اغتيالُ أبو عاقلة واستغلاله السياسي في موريتانيا / ‏أمم ولد عبد الله

يُجمع المختصون في الإعلام بأنواعه المختلفة على اهتمام الشعب الموريتاني بكل ما يحدث خارج حيزه الجغرافي، فالقضية الفلسطينية مثلاً تحتل الصدارة في أولويات المشاكل المطروحة للمواطن العادي على الرغم من الإكراهات العويصة التي تواجهه في حياته اليومية، كالفقر، والبطالة، وارتفاع نسبة الأموية...
وفي دراسة لأحد المختصين أُعدت في العام 2015 شملت تحليل الرأي العام الموريتاني لعشرين سنةً، توصل الباحث إلى أن أكثر المواضيع المُثارة في المساجد والجامعات وفي الأماكن العامة والتي استولت على اهتمام الغالبية العُظمى من هذا الشعب كانت حول العراق وفلسطين وأسامة بن لادن...
هذه المتلازمة " الاهتمام بالأحداث الخارجية" تَظْهَر في مُسميات أحياء العاصمة التي تحمل غالبيتها أسماء مناطق شهدت معارك طاحنة، تل الزعطر، الفلوجة، قندهار... وها هي اليوم تُعيد إنتاج نفسها من خلال حادثة اغتيال مراسلة شبكة الجزيرة، والتي حَظيت بتعاطف شعبي واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في البلد، وحتى داخل الحوانيت في الأحياء الشعبية، فالجميع هنا يتحدث بحرقة عن حادثة الاغتيال مُتناسيا ظروفه الصعبة التي تسببت في اغتيال وتهجير عشرات الآلاف من بني وطنه.
كان من الطبيعي في ظل هذا الجو العاطفي المُفعم بالمشاعر، أن يدخل أصحاب السياسة على الخط، بطريقة غير تقليدية، هذ المرة، فالرئيس الموريتاني السابق الغائب عن وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة، وجد فرصته في هذا المد العاطفي ليبعث برسائل متعددة الدلالات، حين غرَّد على اتويتر قائلا:" بقلوب مفجوعة أتقدم بخالص العزاء إلى الكلمة بعد اغتيال الحقيقة وإلى الشعب الفلسطيني عامة، ولأسرة الصحفية شرين أبو عاقلة بشكل خاص. مع كامل التضامن مع الأسرة الصحفية العربية والدولية ".
واضح من أسلوب التغريدة أن الرئيس السابق يُحاول ركوب الموجة من خلال العزف على وترَيْن في غاية الأهمية بالنسبة له، يتعلق أولهما بمحاولة تبديد الشائعات السائدة عن طريق إدارته  لملفات العشرية، الأمر الذي سيمكنه من دخول المشهد من جديد، وبآليات أكثر قدرة على مواجهة إكراهات تحاصره منذ تسليمه للسلطة،  فالرجل الذي فُرضت عليه إقامة جبرية صارمة ووُجهت له كل التهم التي يمكن تصورها عن الفساد في موريتانيا، يحاول التسلسل للمعترك السياسي من جديد  عبر التفاعل مع الأحداث المؤثرة، سواءً في جانبها الداخلي الذي يمثله التعاطف الشعبي الواسع مع أبوعاقلة، أو الخارجي ممثلا في القضية الفلسطينية، أما ثانيهما فلا يعدو كونه استعطافاً للصحافة الدولية، خصوصا  قناة الجزيرة، وتذكيرها بكونه يستحق أن تحظى معاناته بجزء ولو يسير من التغطية، تحت يافطة كونها منبراً لما منبر له. 
خروج رئيس المكتب الإعلامي عن صمته الذي قارب الحول، رغم الأحداث المتلاحقة والانتقادات الحادة والجارحة في بعض الأحيان لسياسة فخامة رئيس الجمهورية، يوحي بأن أصحاب القصر الرمادي فهموا، ربما متأخراً، أن ولد عبد العزيز بدأ المعركة بأسلوب أكثر دهاء، والظاهر أنهم لم يوفقوا في استغلال الأحداث –إعلامياً- على الوجه الأكمل، وذلك ما أوضحته تغريدة ولد لحبيب الذي طالب بتمكين أسرة الصحفية من معرفة حقيقة ملابسات قتلها، مُعرباً عن تعازيه لكامل الأسرة الصحفية عامة، والعاملين بشبكة الجزيرة خاصة، على إثر اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة.
بدت تدوينة مدير المكتب الإعلامي الرئيس أقرب لأسلوب موظف في مؤسسة إعلامية، أكثر من كونها تعبيراً مركزاً عن أجندات رئاسة الجمهورية، ما جعلها تخرج عن سياق الأحداث والمتطلبات التي تفرضها المرحلة، ففي هذا النوع من المناصب لا يكفي أن تكون مُتحمساً وضليعاً في اللغة العربية فحسب، بقدر ما يجب عليك أن تمتلك ناصية التوظيف السياسي للأحداث بشقيه اللبق والماكر.
لم يَحِدْ الناطقُ باسم الحكومة عن البرودة ذاتها في التعاطي مع مقتل شرين حين قال: " وفاة الصحفية شرين أبوعاقلة،.. وفاة أي صحفي حدث مُدان ويشجب.., أعزي في الصحفية شرين أسرتها أهلها وزملاءها..." 
لقد أدرك أصحاب القرار في موريتانيا أن واجهتهم الإعلامية لم تستطع التوظيف السياسي الأمثل لقتل مراسلة الجزيرة في الضفة الغربية، نظرا لمجموعة من الاعتبارات بعضها متعلق بالأسلوب والبعض الآخر راجع لتغييب البعد السياسي في الإعلام، وهو أمر يتطلب حِرفيةً وقدرةً على استيعاب الرسائل المشفرة التي يبعث بها القادة السابقون الذين أدمنوا السياسة على منصات التواصل الاجتماعي.
عموماً ثمة ضرورة لوضع خطة استعجالية لتمكين القائمين على الإعلام الرسمي من استيعاب الأحداث وتصنيفها حسب نوعية تأثيرها، ليتم التعامل معها بالأساليب الفنية المطلوبة وفي التوقيت المناسب، سعياً لسحب البساط من تحت أقدام الخصوم السياسيين الذين أصبحوا يعتمدون على ظاهرة المد والجزر في العالم الافتراضي لتحديد مناطق الاصطياد في السياسة. 
 

16. مايو 2022 - 10:42

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا