هذه هي الحقيقة / ميني أحمد ابراهيم

لطالما اختلف التجريبيين والفلاسفة حول مصدر الحقيقة هل هو العقل أم ماتدركه الحواس في العالم الخارجي؟ أم ما يوحي به الحدس الروحي بالنسبة لأصحاب العرفان؟

بل قد إختلفوا في ماهية الحقيقة ذاتها وهل هي موجودة بالفعل أم هي مجرد أوهام نتوهمها وأحكام نصدرها بالقوة؟

ولكي لانغوص عميقا في جدليات المدارس العقلية القديمة والحديثة حول فلسفة الحقيقة لِندخل مباشرة في موضوعنا الذي حددناه سلفا.

وهذه الحقيقة التي نود ذكرها هنا تتمثل في تجسيد الواقع الموريتاني المعاش، والذي يختلف جذريا عن كلام الرسميات والتلفزيونات والحملات والتجمعات ذات الطابع العام.

وليس من باب المبالغة إذا قلنا بأنه لاتوجد حقيقة موريتانية سوى حقيقة الواقع المرئية والمسموعة والمكتوبة في سجلات تاريخ لم يكتب بعد كما ينبغي له وكما حدث بدون زيادة أو نقصان.

الواقع الموريتاني يقول ويصف الحالة العامة للشعب من حيث المعيشة ونمط الحياة المادية، حياة مدنية في غالبها تفتقر لأساسيات العيش والتمدن.

فعلى صعيد الضوء (الإنارة) فإن الواقع يقول بأن ثلاثة أرباع القرى وآدوابة والفركان وأحياء الصفيح في المدن الكبرى تحتاج للضوء بشدة وإلحاح نظرا لعدمه أصلا أو عدم ديمومته في مناطق وجوده! 

وعندما نقول عدم الضوء كمشكل فإننا لا نسبح في خطابات المعارضة والناغمين إنتصارا لذواتهم، وإنما نتحدث عن أحد عناصر الحياة البشرية الذي انتقلت معه من مرحلة الظلمات إلى مرحلة الحداثة كجزء من تراث توماس إديسون والثورة الصناعية، وهذا يفسر بأن عجلة الحياة المدنية تدور بقوة الكهرباء والإنارة.

أما المياه فلاتختلف الكائنات الحية كلها_ الناطقة وغير الناطقة_ بأنها عصب الحياة ودمها ولحمها وقلبها النابض وشريانها الحيوي، ومن العجب أن هذه الربوع في نسبة كبيرة منها لاتتوفر عليها ،بل من العجب العجاب أن عاصمة الدولة تمر بها أيام بدون مياه وكأنها لاقدر الله في حرب أهلية أو وباء جيومورفولوجي كارثي!

أجارنا الله وأعاذنا من كل ذلك ووقانا شره.

أما التعليم عندنا فإنه يحتاج لتجديد المناهج وتجديد بنى مؤسساته وأساتذه وإعادة الإعتبار للمدرس المربي والأستاذ والمحاضر وكل مانح للعلم بواسطة التوصيل والتدريس ماديا ومعنويا.

ونحن فضلا عن كل ذلك نحتاج بشدة لتوسيع المستشفيات وتوفير بها طواقم ومعدات وأدوية وهذا دليل على أننا نفتقر لها للأسف.

تلكم هي الأساسيات الملحة أما الأساسيات في الدرجة الثانية من حيث الترتيب والأولوية فهي :

_ التشجير المكافح لزحف الرمال الذي يهدد وجودنا الصحراوي، والغطاء النباتي الذي سيخفف الحر في بلاد الحرة وشمسها المهلكة كما وصفها المستكشف جلييه.

_ حواجز الماء التي ستصد الغمر البحري المهدد لمدننا الساحلية وخاصة العاصمة انواكشوط.

_ ترميم طرق المواصلات والخطوط الطويلة التي بات البعض يعتبرها طرق الموت "البر السلام"

_ رفع الحرج عن الدولة بإنشاء شبكة صرف صحي عاجل وتلافي فضيحة عاصمة بلاصرف صحي تحاصرها البرك والمستنقعات!

_تخفيف مظاهر الفقر والخصاصة بتخفيف البطالة المنتشرة في صفوف الشباب والشيب الرجال والنساء بشكل رهيب يتحدث عنه الواقع وليس الإحصائيات!

هذا بصرف النظر عن ضرورة تشييد الوجه الحضاري للمدن والأرياف الموريتانية بتجميلها بناءً وزخرفا فهي بلاد وساكنة تستحق ذلك.

وكل الذي تم ذكره هو من أعماق الحقيقة وواضح في الواقع ،والواقع هو الذي ينتج الأفكار سواءً الواقع المجرد بالتعبير الهيجلي أو الواقع المادي بالتعبير الماركسي، والأفكار هي التي تصنع الثقافة الفلكلورية والروحية ،والأفكار هي التي تؤثر في بناء المجتمع ومكافحة ما تجب مكافحته مثل القبلية والتراتبية والعنصرية وسبل الكراهية والنزاع المجتمعي الذي بات الكل يتحدث عنه وينتقده بفصله عن ذلك الواقع المادي الكارثي الذي لخصناه في جمل قصيرة.

ولايكفي أن نقول سوف يحل التعليم مشاكلنا ثم ننصرف_ التعليم نفسه يعاني المشاكل_ فيجب أن نعمق هذه النظرة بالحديث عن الحقيقة التي تتسجد وتظهر في الواقع كما أسلفنا وليس الخطابات الرسمية أو الوفود أو منطق السياسة الغائي أو أشكال المواعظ الشعبية التي تزيف الوعي أو خطاب المثقف الخائف على سلة غذائه.

 

 

5. أكتوبر 2020 - 10:49

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا