زعامة إمريكا إلى أين؟؟!! (3) / التراد بن سيدي 

لقد كان القرن ال٢٠ دون منازع قرن السيطرة الإمريكية على العالم فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية توفرت لإمريكا من شروط وأسباب القوة مالم يتوفر لأمة من الأمم في كل التاريخ البشري لقد تمتعت بتفوق عسكري شبه مطلق وتفوق اقتصادي لا تنازع فيه وتم لها التحكم والهيمنة على طرق المواصلات عبر المحيطات والبحار وعلى نظم التبادل في جميع القارات و قد أثبتت توازن قوى راسخةومعترف بها من الجميع !!
لقد كانت مرحلة التنافس التي أحدثها "الجدار الفلاذي "كما كانت تسمى المجموعة الاشتراكية المرتبطة بالاتحاد السوفياتي والتي أقامت حلف وارصو الذي كان في مواجهة حلف شمال الأطلسي الذي شكلته إمريكا وحلفائها عند نهاية الحرب العالمية الثانية لقد كان دور المجموعة الأشتراكية وحلف وارصو محدودا من حيث تأثيره في العلاقات الدولية وتبادل البضائع وحركة الرساميل كأهم مظهر للقوة والتأثير في الكون ..فكانت إمريكا والمنظومة الرأس مالية التي تضم دولا كبرى مع أكثرية دول العالم كلها تتبنى نظاما رأسمالي وساعد في السيطرة الإمريكية نظامها المالي المدعوم بصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي وكذلك اعتماد العالم كله في تبادله على الدولار الآمريكي الذي أصبح يشكل عملة دولية للعالم كله لا تحتاج من يضمنها بل هي الضامن وهي الإحتياط النقدي لكل العالم ،إنه عملة جميع العالم ،فالتبادلات المالية جميعها تجري بالدولار !!!
لقد توفر لآمريكا من السيطرة والقوة مالم يتوفر لغيرها في هذا العصر وكل العصور ..ولقد تنافس الجميع في نظام ليبرالي للتبادل على مستوى العالم وعملت آمريكا لدعم التفتح والتبادل الحر للبضائع والمعلومات وكانت تقصد غايتين في آن واحد تصدير بضائعها لكل العالم وفي نفس الوقت شل وعزل الدول الاشتراكية التي لا تتبع نفس الأسلوب في التبادل ليسهل تدمير اقتصاد نظام الدول الإشتراكية التي شكلت نموذجا من الاقتصاد الموجه الذي تلعب الدولة وسيطرتها ضمانته وكانت النظم الاشتراكية تهدف لخلق نموذج اقتصاد أكثر إشراكا للعمال في ريعه وأقل اعتمادا على القيمة الزائدة التي هي مصدر التربح في النظام الرأس مالي لقد كان تفوق النظام الليبرالي على النظام الاشتراكي واضحا من خلال التطور الصناعي بسبب توفر الأسواق ومن حيث حجم الأرباح الذي سمح بمزيد من الخدمات والفوائد التي يحصل عليها سكان البلدان الرأس مالية الأمر الذي شكل ضغطا على الدول الأشتراكية التي لم تستطع إنتاج مايكفي من السلع الضرورية لمواطنيها مما سهل التعجيل بفشل تلك الأنظمة وتفكيكها وتفكيك الاتحاد السوفياتي الذي كان القائد والمهيمن عليها !!!
في الوقت الذي تحطمت المجموعة الاشتراكية تحت ضغط التنافس الاقتصادي وسباق التسلح وأسبابا أخر
قبلت الصين الشعبية الدخول في الاقتصاد المنفتح على التبادل الحر والأخذ من كل الجهات والإعطاء لكل راغب في المشاركة في التربح بما يوفره السوق الصيني الضخم!!! لقداستجابت الصين لمتطلبات الاقتصاد المنفتح في كل الاتجاهات وساعد الصينيين القدرة التنظيمية للحزب الشيوعي وتقاليد التقشف والانضباط وتوفر اليد العاملة الرخيصة لمجتمع ينبثق لتوه من ماض التخلف والفقر لقد توفرت للصين من الظروف المناسبة للبناء والتطور غير المسبوق مالم يتوفر لغيرها لقد بدأت الصين تتطور بمعدلات غير مسبوقة وبدأ التقدم يحتل مكان التخلف والازدهار يحل مكان الفقر كل ذلك بشكل اذهل كل المراقبين!!!
وإذا كانت آمريكا لعبت دورا رئيسيا في تشجيع المارد الصيني على الخروج من قمقمه فإنها استفادت أكثر من غيرها مما وفره لها السوق الصينية من تصريف أنواع البضائع ومختلف المنتوجات الإمريكية، فإنها أيضا دشنت دون أن تعلم عصر الصين غير المحددة الأبعاد.
لقد كانت ألمانيا واليابان متقدمتين جدا في مجالات تكنلوجية وألكترونية كثيرة كما أن أوروبا بكتلته
الجديدة المجموعة الأوروبية وعملتها الموحدة اليورو شكلت قوة لا يستهان بها ،وقد استطاعت روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي النهوض وتشكيل قوة يحسب لها حسابها بالإضافة إلى ابريطانيا وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية ودول كثيرة تقدمت وأصبحت لها دورها لكن كل ذلك لم يؤثر على سيطرة إمريكا المالية والعلمية والعسكرية..
لقد تخلخلت وتدهورت مكانة آمريكا قبل سنوات قليلة وبشكل متسارع أمام تطور الصين في كل المجالات لقد أصبحت الصين تهدد بزعزعة سيطرة إمريكا أكثر من أية جهة أخرى!! لقد أصبح تجاوز الصين لآمريكا في المجال الأقتصادي قاب قوسين أو أدنى فحجم إنتاج البضائع ومن كل النوعيات وحجم المستوى العلمي التكنلوجي والرقمي وحجم الإنتاج المتقدم للأسلحة المعقدة كل ذلك لم يبقى قابلا للعلاج.
لقد أصبحت سيطرة آمريكا على العالم غير ممكن استمراره ضمن إيقاع سير الأمور الاقتصادية والعلمية الحالية إن أكبر مشكلة تواجه السيطرة الإمريكية هي التوسع الصيني في كل المجالات المالية والتكنلوجية والرقمية والعسكرية!!
فليس ممكنا استمرار السيطرة المالية واستخدام الدولار لمعاقبة من دب وهب إن احتلال الصين لمكانة آمريكا ماليا لايحتاج أكثر من قرار وقد يكون هذا القرار تم اتخاذه ولا ينتظر إلا التنفيذ كما أن تجاوز الصين لآمريكا في مجال الأتصالات وفي مجال الطاقة أصبح على الأبواب عند ما أعلنت الصين في أوقات متزامنة عن تطوير يشكل طفرات مفاجئة في وسائل الاتصال وفي نفس الوقت إنشاء "الشمس الأصطناعية "التي تتوفر على مستوى من الطاقة النظيفة يفوق ماكان يجري التفكير فيه على مستوى العالم !!
إن آمريكا التي كانت تسيطر على العالم والتي ماتزال تتصرف بنفس التوجه ونفس الطموح .. والتي يصعب أن نتوقع تنازلها عن كل الأمتيازات التي حظيت بها على مختلف الصعد طيلة هذا التاريخ دون مقاومة!!

فليس أمام إمريكا إلا قبول الأشتراك مع آخرين في قيادة العالم أو الدخول في مغامرات لا يمكن التنبؤ بنتائجها إن محاولة إمريكا الاستعانة بالحمائية التي كانت تعارضها أصلا ستفشل لأن العالم كله يعارض الحمائية ومحاولتها التخويف باستخدام القوة العسكرية لا يمكن أن يخيف الصين والروس ..
إن الاحتمال الأكثر أرجحية هو أن تقبل آمريكا تعددية قطبية وتشكيل عالم جديد يخلف هذا العالم الذي عرفناه مذ النصف الثاني من القرن العشرين فهل نستطيع أن نكون في العالم القادم موجودين ومتمتعين بعقل وحصافة افتقدناهما طيلة سيطرة العم سام أم أننا "كقريبتنا حليمة لن ننسى عاداتنا القديمة"؟؟؟!!!

 

 

20. ديسمبر 2020 - 19:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا