العائلة الإبراهيمية: أعزة على المؤمنين ..أذلة على الكافرين..أدلة وشواهد!! / محمدن بن الرباني

العائلة الإبراهيمية: أعزة على المؤمنين ..أذلة على الكافرين .... أدلة وشواهد!!

الحلقة الأولى: النشأة والمصطلح والمسار

 لا يكاد معنى من المعاني الشريفة يسلم من سوء الاستغلال والمزايدة، فكم رفع المستبدون شعار الديمقراطية! وكم رفع المفسدون شعار الإصلاح! وكم ادعى أعداء الدين أنهم يحمونه وينقونه ويطورونه! وتلك سنة كونية تعظم بعظم الانحراف والمتحرفين، فهذا فرعون يخطب في ملئه مغريا بقتل نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم باعتباره مفسدا للدين داعيا للفساد قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} (غافر) كما وقف فرعون هذه الأمة يوم بدر مستفتحا فقال: "اللهم أينا كان اقطع للرحم و أتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة فكان ذلك استفتاحه فأنزل الله {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} إلى قوله {وأن الله مع المؤمنين} أخرجه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ووافقه الذهبي.

 اليوم ترفع دولة الإمارات العربية المتحدة وحلفاؤها في المنطقة العربية شعار السلم والأخوة الإنسانية، وتزعم أنهم ينشرون رسالة السلام والمحبة بين البشرية جمعاء، خاصة بين أبناء الديانات السماوية، ولقد كان البوصيري رحمه الله موفقا حين قال:

والدعاوى ما لم تقيموا عليها -- بينات أبناؤها أدعياء

لا شك أن الناظر إلى المحبة التي ينشدها هؤلاء منذ نحو عقد من الزمن؛ سيجدها إقصاء لأطياف واسعة من الشركاء الوطنيين، وتدخلا في شؤون الجيران، وسعيا لحصار المنظمات الإسلامية العاملة في الغرب .. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي سماحة مع اليهود والهنود والمسيحيين واللادينيين، ومراجعة للإسلام حتى يرضى عنه اليهود والنصارى والماسونية العالمية.

  إن المسلم الذي فيه بقية فطرة حين يرى حال الأمة وتكالب أعدائها عليها، ويرى هذه الازدواجية في المواقف من بني جلدته هؤلاء، لا يمكن إلا أن يتمثل فيهم قول الشاعر:

وكنت أرجي منكم خير ناصر --  على حين خذلان اليمين شمالها

فإن كنتم لا تحفظون مودتــي -- ذماما فكونوا لا عليــــها ولا لها

 قفوا وقفة المعذور عني بمعزل – وخلـــــــوا نبالي للعدا ونبالها

أو ينشد قول الآخر:

 وإخوان حسبتــــــــهم دروعا – فكانـــــــــــوها ولكن للأعادي

وخلتهم ســــــــــهاما صائبات -- فكانوها ولكن في فــــــــؤادي

 وقالوا: قد سعينا كُـــلَّ سَعْيٍ -- فقلتُ نعمْ ولكن في فَســــــــاد

 وقالوا قد صفت منا قلــــوب -- لقد صدقوا ولكـــن من ودادي

المؤسف المدمي أن هذا الموقف لم يكن موقف أنظمة سياسية مستبدة منحرفة فحسب، بل هو موقف مشاد به ومتبنى من طرف بعض أهل العلم، وبذلك فهو يغوي ويغري ويحسن لأولئك الساسة ما يفعلون، باعتبارهم أهل بصيرة وسداد، وهم وحدهم من منحهم الشرع بصفحة حصرية التقدير والتدبير.  

الغريب أنه إلى وقت قريب حين كانت ثورات الربيع العربي في أوجها، وقبل أن تتكشف البدائل التي ستخلف الأنظمة المنهارة، كان هذا العالم يومها يدعم تلك الثورات، بل يتفهم عسكرة الثورات التي وجدت نفسها مرغمة على حمل السلاح، كالثورة السورية والثورة الليبية، لا يضن بالتوجيه والإرشاد والمباركة، معتبرا الثوار مرابطين مجاهدين، وكان بعضهم يطل من قناة الجزيرة متحدثا عن الثورة مثلما يتحدث عنها الشيخ القرضاوي والشيخ الددو لا يفترقون إلا في طبيعة التكوين والتاريخ ومستوى الاندفاع والإحساس بالمسؤولية،  يمكن مطالعة الرابط التالي لنرى أحد هؤلاء الشيوخ يثني على الثورة والثوار ويرى أن الليبيين معذورون في عسكرة ثورتهم كما يتضح من هذه المقابلة:

https://www.google.com/search?q=%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85+%D8%A7%D9%84%D8...

انقلب الشيوخ الإطفائيون على الربيع العربي، واعتبروه حريقا لا يبقي ولا يذر، وهو على وشك النجاح واستتباب الأمر، وذلك حين جاهرت بعض دول الخليج العربي بتبني الثورة المضادة له، لما بدا أن الإسلاميين البديل الأكثر حظا لخلافة الأنظمة المنهارة، فنجح حزب النهضة في تونس ثم الإخوان المسلمون في مصر، واتخذت الحرب ضد التيارات الإسلامية الصاعدة صورا شتى، وامتدت على ميادين مختلفة، و في هذا السياق كان ميلاد منتدى السلم ومجلس الحكماء المسلمين سنة 2014 وهو الذي يترأسه  الشيخ عبد الله بن بيه، والذي تعد قيادته وصانعوه أهم مروج للعائلة الإبراهيمية، وظهر الشيخ ابن بيه في أكثر من موقف علمي ورسمي، يحث على التقارب بين الأديان، دون أن يسجل له موقف في التنديد بالممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولا أن تحفظ له دعوة إلى التقارب بين فرقاء المسلمين أولا باعتبار الأقربين أولى بالمعروف.

تحرير المصطلح:

 ورد في تاج العروس مادة عول: "ومما يستدرك عليه –يعني القاموس-: "العالة: الفاقة والعائلة: العيلة وبه قرئ: "وإن خفتم عائلة" وفي المعجم الوسيط: "(العائلة) من يضمهم بيت واحد من الآباء والأبناء والأقارب (مو) -يعني أنه تعبير مولد لا فصيح- وهي فاعلة بمعنى مفعولة" والعائلة أيضا اسم فاعل من عال بمعنى جار وظلم، فمن جميل الموافقات أن هذه العائلة مترددة بين فقر القيم والأخلاق، والظلم والجور، والبعد من الفصاحة والعراقة.

والإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم، وهو اسم أعجمي فيه نحو ست لغات، وقد تسمى به أبو الأنبياء عليه السلام، والبراهمة فرقة من اليهود لا يجوزون على الله بعث الأنبياء، ويحرمون لحوم الحيوان. ولعل نسبة هذه العائلة إلى هذه الفرقة فنقول"العائلة البراهيمية" أنسب وذلك لشدة تعلق أصحابها بالعلاقة باليهود – كما سنبين لاحقا- وهو أقل ضررا من نسبتها إلى أبي الأنبياء الذي صرح القرآن ببراءته مما سوى الإسلام قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)} (الممتحنة) وقال جل شأنه: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)} (آل عمران).

بدأ مصلح العائلة الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي يبرز مع منتصف القرن العشرين في الحقل الأكاديمي الغربي بعد المقالة التي نشرها المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1949 تحت عنوان: "الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب كلّ المؤمنين" ثمّ تحوّلت "الديانات الإبراهيمية" إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها، تدرس فيه اليهوديّة والمسيحيّة والإسلامية، (الأديان الإبراهيمية) باعتبار أنها أديان بشرية تتفق جميعها على مرجعية إبراهيم الخليل الرّوحيّة والفكرية. ثم استخدم هذا المصطلح في الميدان السياسي منذ نهاية القرن العشرين أي منذ حوالي ثلاثين عاماً في الولايات المتحدة الأميركية.

ترى أستاذة العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، هبة جمال الدين أن المصطلح لم يخلق من أجل الدين والتسامح وإنما خُلق ليسيس بالأساس" موضحة أن ما "تكتبه هو نتاج عمل بحثي استمر قرابة الأربع سنوات، أنتجت من خلاله كتابين تحت مسمى (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي).. وأنها أول من طرق الباب لدراسة الأبعاد السياسية للمشترك الإبراهيمي، أو الديانات الإبراهيمية".  

هذا وقد كان من الدلالة بمكان إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسمى "الاتفاق أبراهامي" على اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، الذي أعلن عنه في 13 أغسطس 2020، وقد أوضح السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، أن سبب إطلاق تلك التسمية على الاتفاق يرجع إلى أن "إبراهيم كان أبا لجميع الديانات الثلاثة العظيمة، فيشار إليه باسم (أبراهام) في المسيحية، و(إبراهيم) في الإسلام، و(أبرام) في اليهودية، لافتا إلى أنه "لا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات أفضل من إبراهيم، ولهذا السبب تمت تسمية هذا الاتفاق بهذا الاسم، سعيا إلى دمج إسرائيل عضويا في المنطقة العربية والإسلامية.

30. مايو 2021 - 19:37

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا