تفريق تلك الجموع المنادية بمطالب متعددة الجوانب وغير متجانسة في الأهداف والغايات.   فتحولت قبلة معظم ذلك الشباب من ساحة بلوكات، التي هي رمز المظالم، إلى التنافس على ولوج القصر الرمادي وعلى إنشاء أحزاب شبابية، لنيل رضاء   الحاكم وللحصول على جزء من الكعكة من صفقات ووظائف، فتعددت أسماء تلك الأحزاب من عصر وغد إلى حراك شبابي، لكن أهدافها واحدة.    وجاءت الدعوة للحوار كاستجابة لمطلب قديم للمعارضة، ومحاولة استباقية   لمنعها من التأثير في الساحة السياسية والحيلولة بينها وبين قيادة ظاهرة الاحتجاجات المتصاعدة، نتيجة تراكم المظالم وتقلص حاجز الخوف بفعل الثورات العربية، إلا أن أغلب أحزاب منسقية المعارضة، التي اكتوى بعضها بنار اتفاق دكار، فضلت عدم الوقوع مرة أخرى في فخ الحوار، محاولة انتزاع ضمانات للتأكد من حسن نوايا النظام، فرفضها الأخير باعتبارها شروطا مسبقة، محاولا شق صفوف المعارضة والدخول مع طرف منها في حوار، لم يفضي إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة في مجال الديمقراطية والعدالة والحريات الفردية والجماعية، يكون أساسها فصل وتوازن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لضمان قيام دولة القانون والمواطنة.

دولة يكون فيها للبرلمان كلمة فصل في إقرار برنامج الحكومة ومساءلتها ونزع الثقة منها عند اقتضاء الضرورة. دولة يكون فيها رئيس للوزراء مسؤول أمام نواب الشعب عن اعداد وتنفيذ برنامج حكومته.  دولة يكون فيها رئيس للجمهورية رمزا لوحدة واستقرار البلاد واحترام مؤسساتها الدستورية.

تلك مطالب مشروعة للمعارضة في زمن الربيع العربي، للاستفادة منه ولتفادي مساوئه، التي تضررت منها بلدان، لم تع دروسه ولم تحم نفسها منه، لأنها لم تدرك أن عهد الطغيان والاستبداد قد ولى وأن  فجر الحرية والانعتاق قد أشرق، وأن عقارب الساعة لن تعود للوراء، فعلى الأنظمة الراغبة في البقاء  اعتماد حزمة إصلاحات سياسية  جدية، قبل وصول رياح الربيع العربي لشواطئ دولها، فحينها لن ينفعها فهم ولا تاريخ ولا عربدة ولا إصلاح، لأن  سفينة الربيع العربي قد استوت على قلوب الشعب ولم يبقى إلا الطوفان.

مقاربة كسب ود فعاليات الربيع العربي.. نظرا للعلاقات الودية التي كانت تربط النظام الموريتاني ببعض الانظمة، التي اجتاحتها أمواج الربيع العربي، فقد تأخرت موريتانيا في استيعاب المتغير الجديد في العلاقات الدولية، حينما ظلت ترفض الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، حتى توارت  رموزه عن الأنظار.

وسعت مؤخرا لاستضافة مؤتمرات دولية، انفقت عليها أموالا كثيرة من الخزينة العامة، في وقت يشكو فيه  أغلب المواطنين من نقص السيولة وتصاعد في أسعار المواد الأساسية وتخلي الدولة عن دعم أسعار المحروقات.  

فقد استضاف قصر المؤتمرات مؤتمرين، لم يفصل بينهما إلا شهر، أحدهما كان لقاء جمع من أطياف شباب الربيع العربي في المغرب العربي، بينما خصص الآخر لجمع قادة الفكر الوسطي في العالم العربي واستصدار فتوى أو إعلانا مشتركا لتحريم الثورة على الأنظمة، باعتبار الخروج  على الحاكم حراما، إلا أن بعض قادة كبارا للرأي والفكر، من ضمن المشاركين في ذلك اللقاء الجامع، أكدوا ضرورة تفادي تأثير الثورات العربية، من خلال إصلاح ذاتي، يقوم الاعوجاج ويقود للقضاء على الاستبداد والظلم وإلى قيام  دولة العدل، مما يساعد على الحيلولة دون استنساخ تجربة الربيع العربي في كل قطر عربي.

من الواضح أن هذه المقاربات مثلت تكتيكا لتحسين موقع النظام التفاوضي والدبلوماسي، لكنها لم تشكل مخرجا حقيقيا من الأزمة القائمة بينه وبين المعارضة السياسية، لأنها لم تفض بعد إلى تجاوب حقيقي مع مطالب الربيع العربي، المتمثل في إعادة تشكيل المشهد السياسي لضمان تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وتقسيم الثروة بطريقة عادلة ومنع تدخل الجيش في السياسة.

كلما يمكن قوله هو أن واقع العالم العربي قد تغير وأن رياح التغيير ستصل إلى باقي الأنظمة العربية ولن يكون هناك، بعد قيام الثورات العربية، من عاصم للاستبداد والطغيان واحتكار المال والسلطة.

29. يناير 2012 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا