اللعب بلغة أرض الفصاحة / افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

 افاه ولد الشيخ ولد مخلوككنت صغيرا وأنا المولود في الصحاري الإفريقية في بوادي "موريتانيا" أقرأ عن العرب وأشعارهم وتاريخهم وأرضهم ولا أحسبني يوما أزور تلك الرسوم والأطلال ،لاسيما أرض قريش التي علي أديمها وطئ المصطفي صل الله عليه وصحبه الكرام ،ونزل فيها القرآن بلسان عربي مبين ،

ولكن شاءت الأقدار أن تكون أول زيارة لي لها قبل سنين ثلاثة ،وما إن طمست الظلمة والارتفاع عني ضوء أعمدة انواكشوط متوجها إليها حتى بدأت أرتل القرآن أستحضر "مكة" ،وبكة ،ويثرب ،والمدينة،وعرفات،،وأنشد أحايين أخري للبيد،وعنترة ،وعمر ابن كلثوم والنابغة الجعدي ،والخنساء ،وابن رواحة....وغيرهم ،ظنا مني واهما أني ألتقي يوما بمن بقيت له بعض فصاحتهم أو عرفها أوسمع بها حتى ،لكن ما إن هتف مرشد الطائرة بأن شدوا واربطوا للنزول في مطار "جدة"حتى أطللت من النافذة بحثا عن صفوان ابن أمية يريد أن يركب البحر الأحمر هربا من المسلمين يوم فتح مكة ،ولما أعياني ذالك قلت لعلي بعمير ابن وهب الجمحي يبحث عنه ليرده لبكة آمنا ولكن هيهات لم يكن شيء من ذالك ،قلت لعل الديار هجرها أهلها ولم يبق إلا أبا بصير يقطع عليهم الطريق ،فأبصرت راجلا ساعة النزول فقلت لمن حولي أهو هو قال لا أيقنت أنه أبا جندل ابن سهيل رفيقه في قطع الطريقة أيام صلح الحديبية ،ركبت من الطائرة إلي المطار وكلي هيبة من من سأخاطبه لعلمي بعدم فصاحتي ،وعدم تعودي علي الحديث بلغة "قريش" وأستلهم في نفسي الخداع علي إن عابوا علي كلمة أخبرهم أنها من لغة "عقيل" أو "هذيل"وغيرهم ،دخلت أجر حقيبتي أتصور ساكنة الدار وحمحمة خيولهم ،وترانيم أشعارهم ،وكديك سروجهم ،وهلم جر فاصطفيت حابسا أنفاسي لمخاطبة العسكري الذي ما إن اقتربت منه حتى خاطبني قائلا "شتعود" بكسر الشين وإسكان التاء فأفهمني أحدهم أنها تعني من أي بلد ،أجبته من بلد "المليون شاعر" فتودد لي علي مضض لا فظا "إشعلومك "إشخبارك"بكسر الإلف وإسكان الشين ،يعني بذالك السلام علي ،لم أستغرب ذالك ،فدخلت المطار ألتفت يمنة ويسرة ،فلا أري إلا أشباح بشر غلاظ سمان بألسنة العجم ،لأستحضر النابغة الذبياني ينشد في سوق "عكاظ". قوم بمكة في بطحا ئها ولدوا*أبناء مكة ليسوا بالأعاريب وكأني بليلي بنت عبد الله بن الرحال الأخيلية تنشد ني وأنا أستمع: طربت وما هذا ساعة مطرب *إلي الحي حلوا بين عاذ فحبحب قديما فأمست دارهم قد تلعبت* بها خرقات الريح من كل ملعب  طرت من جد إلي مدينة رسول الله ودار المهاجرين ونزلت في المطار فكان كسابقه فلم أستغرب ،لأن الطيور علي أشكالها تقع ،والعجم في تلك الأماكن تعمل ،فركبت سيارة إلي وسط المدينة ،فإذا بجبل" أحد "عن أيماننا قلت للسائق أهذا جبل يحبنا ونحبه فأجاب "هو"تسأل عنه استغرابا فعلمت أنها لذالك الغرض في لغة مضر الجديد وهي نفسها "هو"التي تعني نعم في دارجيتنا البربرية ،تقدمنا فبدا جبل آخر فسألته عنه وأجاب "زي "فلم أفهم قال لي ضاحكا "شرواك "أي هو نفسه ،صدمت فقلت هذه ليست المدينة بل ليست جزيرة العرب ،فلما تيقنتها بدأت أبحث عن مبررات التعجم واللكنة ،فقلت إنها مأوي أفئدة الناس عجمهم وبربرهم ولعل السبب ذالك ،كان ذالك في "المدينة" ومكة "حيث سوق عكاظ وفصاحة العرب. فعزمت السفر إلي "نجد العروبة "علي بقيس في فيافيها ينشد ليلي أو بها هي و"لبنا"يتسامرن مع أخواتهن من بنات عدنان ،وبلغة العرب .فكان العكس أرض ليست بتلك التي ملأ الفراء من سماعه لأعرابها بيتا إلي السقف تقعيدا للغة العرب وحفاظا عليها ،ولا تلك التي يحتج سيبويه بكلامها ،إنها أرض "التمييز" والفول"والمعمعة"والقبلات"والمداراة"الرجل فيها يسمي "رجال" بكسر الراء وتفخيم الجيم ،والوسادة فيها "مخدة" ونعم يقال لها "سم" بفتح السين وإسكان الميم ،وما تلك إلا أمثلة للغة عدنان في حجاز الفصاحة ونجد العروبة في زمان "الحيوانية "الجديد، فرحلت في "نجد"أضرب في ربوع القوم أستنجع كلأهم ،وأبكي ديارهم ،إلا أن أعددتها في الأشهر القليلة الماضية وجناء نجباء معها الزاد ومعي قوسي ورمحي ميمما أرض عمرو ابن كلثوم لأسمع منه ، أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا* وَدُعْمِيَّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَا  إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً* أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا  مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا*وَظَهرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيْنَا وكان السفر أدبيا وشاءت الأقدار أن تكون أول مسامرة أدبية منه علي البحر الأحمر وفي ولاية "عدي ابن حاتم الطائي رضي الله عنه ،وتحديدا علي جسر الملك فهد الرابط مابين "المنامة" عاصمة البحريين و"الدمام" في شرقي مابات يعرف بالسعودية ،فلم أسمع بيتا صحيحا واحدا ولا كلمة فصيحة من ضمن الحاضرين وهم كثر ويحسبون أنفسهم أنهم مهتدون في لغة العرب ،وكان حظي إن كسرت بيتا أن أسمع وأري ترديدا لرويه_ من طرف المسامرين في تلك الندوة الأدبية حسب تعبير منظميها _.واهتزاز لرؤوس كأنها أعجاز نخل خاوية . إنها نجد العروبة أصبحت مدنها أبعد ماتكون من خيام العرب التي ضربت علي ربوعها طويلا ،إنها عائدات النفط تبني بها الجنان المعروشات وغير المعروشات ،والنخل والزرع مختلف ألوانه ،لتتجول فيها الصم البكم العمى اللذين لا يعقلون ،فاليتعجموا كثيرا ،واليتعربوا قليلا ألا ساء مثل القوم ،وساء مايزرون . لتبقي "بنو طيئ" تعير "هذيل" بالخطأ ،و"عقيل" تسخر "من عبس" وكندة يعيرون الغساسنة اللحن البواح ،أمامخزوم ،وعائذ ،وتيم ،وآل هاشم ،وآل مرة و..... فإنها ليست بأرضهم ولا تلك بدار ندوتهم ولا بذي أعلام بلدتهم المنشآت شواهد علي الفصاحة والأنفة والكرم والشهامة ،لتبكي نوحا العرب البائدة علي لغة الضاد أحري بالعرب المستعربة والعاربة ،وماهي إلا ساكنة أرض الفصحى يلعبون بها ليل نهار ،فالتبكي يازهير ويامرؤ القيس ويا ويا علي الأطلال ........وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم

4. أبريل 2011 - 11:31

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا