من المستفيد من الحرب الأوكرانية الروسية؟ وكيف؟ / محمد طالب بوبكر

و قبل أن اتكلم عن الحرب الأوكرانيه الروسية دعني أشير إلى نقطة اعتقد انها مهمة.

برأيي الشخصي السبب الرئيسي للحروب دومآ هو الاقتصاد حتى و ان ظهرت الصورة بشكل مختلف او حاول البعض إعطاء هذه الحروب مبررات مسببات أخرى.

و اعتقد اننا لنفهم الحرب الأوكرانيه الروسية من الضروري ان نعود قليلآ بالزمن.

في فترة الحرب الباردة التي كانت تدور بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي و المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، كان الصراع و الذي سمي بالحرب مجازآ كان صراع متشعب لكنه كان يتمحور حول مناطق النفوذ لكل من المعسكرين. و كان الصراع في الواقع ليس صراع على الأراضي، بل على مصادر المواد الأولية و خصوصآ مصادر الطاقة و على الأسواق. و ان دققت في كل المناطق التي كانت تدور فيها رحى الصراع بين المعسكرين لوجدت ان اساس الصراع هو أحد هاتين النقطتين، المواد الخام و الطاقة او الأسواق.

ما حصل بعد انتهاء الحرب الباردة، تحول العالم لعالم جديد احادي القطب هو الولايات المتحدة و حليفاتها، و للحقيقة ان هذا المعسكر فرض سيطرته و بأشكال مختلفة على معظم بقاع الأرض و أصبحت مصادر الطاقة او بالأحرى دول و حكومات الدول الهامة لتصدير الطاقة تابعة و تساير السياسات و المصالح الأمريكية و الغربية، كما تم فرض سياسات و اتفاقيات جديدة فيما يتعلق بالتبادل التجاري ضمن من خلالها الغرب دخول و تسويق بضائعة في غالبية أسواق العالم بحرية وبتسهيلات كبيرة.

بمعنى آخر، عالم احادي القطبية أصبح يفرض، سيطرتة بشكل كبير على مصادر الطاقة و الأسواق ،و هذا هو المهم للدول الصناعية الغربية الكبرى.

بدأت الأمور تتغير و تنذر بتغيُّر المعادلات عندما بدأت الصين تعتمد سياسة جديدة عندما شجعت الإنتاج الضخم و قليل التكلفة. و قد ساعدت الصين عدة عوامل جعلتها تنجح في هذه السياسة منها السماح بانتاج بضائع بجوده منخفضة و رخص أجور العمال و حجم العمالة الضخم في بلد يشكل سكانه حوالي خمس سكان العالم و عوامل عديدة مختلفة.

و نتيجة نجاح الصين في سياساتها أصبح اقتصاد الصين يحقق اكبر معدلات النموا في العالم، و أصبحت البضائع الصينية لا تغزوا فقط الدول الفقيرة بل حتى أسواق الدول الرأسمالية الكبرى.

لذلك بدأ ناقوس الخطر يقرع في رؤوس حكومات الدول ذات الاقتصادات الكبرى ،فالبضائع الصينية قدمت بديل رخيص لبضائع الغرب مما أثر على المؤسسات الاقتصادية الغربية بتقليص الأسواق التي كانت تستجر بضائعه و إنتاجه.

الحروب المباشرة و العسكرية بين القوى الكبرى في زماننا لم تعد مقبولة، ليس اخلاقيآ بل لأن الاقتصاديات العالمية الكبرى لا تريد و لا تتحمل أن تدخل في حروب تصيبها بالدمار خاصة أن الأسلحة الحديثة و اهمها النووية تنتشر في كثير من دول العالم خارج التحالف الرأسمالي الغربي.

لذا كان التصدي العسكري للغزو الاقتصادي الصيني للعالم ليس خيارآ واردآ للغرب الرأسمالي. بل ان المواجهه المباشرة باي شكل غير عسكري تبقى مخاطرها عالية. لذا لجأ الغرب لأسلوبه المعتاد في العقود الاخيرة بخوض معاركه بالوكالة و على أراض خارج اراضية.

روسيا و ان كانت ذات اقتصاد محدود الا انها لازالت تملك وزنآ كبيرآ في العالم خاصة انها من أهم الدول المصدرة للطاقة كنفط و غاز بالإضافة لأنها من أهم مصدري الحبوب في العالم. كما أن موقعها و كون اتساع رقعتها منحها موقع مهم لكثير من دول العالم و نخص هنا أوروبا و الصين. و نمور دول جنوب شرق آسيا.

و مع ظهور شخصية مثل بوتين بدأت السياسة الروسية تعمل على تشكيل حلف او شبة حلف روسي صيني للتصدي للنفوذ و السيطرة الغربية فروسيا هي الأقرب للصين و الاسهل لتزويدها بالطاقة. كما أن سياسات الحكومة الروسية التي بدأت تعود لسياسات التوسع حسب طموحات رئيس مثل بوتين ادت إلى اعاده سيطرة روسيا على بعض مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق بل إضافة لذلك تم تدعيم العلاقات مع أوروبا من خلال خطوط الغاز التي تزود الغاز الروسي لأوروبا و بسعر رخيص و منافس.

لذا أصبح الخطر الذي يستشعره الغرب يأخذ شكلآ جديدآ فلم تعد الصين و تمدد نفوذها التجاري هم الخطر الوحيد، بل ان الخطر بدأ يخترق صفوف المعسكر الغربي و الذي بدأت تستشعره الولايات المتحدة خصوصآ عندما بدأت تتطور علاقات روسيا مع أوروبا مما قد يهدد نقوذ و سلطة الولايات المتحدة حتى على حلفائها في أوروبا.

لذلك قررت الولايات المتحدة التصدي بشكل غير مباشر للتمدد الصيني من جهه و لتحجيم التمدد الروسي في أوروبا من جهه اخرى.

لذلك كما عادتها بدأت الولايات المتحده بالتجهيز لتخوض هذ الصراع على أراض غير أراضيها و لم تجد افضل من أوكرانيا لتخوض هذه الحرب. فبدأت حملة تحريض لأوكرانيا لاستفزاز روسيا من خلال تشجيع أوكرانيا للدخول في خلف الناتو.

طبعآ و حتى لا أطيل اكثر، كلنا نعرف مجريات الأحداث لكني، ساتكلم عن كيف تطمح الولايات المتحدة لجني الفائدة من هذه الحرب.

بداية تم كسر ارتباط أوروبا بروسيا و الذي كان محور خطوط تغذية الغاز الروسي لأوروبا. و الذي كان يزيد ارتباط أوروبا بروسيا لذلك يشكل قلقآ للامريكان.

كما أعاد لأوروبا ذكرياته في الحرب العالمية الثانية و التي جرت الويلات على أوروبا و لم تستطع أوروبا إنهاء الحرب حينها الا بعد تدخل الولايات المتحدة.

و لان أوروبا لم تبني قوة عسكرية كبيرة منذ الحرب العالمية الثانية اما نتيجة الاتفاقيات التي تمنع بعض الدول مثل المانيا كبرى اقتصاديات أوروبا مثلآ عن بناء قوة كبيرة و انتهاءً بالدول الاوروبية التي لم تعد تشعر اي خطر عسكري لذلك ركزت جهودها على بناء الاقتصاد و اهملت الجيوش.

لذا و عندما بدأ الصراع في أوكرانيا لم يكن هناك مهرب من أن تلجأ أوروبا مرة أخرى لحماية الولايات المتحدة و التي تملك فعلآ الكثير من القواعد العسكرية في أوروبا.

و في نفس الوقت تم تحجيم الطموح الروسي بالعودة للساحة الدولية كطرف منافس و قطب جديد محتمل في وجه التحالف الرأسمالي الغربي، و ذلك من خلال استنزاف الموارد الروسية في هذه الحرب و أضعاف قرأتها العسكرية و الاقتصادية.

اما عن الصين و التي، قد تبدوا خارج الصورة فالواقع ان هذه الحرب تستهدفها أيضآ و بشكل خطير و ان لم يكن مباشر.

الصين و ان كانت تمتلك الكثير من الشركات الكبرى و ذات النفوذ الا ان الاقتصاد الصيني، يعتمد كثيرآ على المشاريع المتوسطة و الصغيرة و ما يحصل في العالم و خاصة تأثير الحرب على سلاسل التوريد و بالذات فيما يتعلق بالمواد الغذائية و اقصد هنا الحبوب و الزيوت، بالإضافة على انعكاسات الحرب على سوق الوقود و التي ادت لارتفاعات كبيرة في أسعار الوقود، كل ذلك ادى إلى حالة تضخم و ارتفاع للأسعار بشكل مستمر و كبير في معظم دول العالم.

هذا بدورة أعاد تحديد ألويات الاستهلاك عند المواطنين في غالبية بلاد العالم و الذي بدأ فعلآ في التقليل من حجم الطلب على البضائع الغير ضرورية.

المصنع الغربي القوى سيصمد في ظل انخفاض الطلب على بضائعه لكن من سيتأثر هو الشركات الصغيرة التي لا تمتلك قوة مالية كبيرة و التي تتمركز بشكل رئيسي في الصين.

لذا فأنا اعتقد ان الولايات المتحدة تراهن على انهاك الاقتصاد الصيني من خلال هذا السيناريو. مع اني اعتقد انها لن تنجح بذلك.

بالطبع هناك الكثير من النقاط الأخرى المهمة التي يجب أخذها باعتبار في هذه الحرب لنرى الصورة بشكل واضح لكنني أطلت كثيرآ و لا أعتقد أن من الحكمة الاطالة اكثر.

المشكلة تبقى ان روسيا دولة نووية و القيادة الروسية الحالية تحكمها العقلية السوفيتية.و الصين و ان لم تتدخل في الحرب بشكل مباشر الا انها تراقب بحذر و قد يكون تفاعله مع الأحداث خطير و ق. يقلب المعادلات. و هذا يعني ان توقع مجريات الأمور غير ممكن في، ظل كل هذا الوضع المعقد، بل قد تشطح مجريات الأحداث بعيدآ عن ما خطط له و يسعى له الأمريكان.

و المرجح برأيي ان الكل سيخرج خاسرآ من هذه الحرب أو لنقل ان لا أحد سيستطيع تسجيل اي نصر حقيقي كحصيلة نهائية.

هذه الحرب غالبآ ستكون نقطة تحول ستغير الخرائط السياسية و الاقتصادية و العسكرية في العالم لعقود قادمة.

اعتذر على الإطالة و مع اني حاولت الاختصار كثيرآ الا ان الموضوع كبير و متشعب ...

25. يوليو 2022 - 10:07

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا