هذه المنظّمات عبارة عن نوادي لرؤساء الدّول / عبدولّاي يريل صو     

 بعد ما حدث في غينيا أصبح واضحا للجميع أن كل هذه التجمّعات والمنظّمات الأفريقية عبارة عن نقابات الرؤساء تتحرّك لمصالحهم الخاصّة، ولا يفكّرون بحال من الأحوال بمصالح شعوب المنطقة، وإلا فكيف يمكن أن نفسّر هذا الصمت القبوري لمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي تجاه ما حدث ويحدث في غينيا!

بخصوص دول مجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ورؤسائها الذين يدسّون أنوفهم في كل شيء يحدث داخل إحدى دول المجموعة بحجج مختلفة، كما حدث في مالي مؤخرا من تضييق الخناق على العسكريين الذين استجابوا لحراك الشّارع الذي كان يقوده الإمام محمود ديكو ضدّ سياسات إبرهيم بوبكر كيتا، تدخلت المجموعة -ربما- بإيعاز من فرنسا القوة الدولية المسيطرة على المنطقة لمنع ديكو نفسه من الوصول إلى السلطلة هناك، وفعلوا المستحيل، ولا سيما الرئيس السنغالي ماكي صال لدفع العسكريين إلى تسليم السلطة الانتقالية إلى أناس معيّنين حسب مقاييسهم. وفي غينيا بيساو أيضا وقفت المجموعة بقيادة السيد ماكي صال أيضا، إلى جانب عمرو سيسوكو امبالو ضد خصمه الذي كان لا يعترف بتيجة الانتخابات تلك. وقبل ذلك في غامبيا، وقفت المجموعة بمباردة الرئيس السنغالي أيضا مع الرئيس النيجري محمد بوهاري وحرّكوا القوات الخاصّة السنغالية وقوات البحرية النيجرية التي حاصرت سواحل غامبيا، تلك الدولة التي يحيطها السنغال من كل الجهات باستثناء ناحية المحيط الأطلسي التي أتت منها القوات البحرية النيجرية لمحاصرة الرئيس يايا جَمّى الذي كان قد اعترف بحزيمته في الانتخابات أمام منافسه آداما باور في بادئ الأمر، قبل أن يتراجع ويعلن نفسه فائزا ويرفض تسليم السلطة للرئيس الفائز. لولا تدخل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز مع الرئيس الغيني ألفا كوندى الذي أعيد انتخابه الآن بمأمورية ثالثة بعد تغييره الدستور الغيني لذلك الغرض، لولا تدخلهما وإقناعهما السيد يايا جمّى بالتخلّي عن المنصب للرئيس الفائز؛ كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بمبادرة الرجلين (صال وبوهاري)، على وشك إحداث حمام دم هناك، لأنّهما كانا مصرين على إخراج يايا جمّى بأي ثمن. حينها فسّر البعض موقفهما على أنه بدوافع عرقيّة، باعتبار أن ثلاثتهم ينتمون إلى عرقية الفلان بشكل أو بآخر، يريدون إيجاد موضع قدم لهم في المنطقة. حتى حذّر المفكر السنغالي الرّاحل سيدي لمين انياس حينها سكان المنطقة بعودة حكم الفلان إلى المنطقة، واعتبر تلك العودة المزعومة ليست في صالح شعوب المنطقة من غير الفلان، وواجب عليهم التصدّي لها. وبوصول عمرو سيسوكو امبالو إلى السلطة أيضا كتب الكثيرون عن صعود الفلان إلى الحكم في غرب أفريقيا، بما أشبه بدق ناقوس الخطر أكثر منه تحليلات سياسية. أعتقد ما حدث في غينيا والصمت القبوري المصاحب له، أثبت لهؤلاء أن ليس لدى زعماء السنغال، نيجريا، غينيا بيساو وحتى غامبيا، أي أجندة سياسية متعلقة بصعود الفلان، ولا يتحركون من أجل سواد عيون الفلان، وإنما فقط يتحركون من أجل مصالحهم المتعلقة بتثبيت زعاماتهم، ومن أجل البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة.

     أنا باعتقادي الشخصي، أن سبب تجاهل دول مجموعة الآقتصادية لغرب أفريقيا لما يجري في غينيا، يعود إلى عدة أسباب، من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

أن هناك عددا من رؤساء دول المجموعة غيّروا دساتير دولهم كي يتسنّى لهم البقاء على السلطة لمأمورية ثالثة، كما فعل الرئيس الغيني ألفا كوندى الذي أعيد انتخابه بمأمورية ثالثة رغم ضبابية الانتخابات، أو لمأموريات، كما هي الحال عند الرئيس الإيفواري ألاسان واتارا، الذي يتحدث أنصاره بأن هذه المأمورية التي هو بصددها الآن، هي مأموريته الأولى في ظل دستور جديد، مما يعني أنهم يخططون لبقائه – إن فاز- لعشر سنوات أخرى في السّلطة. وكذلك أصبح شبه متأكد أن الرئيس السنغالي ماكي صال هو الآخر يخطط الآن لمأمورية ثالثة، وإن كان ذلك شبه مستحيل حدوثه في السنغال في الوقت الراهن على الأقل.

فيما يتعلق بعدم وقوف الرئيس السنغالي ومَن على منواله داخل المجموعة إلى جانب المرشح المعارضة سيلّو دالين جالو، و وقوفه إلى جانب الرئيس ألفا كوندى واستجابته لطلباته من غلق الحدود ومنع المظاهرات المناهضة له في داكار، والتهديد بترحيل كل غيني يثير الشغب إلى غينيا، فهذا مفهوم، لو عرفنا أن الرئيس الغيني ألفا كوندى لعب دورا كبيرا في إعادة انتخاب ماكي صال لمأمورية ثانية بكل سهولة وهدوء، وذلك عندما استطاع تحييد الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد الذي كان ينوي تعكير جو الانتخابات عند رجوعه إلى السنغال في وقت متزامن مع تلك الاستحقاقات، ولكن دعاه الرئيس ألفا كوندى إلى كوناكري، وبعد عودته أعلن (عبد الله واد) أنه لا يؤيّد أيّا من مرشحي المعارضة ممّا فسره البعض تأييدا ضمنيا لماكي صال، وهو ما سهل له حسم تلك الانتخابات في جولة واحدة، كان سيصعب عليه ذلك لو اتخذ واد موقفا مغايرا.

لِمَن يحلو لهم تفسير الأمور انطلاقا من العرقية، ربما أدرك صال وبهاري ومَن معهما، أن السيد سيلّو دالين جالو الذي ليس ضيفا على السلطة في المنطقة، لأنه كان رئيسا للوزراء في عهد الرئيس الغيني السابق لاسانا كونتى، لن يكون من السهل ليّ ذراعه والتّحكم عليه من قِبل هذه المجموعة من الرؤساء مثل آداما بارو وسيسوكو امبالو. كما أنّه لو وصل إلى سدّة الحكم قد يسحب البساط من تحت أقدام ماكي صال الذي بدأ يستفحل في أقصى غرب الأفريقي، لأنه لا شك لو وصل سيلّو جالو إلى السلطة في غينيا، سيضخّ رجال الأعمال الغينيّين المقيمين في السنغال وغيره من الدول الأفريقية وخارجها (وأغلبهم من الفلان) أموالهم عليه، وذلك يمكن أن يحوّل تلك الدولة الغنيّة أصلا إلى قطب اقتصادي إن أحسن استغلاله في ظرف وجيز يتنافس كل من السنغال ونيجريا وغيرهما، وهذا لايصب في مصلحتهما.

وأخيرا، إنّ سيلّو دالين جالو ليس صديقا لرجال الأعمال الفرنسيّين لمّا كان رئيسا للوزراء، واختلف معهم حول كيفية استغلالهم لثروات غينيا الطبيعية، ولم يوقع معهم العقود وفسخ عقود بعضهم مِن مَن كانوا يستغلون المعدن البوكسيد، وهو ما جعلهم يموّلون حملة الريس ألفا كوندى منذ بداية الأمر، تنكيلا  وانتقاما لسيد جالو!

     مهما يكن من أمر؛ فإن انتخابات غينيا الأخيرة وما صاحبها من تجاوزات، أثبتت لنا ممّا لا يدع مجالا للشّكّ، أن منظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي وغيرهما من المنظمات والتّجمعات الأفريقية، عبارة عن نوادي و نقابات لرؤساء الدول الأعضاء فيها، غاية ما يهمهم مصلحة أولئك الرؤساء، و ليس مصلحة أو إرادة الشعوب بأيّ حال من الأحوال.

 

25. أكتوبر 2020 - 16:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا