حتى يفهم ماكرون أن" الجزائر للجزائريين" /عالي ولد أعليوت

في القرن الثالث قبل الميلاد، حين كانت فرنسا نطفة من ماء لم يخرج بعد من بين صلب انهيار الإمبراطورية الرومانية وترائب ما سيعرف لاحقا بأوروبا، كان القائد الأمازيغي يوغرطة على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، يصنع أروع ملاحم التضحية ضد أطماع روما أتجاه مملكة نوميديا (الجزائر حاليا). تلك المملكة التي أسسها الملك سيفاكس ومن بعده الملك گايا ثم ماسينيسا وسطروا مقدمة لتاريخها العتي على طي يد النسيان، لتفسح تلك المقدمة لحقبة مشرقة من تاريخ الفتح الإسلامي للدولة الأموية بشمال إفريقيا من عاصمته «ميلة" (بين القيروان وتلمسان)، ثم الدولة الإسلامية الرستمية 777م وعاصمتها تهرت (قرب الأغواط حاليا) لتنشق الدولة الزيرية وعاصمتها ولاية "لمدية "حاليا على يد زيري بن مناد وتأسست مدينة الجزائر العاصمة على أنقاض المدينة الرومانية "ايكوزيوم" وتأخذ اسم جزائر بني مزغنه، لتظهر بعد ذلك الدولة الحمادية سنة 1007م ثم الدولة الزيانية، وبعد سقوط قرناطة اشدت الحملات الإسبانية على السواحل الجزائرية 1492م واحتلت اغلب السواحل الجزائرية بعد عجز الدولة الزيانية عن مواجهة الغزو الإسباني، ساعتها استنجدت الجزائر بالدولة العثمانية  لتطرد الإسبانيين وتصبح ولاية تابعة للخلافة العثمانية، وفي سنة 1541م مني الأسطول الإسباني بهزيمة دفعت الملك شارل لكان لرمي تاجه على الأرض واعتزال عرش إسبانيا، وبعد ثلاثة قرون شنت فرنسا معركة نافارين 1827م مستغلة توالي الهجمات على الأسطول الجزائري وبداية ضعفه، لتحتلها بعد حصار دام  ثلاث سنوات، لتجد فرنسا نفسها بين مطرقة الأمير عبد القادر وسندان عبد الحميد ابن باديس( المقاومة الثقافية) ونافخ كير الأشعار الملحمية الشاعر مفدي زكريا لتخرج فرنسا بعد 130 سنة ،خروجا  فرضه الجزائريون بالدم والألم  وفهمه الجنرال ديگول الذي كابد لظى حرب التحرير الجزائرية، وعندها قال  فهمتكم، الجزائر للجزائريين.

يبدو أن هذا الفهم تعذر على الرئيس الفرنسي ماكرون حين تطاول على تاريخ الجزائر، لأن أرشيف باريس يحفظ من تاريخ الجزائر أكثر مما رأى النور، لكن من يطلب من ماكرون ان يفهم ويتصرف بحجم تجربة الجنرال ديگول فهو لا يتذكر واقعية وتماسك الجنرال ديگول وهو يرى فرنسا تدكها ألمانيا النازية ويكرر" خسرنا معركة ولم نخسر الحرب"  وقد رد الوزير لعمامره على كلمة الرئيس ماكرون بطريقة تنسجم مع حجم من يقود الدبلوماسية الجزائرية من خلال زيارته لجناح القائد الجزائري يوقرطا في متحف روما، ولا شك أن لعمامره أراد القول وبقوة ناعمة عبر صورة تستحضر بدهاء مضمون المثل الفرنسي القائل أن الصورة أبلغ من ألف كلمة.

أما ما لم يقله الرئيس ماكرون الذي لا يجمعه والجنرال ديگول غير قدر المرور بقصر الأليزي هو أنه قد ضاق ذرعا بصمود الجزائر التي خططوا لتدميرها في تسعينيات القرن الماضي ثم الربيع العربي والحراك، ورغم كل تلك المحن الأليمة أنقلب السحر على الساحر وها هي الجزائر ترفع من جديد هامتها المخضبة بدماء طعنات الغدر وتلملم جراحها، وتتحرك بإرادة تشبه توهج النار في الحديد وتمزق كل المخططات التي كتبها المتآمرون بحبر الضغينة. مالا يفهمه الكثيرون أيضا هوأن تخبط الرئيس الفرنسي يترجم حرقة لا يمكنه الإفصاح عن أسبابها، وهي أن مصالح فرنسا بدأت تكتوي بلهيب جسارة الجزائر الجديدة على التعامل بالندية في ظرف عالمي يحمل بشائرا بتراجع حلف أمريكا والعودة غير المصحوبة بأي صخب إعلامي لنفوذ محور الجزائر التقليدي، روسيا  والصين إلى واجهة السياسة الدولية، ولو أن هذه العودة رسمت كل ملامحها بجلاء وعاينها الشعب الفرنسي وفهمها لما ارتبك الرئيس الفرنسي حول الطريقة الأمثل للتعبير عنها، لكنها معركة  جيوسياسية لم يرها بعد الشعب الفرنسي كما رأى فرنسا يدكها الألمان، وهنا ربما كان حسن حظ  ديگول الذي وصف واقعا معاشا حين قال خسرنا معركة  عكس ما يعيشه ماكرون الذي تذوب نفسه وتعتصر ألما ويتعذرعلية لعب دور(لمعيط) للحديث عن أين وصلت قافلة نفوذ حلف المعسكر الشرقي الجديد الذي تتزعمه الصين و روسيا وتنخرط في صفوفه الأولى كل من الجزائر وإيران وكوريا في مشهد نتمنى قد تكرر فيه الجزائر تجربة رمي التيجان على الأرض واعتزال العروش، تماما كما حصل مع شارل كان وتاج اسبانيا.

23. أكتوبر 2021 - 14:40

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا