النظام والمآزق المُمنهجة / د.أمم ولد عبد الله

منذ سنة ونصف -تقريباً-؛ انزلقت موربتانيا نحو مسارات تُنذر بوضع بالغ الخطورة؛ سيما وأن معظم الحلول المقدمة للخروج من هذه الأوضاع المتأزمة؛ صارت بفعل تعقيد الوضع جزءاً لايتجزأ من المشكل؛ الذي يبدو أنه تم التخطيط له بعناية؛ وعبر سلسلة من المآزق الممنهجة التي ستخلق كل الحلول المقدمة لها عناصر جديدة للتأزيم.

وسنحاول في هذه الأسطر تلخيص أهم التطورات التي توحي بأن البلد يدفع به دفعاً نحو مآزق وُضعت عبر منهج مدروس؛ سنوضحه ضمن النقاط التالية:

1-  الصراع بين المحمدين: لم تكن أزمة المرجعية التي برزت للعن سوى انعكاس لصراع مزمن  ظهر عبر  تباين مصالح المناطقية في موريتانيا؛ واستُخدمت فيه كل الأوراق المحظورة؛ كالجهوية والشرائحية لتصفية حسابات تعتمد منهج كسر عظام الخصم؛ حتى ولوكان في ذلك مساس بأمن موريتانيا في نخاعه الشوكي.

2- اختفاء المعارضة: شكل التبخر المفاجئ للمعارضة التقليدية سابقة خطيرة؛ فهي بهذا الاختفاء ساهمت في بروز معارضة افتراضية شابة؛ تشغتل خارج الحيز التقليدي المتعارف عليه؛ الأمر الذي فرض على  النظام  الحالي سن قوانين في محاولة للجم ظاهرة السب الافتراضي الخارجة عن السيطرة بطبعها. واعتقد أن قوانين من هذا القبيل ستدفع بردات فعل عنيفة يمكنها الخروج عن السيطرة بسهولة؛ في مشهد أقرب لجر السلطة الحاكمة لمواجهة حتمية مع قاعدة هرمها السكاني التي تتشكل من فئات شابة لاترى في القوانين سوى سيوف مسلطة على رقابها لانتزاع حقوقها بالقوة.

3- التضييق أحادي الجانب: ربما لم ينتبه النظام والمقربون منه إلى أن محاولة  تضييق الخناق على شباب انهكته البطالة وارتفاع الأسعار؛ هوجزءٌ من إستراتيجة التأزيم؛ وأن التعامل بمرونة مع ناهبي المال العام؛ ومعاملتهم كأشخاص فوق القانون سيدفع الرأي العام لتذمر عنيف؛ بدت ملامحه واضحةً في كل تفاصيل الحياة اليومية لسكانة المدن الكبرى. 

4- التأزيم مع الجوار: ليس من باب الصدفة أن يُستغل العامل الخارجي كجزء من هذه المآزق الممنهجة ..فاختطاف موريتانيين في مالي؛ وحرق معدات شركة  ATTM فيه رسائل واضحة للنظام الحالي؛ هدفها الأساسي هو تقويض كل مساعيه الرامية لاحتواء الوضع. وفي السياق ذاته يأتي قتل جمركي سينغالي قرب حدودنا الجنوبية على يد مجهولين.

فاستهداف الجمارك بالضبط في جارتنا الجنوبية له أهدافه الجييو سياسية؛ باعتبار أن قطاع الجمارك في السنغال يحظى باحترام خاص في الذاكرة الجمعية للسنغاليين؛ ما يعني بالضرورة أن الهدف هو نسف كل مقومات الثقة بين البلدين.خصوصا وأن عملية الاستهداف جاءت بعد الاتقافيات التي أبرمت خلال الزيارة الأخيرة للرئيس السنغالي ماكي صال.

إن تسارع الأحداث وانزلاقها نحو توتر  غير تقليدي يتطلب من أصحاب القرار اتخاذ خطوات استباقية مدروسة؛ تتجاوز الروتين الإداري الذي يبدو أنه مازال يشتغل بمنطق الستينيات من القرن الماضي؛ في منطقة أصبح العنف فيها خارج سيطرة الدول؛  ما يعني أنه صار متاحا للأفراد وللجماعات التي تدفعها ظروفهالذلك.

هي إذن منهجية محكمة؛ تختفي فيها الحدود الفاصلة بين المعية والضدية؛ لذلك يصعب على النظام تحديد الآليات التي تشتعل ضده من الداخل وبصمت؛ اتضح أنه جزءُ من استراتيجية صناعة المآزق الممنهجة التي اتخذت من طُعم المهادنة وسيلةً لتنفيذ أجندتها؛ بعيداً عن أعين الرقيب.

 

23. يوليو 2021 - 16:47

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا