تحديات الاغلاق في ظل 56.6% من القوة العاملة في وضع مؤقت / الحسين ولد محمد عمر

تحديات كثيرة وجدت الدول النامية نفسها في مواجهتها بفعل الأزمة الصحية العالمية (كوفيد 19)، هذه التحديات تجلت في كون الأزمة لم يبق تأثيرها على المستوى الصحي فحسب، بل تطور إلى مستويات مختلفة، ولعل أهمها، المستوى الإقتصادي، حيث يتجلى الأثر الأكبر، فالدول النامية في أغلبها تعتمد في تنفيذ برامجها التنموية على تصدير المواد الأولية، وأبرز مثال على ذلك موريتانيا، فهي شبه معتمدة على الصادرات من الحديد والنحاس والذهب والسمك ...إلخ، وبما أن الدورة الاقتصادية العالمية عرفت تباطؤا شديدا، انعكس على الدول المصدرة بشكل مباشر، فنجد أن أغلبها طالبت منذ البداية، بتأجيل أقساط الدين المستحقة الدفع، وهو ما استجاب له الدائنون بمختلف مستوياتهم، حيث تم التأجيل أكثر من مرة، ولا يزال رؤساء بعض الدول الأفريقية يطالبون بالتأجيل أو الإلغاء لهذه الديون. و أوضح مثال على ذلك ما صرح به  الرئيس الموريتاني، الذي طالب في خطاب ألقاه الاثنين 30 نوفمبر 2020 في قمة مشتركة بين دول الساحل الخمس والاتحاد الأوروبي معتبر أن هذه الدول تواجه صعوبات كثيرة حتى قبل الجائحة.

موريتانيا تعتبر من الدول التي تعاني بشدة، فهي من بين الدول ذات المستوى الصحي المتدني وتحتاج للمساعدات بشدة للتغلب على الوباء، وعلى المستوى المحلي قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءت القاسية لضبط الوضعية الوبائية في الموجة الأولى، حيث أغلقت بين الولايات مع بعضها البعض وعزل نواكشوط باعتباره بؤرة للوباء، لكن هذه الإجراءات كانت أشد وقعا على العمالة غير الدائمة وأصحاب الدخل اليومي غير المنتظم، وبالنظر إلى أن اقتصاد موريتانيا ضعيف نسبيا حسب صندوق النقد الدولي، إذ تحل موريتانيا في الترتيب 147 من أصل 186 دولة حسب الناتج المحلي الإجمالي، ويعاني من بطالة تقدر ب 13.3% في النساء و 10.9% في الرجال وعمالة غير دائما تمثل 56.6% من القوة العاملة، فإن ذلك يحيل إلى وضعية غاية في القتامة.

وفي نفس الإطار يشير تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2019 بعنوان  " تقرير حول الوضعية الاقتصادية لموريتانيا ، تحسين مناخ الأعمال لتعزيز تنمية القطاع الخاص[1]" إلى وضعية عمالة صعبة على المستوى الوطني في 2017 إذ أنه من بين كل خمسة أشحاص تقل أعمارهم عن 25 سنه، أكثرمن اثنين منهم لا يتوفرون على فرصة عمل، وفي نفس الوقت فإن نسبة 44.2% من الفئة العمرية بين 14 و35 سنة لا يتوفرون على نشاطات مهنية كما ليسوا متعلمين وليست لديهم أي مهن محددة، وهو ما يعني درجة مرتفعة من الهشاشة على المستوى الاجتماعي. بالاضافة إلى ذلك تسجل فوارق كبيرة على مستوى سوق العمل بين الرجال والنساء، حيث تمثل النساء تقريبا نصف القوى العاملة الموريتانية في عمر التوظيف، إذ تصل 57.5% في حين  28.2% فقط منهن ينشطن في سوق العمل، مقابل 59.6% بالنسبة للرجال.

من ناحية أخرى يشير التقرير إلى أن سوق العمل الموريتاني شبه معوق بسبب انتشار العمالة غير الرسمية، ففي 2017 مثلت الوظائف غير الرسمية أكثر من 56% من إجمالي القوى العاملة، وباستثناء المجال الزراعي، فالوظائف غير الرسمية ترتفع في المجال التجاري حيث تصل 44% وفي مجال الخدمات 21% وفي قطاع التصنيع 26%، وبشكل عام انتشار العمالة غير الرسمية مرتفع بين الشباب في نواكشوط حيث تتركز قرابة 38% من اليد العاملة غير الرسمية. وترتفع العمالة المؤقتة أساسا في القوى العاملة من الذكورالأميون حيث تصل 63%  وفي القوى العاملة بين النساء الأميات في الفئة العمرية بين 14 و 29 سنة إلى 56%.

و إجمالا فإن العمل المؤقت أو غير الرسمي، ويعرف أحيانا بغير الدائم، لا يتيح للعامل الحصول على مرتب كافي، يسمح له بتغطية حاجاته بالشكل المطلوب، إذ أن الاقتصاد غير الرسمي يوظف غالبا العمال الأقل تكوينا وتأهيلا والأقل إنتاجية وهو عكس ما يحدث على مستوى العالم.

 مع أزمة كوفيد 19 بات العالم يعرف ظروفا وأحوالا اقتصادية تختلف في كثير من جوانبها عن طبيعة ما قبلها  فلم تعد  ظروف العمل كما كانت، إذ أصبح الكثير من العمال يقومون بوظائفهم من المنازل، حفاظا علي صحتهم، وفي ظل عمل حكومة أبعد ما يكون عن الاعتماد على الانترنت فإنه يمكن تصور الصعوبات والبيروقراطية التي ستأثر على الأداء اليومي، ناهيك عما هو موجود من قبل، كما أنه في ظل إهدار كبير للوقت في الإدارات العمومية فإنه تمت التوصية بتقليل عدد الموظفين في كل إدارة وهو ما يشيرإلى تباطئ شديد في مستوى الدورة الاقتصادية التي تعاني أصلا من البيروقراطية والفساد، وفي نفس الإطار يقول تقرير للبنك الدولي بعنوان " تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا " أنه  ( مازالت نظم المحسوبية في الإدارة العامة تشوه الهياكل التحفيزية وتؤثر على قدرات توزيع الموارد العامة وتقديم الخدمات، ولا تزال الادارة العامة أكبررب عمل نظامي ...... ومع ذلك لا تزال الوظائف العامة تتأثر بشكل كبير ومباشر بالمصالح الخاصة، ولم يتم إضفاء الطابع المؤسسي على عملية تعيين كبار المسؤولين الإداريين على أساس الجدارة والإدارة القائمة على الأداء، ولا يزال منطق السعي للحصول على الريوع (جمع ريع) سائدا عبر طبقات الإدارة، مما يتسبب بالاخلال بالسياسات العامة والحد من المساءلة عن تقديم الخدمات[2])

إذا، في ظل الموجة الثانية من الوباء تكون المعادلة صعبة للغاية، فمن جهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لمجتمع جل عمالته غير منتظمة وتعتمد الكثير من أسره على معيلة، ذات نشاط اقتصادي ضعيف، ومن جهة ثانية ضرورة اتخاذ إجراءات قاسية للحفاظ على الصحة العامة.

في الاغلاق الماضي تم توزيع مبالغ مالية نقدية على 200 ألف أسرة في 8119 قرية ومدينة، بمعدل  22500 أوقية قديمة للأسرة الواحدة بالاضافة لاجراءات أخرى متمثلة في دفع تكاليف فاتورة الكهرباء من طرف الدولة الموريتانية، وهو الأجراء الذي أثار الكثير من اللغط بعد ذلك، إذ تعتقد الأسر التي استفادت من هذه المساعدة أن الشركة ضاعفت تكلفة الفاتورة بعد انتهاء فترة الاعفاء تلك، واتباع نفس الاجراء الآن سيكون مكلف اقتصاديا ، علما أن الكثير من الاقتصاديين يعتبرون ضخ السيولة النقدية في السوق قد يساهم في زيادة التضخم ، خاصة على مستوى المواد الغذائية الأساسية على الرغم من أنها طريقة تتبع أحيانا.

عموما وعلى الرغم من أن تحمل الحكومة لهذه التكاليف خفف نوعا ما، ودون الخوض في الشكاوي من أن المواطن تحمل تكلفة الاعفاء بعد ذلك، إلا أنه يبقى دون المستوى، كذلك فإن توزيع المبالغ في ظل الاغلاق لم يكن كافيا، فكم تساوي 22500 أوقية قديمة من تكاليف معيشة لأسرة صغيرة؟ دون الحديث عن أسر أكبر، علما أن المتضرر وهي الأسر الفقيرة غالبا ما تكون بأعداد كبيرة، وأخذا في الحسبان إحصائية البنك الدولي التي تقول أن 56.6% من القوى العاملة الموريتانية في وظائف مؤقتة أو غير رسمية سيكون النظام أمام وضعية معقدة للغاية ما لم يجد جديد يجعل وقت الإغلاق قصير جدا.

.......

[1] La Banque Mondiale ; Rapport sur la situation économique en Mauritanie; améliorer le climat des affaires pour favoriser le développement du secteur privé - Mai 2019 

[2]  - وثيقة للبنك الدولي، تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا، مايو 2017 (تقرير رقم  MR-116630).

17. ديسمبر 2020 - 7:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا