مارتن وبيرام/الوجه الآخر! / المهدي بن أحمد طالب

نعم للحرية وألف نعم ، نعم للحرية من الجهل والتخلف ، نعم للحرية من التبعية العنصرية .... لا للعبودية وألف لا، لا للاسترقاق والمتاجرة بالبشر، لا لجني الأموال عبر العبيد، لا لمتاجرة بقضية عادلة في أروقة الأمم المتحدة وأزقة إيطاليا وفرنسا.... شعارات وشعارات.

متى كان عبيد الأمس أحرار، ومتى أصبح أحرار اليوم عبيدا؟؟؟

في دنيا الفوضى الخلاقة الميكافيلية ’’’ لا تستغرب أي شيء يحدث ؟ إن التوصل إلى الطرق المشروعة بطرق غير مشروعة يجعلها الزمن مشروعة ، إنه منطق أمة المجانين الميكافيلية .

بنفس التعبير أقدم مُحرر عبيد موريتانيا على محرقة كتب النخاسة كما يصفها ’’ طبعا هو يقر بأن هذه الطريقة غير أخلاقية لكنها من أجل التوصل إلى ما هو مشروع ....

قضية عبيد موريتانيا عادلة لكنها للأسف أنيطت بمحامين فاشلين !!!

نعم فاشلين ، لأن ثورتهم لم تقم من الداخل ولم تقم على أسس ومعايير تحررية ، بل اعتمدت في أساسها على السب والشتم والسخرية ، اعتمدت على ثقافة "أخوك الحرطاني" وهي إشارة واضحة المعالم تدعوا إلى التعصب والتحزب لعرق مُعين، اعتمدت كذلك على منظمات حقوقية غربية وافدة مشبوهة الأصل والفرع،،،

إننا حين نقارن منظمة حركة " إيرا " بالحركات التحررية الأخرى نجد أن البون شاسع في كيفية تعاطي حركتنا للأزمة ، فهي نبراسها الأول القس المسيحي " مارتن لوثر كنك" وتحاول أن تستخدم الأسلوب الدراماتيكي متناسية فوارق الزمان والمكان .

المحامي " مارتن " فهِم أن أعظم مشكلة تواجه العبيد هي الجهل ، فهُم وإن تحرروا ظاهرا من ملاك الأرض لن يتحرروا من رق الجهل فبدأ بنشر نظريات أساسها العدل دون أن يتأثر مُلاكهم السابقين بألفاظ النابية أو جارحة ,,,,

بيرام ولد أعبيدي كان بعيدا كل البعد عن هذا ، فقد انطلق ــ بعد سقوط نظام ولد الطايع وانتشار فوضى الديمقراطية الخلاقة ــ من ثقافة العنف اللفظي ـ على الأقل ـ بينما نجد " مارتن " قام على ثقافة السلم واللاعنف إذ أنه يقول "إن ثمرة اللاعنف هي المصالحة وإيجاد المجتمع الحبيب " ولعل سبب لين أسلوب " مارتن " هو صبغته المسيحية كقس يرى أنه يعتمد على تعاليم المسيح عليه السلام .

إن ثقافة الكراهية لا تنتج غير بذرة الحقد والحسد والبغضاء ، وثقافة الأخوة والتسامح لا تنتج غير بذور التآخي وسلامة الضمير .

إن ثقافة الإرهاب العنصري الذي يملأ قلوب بعض أتباع " بيرام " سيحول قضيتهم من حق مشروع إلى باطل مرفوض ، لماذا ثقافة الكراهية وكراهية الثقافة ؟

يقول مارتن " عند ما تكون على حق لا يمكنك أن تتطرف بما يكفي ، أما عندما تكون على باطل فلا يمكنك أن تكون محافظا بما يكفي "

قضية دفاعكم عن آثار الاسترقاق والاستعباد مشروعة ، ومن حقكم ذلك ، لكن أليس من الجور والظلم هدم مجتمع بأكمله ورميه بالعنصرية جملة وتفصيلا ؟؟؟

هل بإمكاني حين أكون متهما أن أكون عونا لك على ظلمي ؟

يقول مارتن " الكراهية تولد الكراهية علينا مقابلة الكراهية بالمحبة " أما بيرام ولد اعبيدي فيقول " علينا مواجهة فقهاء النخاسة وكتب النخاسة ودولة النخاسة وأحزاب النخاسة " والفرق بينهما أن " مارتن " ينتزع من القلوب ثقافة الكراهية ليحل محلها ثقافة المحبة ، ينزع منها ظلام الجهل ليحل محلها نور العلم ، بينما ينطلق بيرام من ثقافة المحبة السائدة والمنتشرة عند المجتمع الموريتاني ليحل محلها ثقافة العنصرية والكراهية .

نعم ، ثقافة الكراهية ، ثقافة الرقص ، ثقافة المجون .

لقد بدأ المجتمع الآمريكي من عهد الرئيس " براهام لنكون " في تفهم إشكالية السود ( العبيد ) وشيئا فشيئا تخلص المجتمع نهائيا في عهد القس " مارتن " وخاصة في خطبته الشهيرة التي عنونها " لدي حُلم " والتي ذكّر الآمركيين فيها بعهد رئيسهم " براهام " كأب للعبيد والمدافع الأول عنهم في أروقة المحاكم’’’’ لكن من الملاحظ أن القوانين الحكومية الصارمة في هذا المجال لم تحقق شيئا ، بل كان العمل على أساس نبذ الجهل والفقر .

إن الأثر الذي تركه القس " مارتن " في قلوب الآمركيين السود جعلهم يحلمون بأشياء لم تكن في الحسبان ولهذا يقول " إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم ".

نعم ، بما تنطوي عليه أخلاقهم ، من هذه النقطة انطلق " باراك حسين أوباما " ليحقق حلم " مارتن " بعد أربعين سنة من اغتيال مارتن .

ثم إن وضعية السود في آمريكا تختلف تماما عن ما هو عندنا من حيث ثقافة التمييز في السكن والتعليم ، بل إن الناظر بعين البصيرة قد لا يلحظ شيئا من هذا إلا في المناطق الأكثر فقرا وهشاشة .

إن وضعية من يسمون بالعبيد ـ رغم تحفظي على اللفظ ـ لا يمكن أن تحل دون حل جذور المسألة التاريخية وهي الفقر والتهميش والجهل ، وحين نسعى إلى خلق جو من التوعوية الثقافية بين مجتمعنا سنجد أن عامل الرق الحقيقي ( الفقر ) قد اضمحل وزال .

أما أن نبقى مكتوفي الأيدي مستخدمين سياسة " النعامة " فلن يتحقق شيء ولن تحل مشكلة .

ثم حين نصارح أنفسنا بشيء من الحقيقة نقول إن بيرام ولد أعبيدي لم ينزل من السماء ، بل خرج من طينة هذه الأرض ، والممارسات البشعة التي شب وترعرع عليها كانت رافدا أساسيا انطلق منها ، لماذا لا يقف الذين أخطئوا في حقه وفي حق غيره وأن يعتذروا؟؟؟

نعم ، لقد ساهمت قوانين الحكومة الحالية ـ على الأقل ـ بتطبيقها على من ثبت تورطهم في استعباد أو استغلال خارج عن الإطار القانوني المنظم للشغل ، وقد اعترف بيرام في أحد خطاباته السياسية بشيء من هذا .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ـ إن كنا حقا نريد حلا للمشكلة ـ لماذا لا توجد جهة حكومية مسئولة قانونا ومخولة بمتابعة قضايا الاستعباد والاسترقاق تضم مجموعة من المحامين والقانونيين بدل ترك الحبل على الغارب ؟؟؟

إننا حين ننشئ هيئة رقابية ذات سيادة نكون بهذا قد أنهينا الكثير من هذه المشاكسات والمناوشات التي تقع بين من يرى أنه يمتلك أجيرا وبين من يرى أنه كان مُستغلا ومُستعبدا ، ونقطع بهذا الطريق أمام أصحاب المصالح والأطماع الشخصية .

ثم أين الدولة ؟ أليس من حقها ومسئوليتها فرض قيم العدل والمساواة بين كافة مكونات الشعب ؟ لماذا لا تضع حدا لمظاهر العنصرية العرقية والتي يزخر منها إعلامنا المقروء ـ على الأقل ـ أليست هناك مواقع إخبارية مشبعة بمظاهر الدعوة إلى العنصرية لا تخاف عين الرقيب ؟ أين الدولة من الميثاق العنصري الذي نشر في أحد المواقع ؟؟؟

إن حرية تعبيرنا إن بقي الحال على ما هو عليه قد تجرنا إلى ما لا تحمد عقباه !!!

إن تعاليم ديننا الإسلامي ـ الحنيف ـ قادرة على خلق جو من الأخوة والسلام ، قادرة على تجاوز العقبات ، قادرة على صناعة المستحيل ، قادرة على تحويل قوانين الطبيعة التي تزخر بالثأر وحب الانتقام إلى ثقافة الإعراض عن الجاهلين والتحية بالسلام قولا وفعلا .

في يوم من الأيام قال أبو ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ لبلال بن رباح الحبشي ـ رضي الله عنه ـ يا ابن السوداء ؟ فشاكاه إلى مُعلم البشرية قيم العدل محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال له " إنك امرؤ فيك جاهلية " نعم ، كل من يعير غيره بسواد أو بياض بشرته علينا أن نصدح في وجهه قائلين " إنك امرؤ فيك جاهلية "

وأخيرا أقول " إن الاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل " علينا أن نعترف بأن هناك تجاوزات تاريخية وقعت من البعض على البعض الآخر ، والسبب في هذا هو بعض التقاليد الصحراوية القائمة على ثقافة التسلط وحب السيطرة ، لكن لن تكون تجاوزات اليوم على حريات وممتلكات الآخرين أقل إثما من جرم الأمس .

 

 

15. فبراير 2013 - 17:45

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا