المؤتمر الثاني لحزب "تواصل" ... صورة من الداخل / حمود ولد محمد الفاظل

شاركت كمؤتمر من مدينة نواذيبو في فعاليات المؤتمر الثاني للحزب لأمارس حقي في الترشيح والتصويت وتقديم الملاحظات والمقترحات والأسئلة مع حوالي سبعمائة مشارك من 48 مقاطعة من مقاطعات الوطن و20 وفدا من الجاليات الموريتانية في الخارج يمثلون أكثر من 73 ألف منتسب.

وهكذا وطيلة 3 أيام من العمل المتواصل أنهى المؤتمر جدول أعماله وحقق نجاحا باهرا بشهادة الكثيرين أسجل هنا كمؤتمر بعض المشاهدات والرسائل.

·         رسائل الداخل بالأرقام 

مثلت ولايات الداخل حضورا نوعيا في الكم والكيف وشكلت ولايات الشرق الموريتاني النسبة الأكبر في عدد المنتسبين فقد بلغ عدد منتسبي ولاية الحوض الغربي وحدها 25 ألف منتسب أي ما يعادل نسبة 34 %من كل المنتسبين وقد سجلت بعض المقاطعات في الداخل نسب انتساب أكبر من بعض مقاطعات انواكشوط التي تصنف على أنها معقل التيار الإسلامي  !وفي ذلك رسالة واضحة أن الحزب أصبح حزبا وطنيا واسع الانتشار وأن من يصفه بغير ذلك لم يعد مدعوما بحقائق الأرقام... وقد كان لمداخلات المؤتمرين القادمين من الداخل تميز ملحوظ لمس فيها المؤتمرون وعيا سياسيا راشدا واحساسا بمسؤولية البناء، مداخلات من أمبود وواد الناقه ،من بوكى وأطار وتمبدغه وعين فرب وكوكي الزمال  وروصو ومكطع لحجار وتامشكط وأزويرات ... عمقت معاني القناعة والحرص على صورة الحزب وأدائه بجرأة في النقد المسؤول وقراءة في خلفيات المواقف وتأثيراتها على الساحة السياسية في انضباط واضح وقناعات حزبية مبهرة لم تتكتل أثناء التصويت على رئاسة الحزب خلف جهة ولاقبيلة وهو ما أظهرته بوضوح نتائج انتخابات رئيس الحزب وذلك درس عميق يجلي حقيقة الانتماء الحزبي الأصيل والواضح لأعضاء الحزب في أنحاء الوطن ويرد على كل من يصفون الحزب بأنه حزب جهة أو قبيلة، لقد كان لروح الأخوة والوحدة التي ظهر بها المؤتمرون من مختلف الألوان والأطياف رسائل مطمئنة حين يتحدث "البيظاني" بلهجة "الزنجي"  أو العكس تلمس معاني أخوة أصيلة هي أساس للوحدة والتآخي ومرتكز أساسي نحو المزيد.

·         سؤال التغيير وبركات الشورى

قبل المؤتمر بأيام كثر الحديث عن التغيير وذكرت أسماء كثيرة واشتد ذلك قبيل التصويت على رئيس الحزب وسط حالة من الترقب والتخمين سادت أجواء المؤتمر فلا أحد يعرف إلى أين ستتجه إرادة الناخبين الحرة مع تعدد الخيارات، رغم أن البعض ينظر للتغيير نظرة قاصرة فلا يسمي تغييرا سوى ذلك الذي يطيح برأس القيادة ويأتي مكانها باسم آخر!ولم يتنبه الكثيرون إلى أن التغيير حسمته نصوص الحزب في المادة 57 من النظام الأساسي التي تمنع ترشيح  رئيس الحزب وأمينه العام ورئيس مجلس الشورى أكثر من مأموريتين ويكون بذلك الرئيس الحالي محمد جميل منصور في مأموريته الأخيرة وهذا هو جوهر التغيير، تغيير تفرضه النصوص وتصونه وتحميه... ومن المهم التنبيه هنا للممارسة الديمقراطية الراقية التي صاحبت اختيار رئيس جديد للحزب، فقد أتيح للمؤتمرين الحق الكامل في الترشح والترشيح يتساوى فيه من امضى أربع سنوات في الحزب ومن هو حديث عهد به وبعد فرز تلك الترشيحات وانسحاب 11 مرشحا بقي ثلاثة من قادة الحزب البارزين في التنافس وقد أتيح لكل واحد منهم أن يخاطب المؤتمرين في خمس دقائق ليتم بعد ذلك إخراجهم من القاعة واستقبال 18 مؤتمرا من الأكثر معرفة بالمرشحين الثلاثة وهكذا ينادى باسم كل مرشح ويتقدم له ثلاثة مجرحين وثلاثة معدلين في ممارسة ديمقراطية لا نعلم لها مثيلا وقد أبان التجريح والتعديل عن مستوى راق من النقد المسؤول الذي يتجه للصفات والمؤهلات أكثر من الشخص مما أتاح صورة شاملة للمؤتمرين وهم أمام مسؤولية خطيرة وهو ما فاجأ بعضهم الذي يحضر لأول مرة للمؤتمر وهو يشاهد  أبرز قادة الحزب اخرجوا من دائرة التقديس والمثالية إلى دائرة الخطأ والصواب وتقييم الإنجاز والمؤهلات لتقديم صورة مركبة وموضوعية للمرشحين وهو مالم يألفه الكثير ممن تعود أن يكون قادة الحزب فوق التجريح والنقد، وهكذا بدأ التصويت بعد توفير المعطيات اللازمة لاتخاذ قرار نهائي بشأن المرشحين الذين لم يرشح أحد منهم نفسه بل رشحه المؤتمرون  وبعد عملية التصويت الحرة أمام وسائل الإعلام أعلنت النتيجة النهائية وبادر المرشحان الخاسران إلى تقديم التبريكات للمرشح الفائز وبالتعبير عن استعدادهم لخدمة الحزب في أي موقع كانوا مع فرحة عارمة في قاعة المؤتمر غلبت عليها العاطفة الصادقة في مشهد ديمقراطي حقيقي سيضع كل الأحزاب السياسية الاخرى في حرجه وتحت (مسائلته) ومن المهم هنا أن نشير إلى أن نسبة 21 %من المؤتمرين لم تمنح صوتها للرئيس محمد جميل منصور بل اختارت مرشحين آخرين وتلك رسالة مطمئنة تعبر عن التنوع وتعدد التقديرات لدى المؤتمرين فهم ليسوا اتجاها تصويتيا واحدا حتى ولو كان المرشح بحجم ومكانة محمد جميل منصور.

 

 

·         نوعية التنظيم وربانية الاجتماع

لا تستطيع وأنت تحضر جلسات المؤتمرين إلا أن تلحظ بقوة أولئك الجنود المتميزين الذين يتعبون ليرتاح الآخرون ويصبرون وقوفا من الصباح للمساء موفرين أجواء مناسبة للعمل ، فتيان وفتيات متقاربين في السن سيماهم في وجوههم من أثر التضحية وآخرون من خلفهم يواصلون الليل بالنهار لا نعلمهم لكن الله يعلمهم... بذلوا جهدهم ووقتهم ومالهم لينجح المؤتمر، لقد شكلوا لوحة رائعة حين تمت دعوتهم في ختام المؤتمر وقوفا أمام المؤتمرين في مشهد متدفق بعاطفة التقدير وسط هتافات نشيد الحزب الذي تفاعل معه الحاضرون بقوة وبتناغم فني مؤثر ستظل صورته ماثلة أمام الذاكرة في أسلوب تنظيمي باهر من أروع ما رأيت...أما ربانية الاجتماع فقد كانت في التلاوات العطرة عند الافتتاح وأثناء الجلسات ودعاء الشيخ محمد الحسن ولد الددو عند بداية المؤتمر وفي اختتامه وفي إقامة الصلوات  الجماعية في باحة القصر وكلمات العلماء والمشايخ طيلة ايام المؤتمر وتأكيدهم ربانية الجلسات واستشعار معاني الإخلاص والتضحية وعبادية العمل إنها مشاهد ربانية مباركة تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة .

إن تلك المعاني الإيمانية المبثوثة في هذا النشاط السياسي تعين على الاطمئنان وتلمس الصواب والتوفيق في القرارات الصادرة عن المؤتمر.

·         مشروع جامع لمستقبل واعد...

هكذا اختار التواصليون شعار المؤتمر: مشروع جامع لمستقبل واعد فماذا عن المستقبل؟ لعله سؤال الختام ، فقد نجح المؤتمر في تجديد الهيئات والنصوص المنظمة له وانتخب قيادة شابة واعية وقوية (محمد جميل منصور رئيسا للحزب و د.الصوفي ولد الشيباني رئيسا لمجلس الشورى الوطني) بالإضافة لأعضاء مجلس الشورى والمكتب السياسي ونجح المؤتمر أيضا في نوعية الحضور الواسع والمتنوع من الضيوف سواء في الخارج   (فلسطين،سوريا،السنغال،الكويت،مالي،المغرب،الجزائر،ليبيا،تونس،مصر،السودان،فرنسا،تركيا...) أو الداخل (كل أطراف المشهد السياسي ورؤساء سابقين)  وطويت ثلاثة أيام من العمل المتواصل ، فهل انتهى كل شيئ؟

 حين تحدث الرئيس في أول حديث له بعد انتخابه وفي ختام المؤتمر قال في إيجاز بليغ إن الوقت لم يعد وقت كلام بل وقت عمل وبناء وهي إشارة مهمة ومؤشر ايجابي فليس "تواصل" اليوم مجرد مجموعة محدودة معدودة ،لم يعد "تواصل" مجرد حزب وليد يتلمس طريقا في المشهد السياسي بل أصبح حزبا وطنيا واسع الانتشار متنوع المشارب ولم تعد القيادة المركزية "النواكشوطيةّ"  كافية لاستيعاب الحزب وأعضائه الكثر بل لابد من قيادة مبثوثة في كل الأماكن والقرى والأرياف لتوجه وتشرح وترشد فالعاصمة رغم أهميتها السياسية لم تعد (الوطن) الوحيد للحزب، كما أن سؤال القيادة جدير بالتفكير والتخطيط له من الآن ولابد هنا من الدفع بقيادات جديدة (وهي موجودة) لها قابليات قوية باتجاه المناصب القيادية واعطائها فرصة للتجربة وتقديمها للساحة السياسية فقد كان التغيير ممكنا في هذا المؤتمر وقد اختار المؤتمرون إبقاء القيادة الحالية لكن المؤتمر القادم  بحول الله سيكون التغيير فيه لازما (لن يكون حينها جميل منصور من بين المرشحين لرئاسة الحزب) لأن النصوص تفرض ذلك ومن هنا كان لزاما على قيادة الحزب التنبه لذلك والتخطيط له من الآن فمكانة جميل منصور كقيادي ناجح تحتاج وقتا للتعامل معها ولايصلح معها الانهماك في العمل التنفيذي حتى إذا حانت ساعة التغيير كأن الحزب لم يهيئ بديلا من عنده ويمكن الاستعانة هنا بالتشكيلة الحالية لمجلس الشورى الوطني وببعض العناصر الشبابية الفاعلة الموجودة في مناصب متواضعة وحتى خارج العاصمة نواكشوط  فأربع سنوات في ساحة سياسية متقلبة صحبة قياديين مجربين كفيلة بإكساب الخبرة للعناصر الجديدة  والإجابة على "سؤال" القيادة من الآن ولعمري إنه لسؤال كبير له تأثيراته القوية على مسار الحزب في المستقبل.

 

26. ديسمبر 2012 - 15:55

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا