تعليق على مقال: " قوات النخبة في افريقيا..الانقلابات من تآمر مستفيض الى تسويل نفس" / إشيب ولد أباتي

ماذا يساوى الوعي في  افريقيا حين يناهض المثقف العربي، والافريقي في بلادنا الأزمنة المتجددة بالشبيبة المنادية ب " ثوار ثوار ضد الاستعمار"؟!

كان مقال الدكتور شماد ولد مليل نافع، رائعا في اسلوبه وتحليله، وهو ليس مقالا عاديا، ولا في متناول انصاف المثقفين، وفي تقديري الشخصي، أنه لن يحظى بتوقع صاحبه من استجابة القراء لطروحاته القيمية، المناهضة للتغيير، ولكن، لماذا هو ضد التغيير؟

لأن المقال افتقر الى تحديد مفهوم القيم "الاخلاقية" في أنظمة الحكم التي بنى عليها  كفكرة للدفاع عن تلك الانظمة السياسية الافريقية السابقة ـ ومنها ما كان في بلادنا قبل الانقلاب في ال2009 ـ على حركات التغيير، ومن هنا كانت الفجوة بين المبررات للرفض في المقال  لحركات التغيير الثوري دون تعليل منطقي، أو موضوعي، والسؤال المطروح، هو: هل كانت هناك قيم معيارية تأسست عليها انظمة الحكم، ومن منطلق الحرص على تلك (الاخلاقية) المفترضة لغياب استنادها الى وسائل الضبط القانوني، حتى على مستوى المقولات الصورية المؤسسة للسلطات الثلاث التي استجلبت " اسميا"، لا فعليا؟

وهل يحتاج الدكتور للتذكير بأن القيم الاخلاقية على مستوى الانظمة الاجتماعية والثقافية، مقسومة بين اخلاق الاقوياء، والضعفاء على رأي " نيتشه"، وهذا الذي يمكن تفسير به (انتظامية) حركات الحكم الدائرية في حلقتها المفرغة داخل الانظمة السياسية التابعة ل " الاستعمار الجديد" على رأي " جان بول سارتر الذي قصد بالمفهوم محدودية سلطات الانظمة الافريقية الخاضعة للامبريالية الفرنسية ؟

وقد يجد القارئ العادي تبريرا لتفسير المقال على اساس التحيز لأخلاق الاقوياء من الانظمة السابقة على تلك الجديدة، ربما لاعتبار أن أخلاق الاخيرة، تساند اخلاق الضعفاء، كالرحمة، والعدل، والمساواة تلك التي تتشبث بها الجماهير التي ساندت التغيير في جمهورية "مالي"، و جمهورية" بوركينا فاسو" من أجل تحسين أوضاعها بعد أن خابت آمالها من الانظمة السابقة التي حكمت، فأفسدت الأخلاق لتقاسمها ثروات البلاد بين افرادها من جهة، ومع المؤسسات المالية الدولية، وكذلك المؤسسات التجارية التي تحكم البلاد بالوكالة في انظمة التبعية المذكورة..!

وكم يحتاج المثقف في بلادنا من رؤية إيديولوجية، لتجديد الوعي السياسي من أجل تفسير ظاهرات الحكم المؤسس على: التبعية في جميع المجالات من: السياسة، والاقتصاد، والادارة، والتعليم، الى حركة التنمية البطيئة الأسوأ من أن توصف ب"التغيير الأفقي"، لأن الأخير أكثر دينامية مما يشاهد في العواصم، والمدن، والقرى  الواقعة في غرب افريقيا، "نواكشوط"، و "باماكو"، و" واكادوكو"..

وفي كل الاحوال، فإن النقد السياسي، لا يكون منطلقه القيم الاخلاقية على مستوى النكث بالثقة من طرف قادة التغيير حيال رأس النظام الحاكم قبل الانقلاب عليه، وانما بتحكيم مبدأ القيم القانونية الملزمة للجميع، فإذا كان رأس النظام، هو من علم القادة التابعين له بالتخلي عن الالتزامات الاخلاقية والقانونية، فلم نلوم تلاميذه على تطبيق نظرياته تلك ميدانيا، وفي الحكمة التالية جواب مقنع، و" كما تدين، تدان".؟!

وعلى سبيل المثال، فإن الانقلاب الذي حصل في بلادنا سنة 2009م، هل كان سلوكا خارج حركة التاريخ السياسي في بلادنا، أوحتى خارج إطار التجاوز الذي كان قائما منذ بداية حكم المرحوم ولد الشيخ عبد الله، الذي سلم إدارة الحكم لجماعة متمذهبة بالطريقة الصوفية، وبدأت بعزل الموظفين من الوظيفة العمومية في القضاء، والمؤسسات، ابتداء من وزارة الشؤون الاسلامية، كما امتنع عن قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني بعد أن وعد المورتانيين  بذلك في وعوده الانتخابية، أليس ذلك نكثا،،؟ كما بدأ انشاء الصناديق المالية، التابع بعضها للسيدة الأولى لشراء ذمتها من لدن " الأوليغارشية" الفاسدة من تجار لا يدفعون الضرائب، ومستوردين حولوا البلاد الى سوق حر لكل ما يصنع في دول آسيا من الادوية الفاسدة، والبضائع الكمالية التي تشترى بالعملة الأجنبية المستلبة من المجتمع العام حين أخذت من المصرف المركزي عن طريق العلاقات الشخصية، والقبلية، والجهوية، والطرقية،، وبغض عن ذلك،  ما هي الخطة السياسية  القانونية الاخلاقية التي وضعت للتنمية السياسية والاجتماعية في الاصلاح السياسي المدني على عهد نظام ولد الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى؟

ومن هذه "العينات" التي وضحت عبر تتبعها ميدانيا،، إلى أي حد كان الانقلاب المذكورمبررا موضوعيا، ناهيك عن مبررات قادة الانقلاب الذين اضطروا للدفاع عن انفسهم بعد عمر من الخدمة العسكرية، ثم سرحوا من العمل بالقرارات السياسية الصادرة  في منتصف الليل ـ وليس بواسطة المحاكم العسكرية ـ على أساس ابعاد خطرهم" المحتمل"، لدفع التحكم في التنفذ الاعتباطي الشخصي لرئيس البلاد..! ولا يعني ذلك استرجاع تلك المبررات للدفاع عن الحكم السابق، او عن قادته، وإنما لإيضاح فكرة أن القيم السياسية القانونية الاخلاقية، ينبغي أن تعتمد، كمنهج شامل، وليس باعتبارها حالة استثنائية تم اخراجها من السياق في التسيير العام لتلك المنظومة الاخلاقية السياسية الفاسدة بطريقة انتقائية، كما قرأنا في المقال الأكاديمي الرائع لزميلنا الدكتور شماد..

لكن، أليس من المستغرب، أن قادة الفكر الاكاديمي في بلادنا، ألا يستجيبوا لنداء التغيير في المجتمعات العربية، والأفريقية التي تفاعل حراكها السياسي مع حركات التغيير التي اسقطت  الأنظمة الفاسدة،،؟

لقد كان الأولى بالفكر الأكاديمي التنويري أن يوجه رؤاده بالوعي السياسي التغييري المناهض للنفوذ العسكري الغربي الذي تم فرضه على انظمة دول الساحل، وحكامها "الوكاء" لفرنسا،، لا أن يكونوا اصحاب الضمير الميت الذي لايهزه ما يشاهده اصحابه من المآسي  في كل يوم من ظلم اجتماعي جراء المؤامرات الكبرى التي قضت على كل أمل لدى المواطن المورياني، والأفريقي عموما منذ الاستقلالات التي تم الإعلان عنها تحت الحماية الفرنسية منذ منتصف القرن الماضي الى حد الآن!!

8. مارس 2022 - 16:10

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا