المشاريع التنموية .. أسباب التعثر وضعف الأداء / محمد الأمين عبد محمد نافع

يعتبر تصريح رئيس الجمهورية و بعد ذالك و زير الداخلية فيما يتعلق بضعف أداء المرافق العمومية و الادارات المحلية اعتراف ضمنى بالاختلالات الجوهرية التى تعيق تطبيق برنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزوانى" تعهداتى".
بعد تلك التصريحات الواضحة أدلى وزير الاقتصاد و القطاعات الانتاجية السيد كان أثمان بتصريحات حول المشاريع التنموية مثلت صاعقة على رؤوس الاشهاد. .
يسرنا ان انتهز هذه الفرصة لتصليط الضوء على بعد الأمور الفنية التى تمكن من فهم الوضعية الحالية للمشاريع و كذالك فهم اسباب التعثر الذى تكلم عنه معالى الوزير.

 

*- تعريف المشروع التنموى

المشروع التنموي هو عبارة عن انشطة مختلفة تمكن من تحقيق اهداف معينة و نتائج تصب فى تحسين الظروف المعيشية و تساهم فى القضاء على النواقص و المشاكل المطروحة فى مجال معين و فى حيز ترابى محدد. غالبا ما يكون المشروع نتيجة لدراسة تشخيصية تمكن من معرفة المشاكل المطروحة و تحديد الاهداف و الآليات و كذا تحديد التكلفة المالية الموارد البشرية و الفترة الزمنية و كذا المستفيدين المباشرين و غير المباشرين. ومن الازم ان تكون هذه الأمور كلها هي بوصلة التنفيذ و يجب على القائمين على المشروع التمسك بها و الحرص على التنفيذ مع مراعاة معايير الجودة و احترام المنهجية التى رسمت خلال أعداد دراسة المشروع. و فى هذا الإطار يعتبر جانب المتابعة و التقييم المستمر عاملا أساسيا فى نجاح المشروع شريطة ان يكون هذا التقييم بدون محاباة و يتمتع بالوسائل الازمة و بالاستقلالية.  نظرا لصعوبة هذه الشروط يلجأ الممول إلى إيفاد بعثات تقويم محلية للتأكد من نجاعة التنفيذ. ( سنعود إلى هذه النقطة).
  * شروط الحصول علي التمويل
من أجل الحصول على التمويل يتم اعداد دراسة فنية تمكن من تشخيص الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للمنطقة المستفيدة كما يتم تحديد الاهداف و النتائج المتواخاة من المشروع و فى هذا الإطار يجب أن يكون المشروع قابل للتنفيذ من حيث استجابته للمعايير التالية:

 - المطابقة مع الاستراتيجيات الوطنية و المحلية
- الجدوائية الاقتصادية و الاجتماعية
- التوازن بين الميزانية و الانشطة
- قابلية التنفيذ و الاستمرارية ...الخ

*نوعية المشاريع المنفذة  و توزعتها الجغرافية

لقد استفادت كل الولايات المورتانية من عدة مشاريع تنموية اقتصادية، أجتماعية فى مجالات متعددة: 
- زراعية- تنمية حيوانية-  صناعية- صحة- تعليم- بئة- حقوق الانسان- الشباب و الثقافة- النوع و حقوق المرأة- الخ. و بصفة عامة تتمحور التمويلات حول التصدى للتغيرات المناخية،  مكافحة الفقر و الهشاشة خاصة فى المناطق الريفية و لصالح الفئات الهشة.
يجب التنيه الي ان التوزعة الجغرافية للمشاريع تظهر تفاوة كبير بين الولايات فيما يخص عدد المشاريع المنفذة حيث يلاحظ ان جل المشاريع  اي التمويلات تتمركز فى الولايات ذات الكثافة السكانية و المقدرات مثل ولايات الضفة و الحوضين و لعصابة بينما تبقى ولايات تكانت و ادرار و اترارزة و داخلت انواذيبو و انشيرى اقل حظا.  

 

*مصادر التمويل

 بفضل موقعها الجغرافي و المصداقية السياسية تستفيد مورتانيا من الشراكة متعددة الأطراف و من الشراكة ما بين الدول كما تستفيد من عدة شركاء من بينهم البنك الدولى، صندوق الأمم المتحدة، برنامج التغذية العالمى، ، الاتحاد الأوروبي، التعاون الفرنسي و الألماني و الياباني و الاسبانى الخ. و يشكل الدعم العربى من خلال الدول و الصناديق العربية دعما كبيرا و متنوع  لكنه لا يحظى بما يناسبه من تغطية اعلامية فى الوقت الذى يستفيد البنك الدولى و الآتحاد الاوروبى على سبيل المثال عادة من تقطية اعلامية واسعة.
يجب الإشارة إلى أن التمويلات تمر عبر مشاريع ممولة و منفذة من خلال القطاعات الوزارية و فى هذه المشاريع رغم كثرتها و تنوعها لا يعلم حجمها و مصيرها الا السؤولين المباشرين.
و هناك نوع ثانى من المشاريع المنفذة من خلال منظمات المجتمع المدنى وطنية و دولية و هي كثيرة جدا و متنوعة و تعبؤ مبالغ كبيرة و كبيرة. الا أن هذه المشاريع تخضع لضوف
ابط دقيقة من أجل قبولها و تخضع لرعاية دقيقة و مستمرة.

كما قال وزير الاقتصاد ان مجموع التمويلات يعتبر طائلا و يمس كل المجالات التنموية الا ان المعلومات الدقيقة حول حجمه و مألاته تبقى عادة محصورة عند المسؤولين  و مصالح الدولة.

* آليات التنفيذ و التسيير

يتم تنفيذ معظم المشاريع التنموية من خلال و حدات تنفيذ تتكون من مسير أمر بالصرف و فنيين يتغير عددهم حسب نوعية المشروع و حسب التمويل المتاح. تتمتع بعض المشاريع بوحدة جهوية لاكن التسيير يبقى ممركزا من طرف الوحدة المركزية. يجب الاشارة إلى أن بعض المشاريع تنفذ من داخل ديوان الوزارات من طرف مستشارين للوزير دون أن تكون هناك وحدة تسيير بالمعنى الكامل و بكل المتطلبات وذالك رغم أهمية و حجم التمويلات.  
*من أسباب التعثر
مع اعترافنا بأننا لا نملك كل المعطيات الموضوعية التى تمكننا من الجزم بما نقول و بأن ما نقول لا ينطبق بالضرورة على كل المشاريع يمكننا أن ننطلق من تجربتنا الخاصة (١٥ سنة من الخدمة فى المشاريع التنموية) يمكننا حصر المشاكل و اسباب التعثر فى ما بلى:  
- تدخل الوزراء و النافذين فى اختيار منسقى المشاريع مما يجعل المسير يخضع بسهولة للضغوط و لمطالب و ضغوطات مصالح أولاءك المسؤولين . و هنا اشاطر رأي المقال الذى بعنوان: "حضور الذات و غياب المؤسسات". من المؤسف أن تلك التبعية يتأثر بها و ينقاد لها كوادر لهم كفاءات جيدة و تجارب عريقة.
- غياب تام لمبدئ المكافئة و المحاسبة حتى من طرف الممول
- ضعف و تهميش أدوات و مسؤولين المتابعة و التقييم رغم ان الدراسة الفنية تتعهد دائما باعطاء أهمية كبيرة لهذا الجانب.  
- تلعب اجرائات الممولين المعقدة دورا كبيرا فى بطئ التنفيذ و تتأثر أيضا بالمستوى الفنى للقائمين على المشاريع إذ يصدرون وثائق تعيق حصولها بسرعة على الدفعات المالية
- تركز أغلبية المشاريع على الدراسات و التكوينات و الملتقيات التى تستنزف جل التمويل مع غياب انجازات ملموسة تضمن الاستمرارية و الجدوائية
- كثرة المتدخلين فى المنطقة الواحدة مع غياب التنسيق مما يؤدي إلى تشتت الجهود و تكرار نفس الانجازان من عدة أطراف
- ضعف أداء اللجان الجهوية المكلفة  بتوجيه وبمتابعة المشاريع إذ انه لا يمكن للتلك اللجان توجيه المشاريع لا من ناحية النوع و لا من ناحية المستفيدين لان لكل ممول اسلوبه و لكل مشروع برنامجه المعد سلفا
- لقد اعتمدت بعض المشاريع مقاربة تشاركية تمكن ضمنيا الولاية من المشاركة فى توجيه المشاريع او ابداًء الرأي و لكن هذا الإجراء المهم بات اكثر ابروتكوليا لان اللجان الجهوية لا تملك القدرة اما الفنية اما الإدارية على تغيير اشياء كبيرة  فيما هو مبرمج من طرف المشاريع المتدخلة.
 نلاحظ بمرارة ان  جل ان لم نقل كل المشاريع المنفذة من طرف المنظمات الوطنية و الدولية خاصة لا تحظى بالمتابعة الازمة من طرف الدوائر الإدارية المحلية إذ تكتفى بالتبليغ عن الانشطة فى احسن الأحوال.

 

* الحلول المقترحة

كما فى دراسات أعداد المشاريع يمكننا أن نقول ان الحلول من أجل تحسين أداء المشاريع تكمن فى:
* التشخيص الفنى الموضوعى و بدون تكلف . انطلاقا مما سلف يمكننا التفكير معا فى الاقتراحات التالية :
* مراجعة أدوات و معايير اختيار المنسقين و تكليفهم بدفتر الالتزامات يتم تقييمه كل ستة أشهر على الاقل
* أعطاء أهمية قصوى لمصالح المتابعة و التقييم أكاد اطالب بعدم تبعيتها
لمنسق المشروع
* أعداد تقارير تقدم الانشطة كل ستة أشهر و عقد ملتقى لعرضها أمام الولاة و الممولين. اظن ان ما صدر من الوزارة فيما يتعلق بإعداد التقارير ( تقرير شهرى) لا يكفى لتقطية الانشطة 
* إعطاء دور اكبر للولاة و اللجان الجهوية من أجل المتابعة و تزويدهم بالفنيات و الوسائل الازمة لذالك
 * ادماج فعلى للمشاريع المنفذة من طرف منظمات المجتمع المدنى الوطنية و الدولية فى دائرة المشاريع القطاعية الوطنية
* ترسيخ الشفافية و الموضوعية فى أعداد التقارير الفنية و المالية
* تفعيل للجان الفنية الجهوية و المقاطعية الخاصة بمتابعة المشاريع التنموية
* فرض التنسيق و التكامل بين المتدخلين بوضع آلية توافقية تمكن من ذالك
* البحث عن آلية تمكن الولايات الاقل استفادة من المشاريع من الحصول على تمويلات من الدولة تعوض عزوف الشركاء...

اعترف بأن المقال لن يمكن من الخوض فى التفاصيل و لكن الهدف كان المشاركة فى النقاش و تقاسم بعض جوانب من التجربة الشخصية. 
ارجو ان يمكن من فهم بعض الأمور و ان يستفيد اهل الشأن من هذه الملاحظات.

 

و الله و لي التوفيق.
محمد الامين عبد محمد نافع
خبير تنمية محلية و مجتمع مدنى

 

 

 

4. يوليو 2022 - 8:35

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا