لمجتمع الافتراضي و المجتمع الواقعي / القصطلاني سيد محمد إبراهيم

نعيش اليوم  في ظل الطفرة التكنولوجية الاستثنائية؛ حالة من التغير المتسارع و المستمر، الذي يشمل كل أصناف و ميادين الحياة.

و اصبح هذا التغير يفرض نفسه على الواقع و يشكل واقعا موازيا للواقع الأول يسلبه أحيانا كل صلاحياته ؛ و يوجهه الى بوصلته رغم انفه في أغلب الأحيان.

مما جعلنا نتساءل كيف يمكننا أن نوفق بين الواقعين الإفتراضي و الحقيقي دون ان نفقد البوصلة؟

في عالمنا اليوم و أمام التنافس الهائل في مجال تكنولوجيا التواصل الإجتماعي و الذي يحكمه رجال اعمال عالميين من اكثر رجالات العالم شهرة و اكثرهم ثراء؛ صار لكل فرد عالمه الافتراضي الذي يأخذ في بعض الأحيان 90% من وقته.

و من خلال ذلك و نظرا لحركية الحياة المدنية و انشغالاتها الكثيرة، و لأن مهندسي تكنولوجيا التواصل يريدونه ان يحاكي الواقع بأكبر نسبة ممكنة؛ جعلوا الاشخاص يعتمدون عليه في أدق تفاصيل حياتهم.

ثم اصبح كل كيان اجتماعي او مأسسي يسعى لتمثيله في الواقع الافتراضي من نافذة الاستفادة من خدماته، و مسايرة لذلك الواقع الافتراضي الذي أكتسح الواقع الحقيق في كل مجالاته.

و لئن كان الجانب المؤسسي يحتاج بطبيعته للاستفادة من ذلك العالم الافتراضي، الذي يسهل عمله كثيرا، رغم بعض السلبيات المتجاوزة.

إلا ان الجانب المجتمعي و خصوصا في زاويته العمومية التي تلامس المواطن البسيط في ذاته و عشيرته و قريته و مدينته؛ و كياناته المختلفة المبنية على معايير العشرة و القرابة و الجوار و الصداقة أحيانا؛ 

تلك الكيانات وجدت نفسها تلقائيا تموج بها أمواج العالم الافتراضي في بحر لجي؛ و تغمرها مياهه حتى تكاد تغرقها؛ خصوصا أنها لم تتهيأ للسباحة في ذلك البحر و لم ترسم ضوابطا و لا اهدافا و لم تدرس مآلات ما هي فيه، بل وجدت نفسها دون سابق انذار في متاهات ذلك العالم الذي يصعب ضبطه حتى على الذين أنتجوه و أرادوا الاستفادة منه.

إن الكيانات المجتمعية أصبحت اليوم محاصرة بما تنتجه ماكينة التواصل الاجتماعي من أمور تفرض نفسها على الواقع و تجعل القيادات المجتمعية في حيرة من أمرهم؛ فلا يملكون الا التفاعل معها بغض النظر عن مصداقيتها.

فلم يعد حديث الاثتين بمنأى عن التسرب و لم تعد كلمات ذلك النافذ التي لا يلقي لها بال متروكة للنسيان في حيزها الضيق؛ بل هي لحظة نطقها، تنطلق في رحلة مكوكية تتبادلها مجموعات التواصل الاجتماعي و تعيد تحليلها و تصنيعها من خلال اسقاطها على واقع أولئك و استغلالها لأهدفهم الضيقة ثم اخراجها كمنتج جديد، ربما يسبب فوضى عارمة تخلق رأيا عاما في إطارات مجتمعية أوسع حتى تصل حيز الوطن لتصبح رايا عاما وطني بل تخترق حدوده أحيانا.

ان المجتمع الافتراضي الذي تنتجه وسائط التواصل الإجتماعي ظاهرة جديدة نسبيا على كثير من البلدان؛ تحتاج الى وضعها قيد الدراسة و توجيه البرامج التوعوية حولها و استهدافها بنفس البرامج التنظيمية التي توجه لمجتمع الواقع؛ حتى يمكن ضبطها بشكل افضل.

و كذلك تحتاج الى استحضار المسؤولية التامة من خلال من يصنعون كياناتها دون ان يتعاملوا معها بأنها مجرد أدوات ترفيهية، في نفس الوقت الذي يرونها تتحكم في الرأي العام و توجه واقعهم الحقيقي بقوة يصعب الحد منها.

إن الدول تضع الأنظمة و البرامج لضبط المجتمعات و توجيهها و رعايتها و السهر على مصالحها، تعتمد الآليات المناسبة لذلك من تقسيم اداري و اقامة المؤسسات الخدمية المختلفة التي تنظم شؤون المجتمع من الفها إلى ياءها.

و لعلنا اليوم بحاجة  لصياغة أنظمة و برامج محكمة لضبط المجتمعات الافتراضية التي اصبحت اكثر حضورا من المجتمعات الواقعية و التي هي صدى لحراك افتراضي اصبح يشغل جل حياتنا ان لم اقل كلها.

 

 

 

 

24. نوفمبر 2021 - 17:20

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا