العبودية بين الحقيقة و المزايدة / امربيه ولد الديد

امربيه ولد الديدما من شك في أن الاسترقاق ظاهرة إنسانية قديمة، واكبت ظهور المجتمعات البشرية الأولى المحكومة بقانون الغاب، حيث كان القوي يتمتع بالسيادة المطلقة بينما يلتزم الضعيف بالخضوع وتنفيذ الأوامر في غياب تام الآي وصاية او سلطة، أو حتى وازع ديني أو أخلاقي يمكن أن يهذب سلطة السيد المتجبر أو يحد منها.

وقد سعى العديد من المفكرين والفلاسفة القدامى إلي تكريس هذه الوضعية ووصفوها بالطبيعية والعادلة ،كما جاء في تعريف "افلاطون" للعدالة في كتابه "الجمهورية" بأنها مصلحة الأقوى" فيما يعتقد "نتشه" أن الثقافات التي تلت المجتمع الطبيعي الأول هي ثقافات واديولوجيات الضعفاء في مواجهة القوى الغريزية العرقية المطلقة ،فالعرق الحيوي الأرقى –على حد تعبيره- تحدد وانتهى منذ زمن وليست الديانات وسلطتها الأرضية إلا اديولوجيا للعبيد.

وكان الإسلام بحق أول ثورة حكيمة هادئة لإنصاف العبيد وتحريرهم بطريقة تدريجة هادئة ومتوازنة تراعى مصلحة العبد والسيد على حد سواء بل مصلحة المجتمع وتعمل على تعزيز أواصر الأخوة والمحبة بين أفراده.

حيث سد باب الاسترقاق أمام ظهور مزيد من العبيد الجدد بتحديده مصدرا وحيدا للاستعباد هو سقوط أسرى من الكفار في أيدي المسلمين اثر معركة جهادية،

بينما رغب في تحرير العبيد الأصليين حيث جعله أولى الكفارات واحد أفضل الأعمال التي يتقرب إلي الله بها .

ولم يقف تعاطف الإسلام مع العبيد عند هذا الحد بل فرض لهم حقوقا معلومة تبدأ من عدم تكليفهم مالا يطيقون من العمل، و تنتهي بمطالبة الأسياد بنفقتهم مما ينفقون أبنائهم ،وتشمل النفقة التعليم وتنوير العقل فهلا أصبحوا أبنائهم إذن؟

الإسلام كذالك لا يعترف بمصطلح" العبيد السابقين" الذي أصبح متداولا هذه الأيام إذ يضمن لهم المساواة مع الأسياد مباشرة بعد تحريرهم طبقا للحديث الشريف :"إن أكرمكم عند الله اتقاكم".

ويتضح من ذالك أن تعاليم الدين الإسلامي بهذا الخصوص لو طبقت كما هي لاختفت ظاهرة العبودية بصفة تدريجية سلسة من المجتمعات الإسلامية، لكن المصالح الشخصية صمت أذان الأمة وخصوصا في موريتانيا عن اعتماد هذه الحلول، وان كان المؤرخون شبه مجمعين على أن نوعية الاسترقاق الموجودة في موريتانيا لا تنبن على أسس شرعية أصلا، حيث لم يكن مصدرها الجهاد في سبيل الله ،ولا الفتوحات الإسلامية، وإنما النزوات التسلطية والاستعبادية لدى لأقوياء، وذالك ما حاول الشاعر والمفكر "احمدو ولد عبد القادر" شرحه في روايته"الأسماء المتغيرة" التي يتحول بطلها "ساليف" من ابن ملك مدلل إلي عبد وضيع.

وبغض النظر عن شرعية أصل هذه الظاهرة أو عدمه في موريتانيا فإنها ظلت إحدى المعضلات المستعصية التي طرحت نفسها بإلحاح على كل الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلاد منذ الاستقلال حتى اليوم ،دون أن تجد حلا جذريا.

، ولعل استصدار قانون يجرم ممارسة الاسترقاق، وقيام الحكومة الموريتانية بحملة تحسسية جابت كل الولايات لشرحه يعد أهم خطوة قيم بها في هذا الاتجاه ،ولقيت ترحيب واستحسان مناهضي العبودية وخصوصا "مسعود ولد بولخير" الذي كان يدرجها على رأس مطالبه بوصفها حلا رسميا للقضية .

ورغم كل ذالك فان حالات استرقاق مازالت تسجل هنا وهناك مما يدل على أن الحل القانوني للمعضل لا يكفى ما لم يشفع بحل اقتصادي يضمن للعبيد إمكانية الاستقلال عن أسيادهم على الأقل في ضرورات حياتهم .

و تتطلب معالجة هذا الوضع الحساس أمام هشاشة السلم الاجتماعي في البلد، وتنامي الدعوات العنصرية البغيضة، من الدولة الموريتانية وضع استراتيجة واضحة المعالم لمساعدة من تحرروا اخيرا من نير الاستعباد حتى يستطيعون على الاعتماد أنفسهم.

12. يناير 2011 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا