مهمشـــون في بيت الزعيم ولد بلخيــــــــر !! / أحمد ولد الســــــالم

أحمد ولد الســــــالمثمة  مقولة  تقول ، بأن محادثة بسيطة أو حواراً قصيراً مع إنسان حكيم يساوي شهرا من  الدراسة ، وهذا ما  لمسته  في نهاية  لقاء جمعني ومجموعة من الاصدقاء مطلع الاسبوع الماضي مع الرئيس مسعود ولد بلخير  في منزله الكائن في حي تفرغ زينة ،

 وهو حي لم  أنل  شرف  زيارة   اجزاء كبيرة منه  من قبل  على  الاطلاق ، لذا  كنت بحاجة  الى دليل  ماهر بدروب  ذلك الحي  الذي  يكرس بوضوح شديد   التفاوت الصارخ  بين الشمال والجنوب ، فقد  لفت  انتباهي  - وأنا القادم من توجنين - ان الشوارع  هنا  نظيفة و فسيحة وخالية تقريبا من زحمة السير التي نعاني منها عند تقاطعيْ  الرابع والعشرين  وتنسويلم  ودوار مدريد الذي يشكل ، في  نظري ،ذروة المأساة المرورية ، حيث  تكثر  الحوادث و يتبادل السائقـون مختلف الاسلحة المتاحة من سب و شتم وصدم متعمد .. وضغط على الابواق  ونفث مقصود  للدخان من عوادم  هيكال   سيارات بالية  انتهى عمرها الافتراضي منذ  زمن  في اوروبا  وجيء  بها  الى  بلاد السيبة  لتكون  مثواها الأخير .. ومن جملة  ما  لاحظت   في  تفرغ زينة أيضا  ان  نزعة حب التميز هي المسيطرة  هناك ،  فكل واحد  يبني  على هواه  دون مراعاة  لأبسط  قواعد  الانسجام العمراني.

المهم ، انطلقت أنا و اصدقائي  الى  بيت  الزعيم ولد بلخير لنلتقيه  ونسمع منه .. وكلنا ننتمي  لشريحة  "لمعلمين " تلكم الشريحة الاكثر تهميشا  وظلما على الاطلاق  لدرجة  لا تكاد  تصدق ،  فمثلا لا يوجد  من ابنائها :  عمدة  قرية  واحدة  ، أو  والي ولاية واحدة ،  أو نائب واحد في البرلمان الموريتاني بغرفتيه ،   أو وزير  واحد  ، أو  سفير او قنصل واحد  ، ولو  في جمهورية ارض الصومال  غير المعترف بها  دوليا .. رغم ما تزخر به  هذه الشريحة  من الكفاءات وحملة الشهادات من مختلف التخصصات ... وفي ضوء  هذا الوضع المشين  وما  ينضاف إليه  من  مظاهر  التهميش  الاخرى  والنظرة الدونية  غير المبررة ،  بدأ  حراك  تلكم  الشريحة  يتزايد  وبدأت نبرة  صوتها   ترتفع  منذ  سنة  من الآن ، مطالبة  بالحد الادنى من  الانصاف  والمشاركة  في صنع القرار وفق  ما يكفله  الدستور  لا بناء  هذه الشريحة التي  فَرَضَ علينا المجتمع  التقوقع   داخلها  على  كــــرهٍ    مــــنا  ،  وإلا لما  كان  لمثل  هذه  الشريحة   ان  تكون  موجودة  اليوم  ، لولا  تخلف المجتمع   وعدم  قدرته  على  تجاوز هياكله القديمة  القائمة  على تقسيمات  مهنية عمل  الأنانيون  على  ترسيخها  وتكريسها   مع  مرور الزمن حتى  أضحت    دينا  يُتعبد به  ، وعقيدة لها حراسها  وأسطورة  هاجعة  بقوة  في  مخيالنا  المريض ، والتي على ضوئها  انقسم المجتمع الى فسطاطين : فسطاط الملائكة  وفسطاط الشياطيـــن ،  رغم  وضوح    تصادم  تلك  المزاعم  والأساطير مع   أبسط  مبادئ  ديننا  السمح .. ومنطق العقل وضرورات العصر.. وابسط  قواعد الديموقراطية  وحقوق  الانسان .

لذا لم تكن  زيارتنا  للمناضل الكبير والزعيم الرمز  مسعود  ولد  بلخير  مجرد  صدفة  بل اختيرت بعناية بالغة ، لما للرجل من  رصيد معروف  في  الكفاح السلمي  لنيل الحقوق  من جهة  ، ولما يتمتع به  من  حكمة  وخبرة  ورجاحة عقل  ووزن  سياسي من جهة أخرى ..ومن منطلق ، ايضا ، أن  من  ذاق  كاس الظلم  ادعى  أن  يكون  اكثر تفهما  للمظلوم  اكثر من  غيره ... لأجل ذلك  كله ، تولدت لدينا القناعة  والرغبة  في أهمية  التحدث  مع الرئيس  ولد بلخير ، فجاءت الاستجابة سريعة ، واختار الزعيم  الزمان والمكان المناسبين . إستــقبلنا  بحفاوة بالغة عند مدخل منزل  الرئيس ، و لم   يطل انتظارنا  في  صالة الضيوف  التي جمعت بذكاء  بين  الاناقة  والبساطة والأصالة المتمثلة  في وجود نماذج تراثية  رائعة من الصناعة التقليدية  الوطنية الخالدة ، مثل  مدفع "الفردي" و "إيلويش البز "..وقد  كانت  تلك   النماذج  تتصدر الصالة  وتعانق  ضيوفها  بحرارة  بالغة... وفجأة  وبدون سابق انذار  دخل  علينا  مسعود ولد بلخير  الزعيم  والمناضل والإنسان .. مرحبا  بنا بحرارة  شديدة  مصافحا   ومعانقا  ، حتى  لكأننا  ابناؤه  أو اصدقاؤه المقربون   ، بعيدا  عن الرسميات  و الابرتكولات  وكأننا  لسنا  أمام  الشخصية الثالثة  في  الدولة ... تواضع  جم  لا تخطئه  العين   ، يعز عليك  ان تجد  له  نظيرا  في  حاكم  مقاطعة  او رئيس مصلحة .

بعد  عبارات  الترحيب  والمجاملة  أعطانا  الرئيس  الكلمة  فتكلم  رئيس الوفد  عن هدف الزيارة وعن معاناة  الشريحة  التي  نالها  ما  نالها  من  صنوف  ظلم " ذوي  القربى"  وما لحق بها  من  تهميش  وإقصاء  ، متسائلا  عن  سبل  تغيير  هذا  الواقع  المؤلم . كان مسعود  طيلة حديثنا – معه-  يصغي  بعناية  بالغة ،  حتى  لكأن  على رأسه  الطير .. ثم تناول  هو الكلام  ، فأعرب  عن  دعمه التام   ومساندته  غير المشروطة  ، ثم  قال - مازحا – (زبيناكم  احن لحراطين ) ، وتكلم  مسعود الانسان - وهو يغالب الدموع - عن مرارات  الماضي   مستأنسا بمعاناة  "لحراطين " والإرهاصات الاولى  لكفاحهم الطويل ، مشددا  على  ضرورة   انصاف  كل مظلوم   وعلى أهمية  الحرص  على التعايش السلمي  المشترك  بين  اطياف المجتمع الموريتاني . ودعنا  الرئيس والمناضل  الكبير  مسعود  ولد بلخير  في  نهاية  ذلك  اللقاء الاخوي و الذي  نتمنى  أن  لا  يكون  آخر  لقاء  لنا  معه  ، وقد  اثلج   صدورنا  بما اسمعنا  من  طيب  القول .. وما  لمسنا  منه  من ارادة  صادقة و  استعداد تام  لدعم  ومساندة  ما نراه  جميعا حقا  مشروعا   لمكون  عريق  من  مكونات  الجتمع  الموريتاني  .                                          في طرق  العودة  بدأت  أتأمل   رفاقي - خلسة - فأدهشني  أننا  ننتمي   لمناطق    وانتماءات  مختلفة  ، فهذا من شرق  البلاد  والثاني من  جنوبها  وآخر من  الشمال ... وهذا  إسلامي الهوي  وزميله  الجالس بجانبه  بعثي حتى النخاع .. والآخر  ناصري ...وهكذا . بيد  أن  المضحك والمبكي  في قصة أصدقائي انهم  جميعا  كانوا  ضحايا  للتهميش ، ليس  من  طرف  الدولة  والمجتمع  فحسب  ،  بل  حتى  من قبل   رفاقهم في  الكفاح  السياسي  ،  فلا الاسلامي  منهم   انصفه اخوانــه  الاسلاميون لإعتبارات غير مفهومة  الراجح  انها ليست  دينية  ..  ولا العبثيون  كانوا  اكثر ثورية  فانصفوا  رفاقهم   عملا  بوصايا  مشيل  عفلق .. ولا الناصريون  استلهموا  من  عبد الناصر نزعته  التحررية التي ترجمها في   دعمه ومساندته  لحركات التحرر في افريقيا وبقية العالم الثالث  .. ليظل  " لمعلم " في كل الاحوال  حبيس  المقاعد  الخلفية  أينما حل  او ارتحل ..و ليبقى سلوك  الانتلجنسيا  الموريتانية  عصي  على الفهم  والتوصيف ... والشكوى لله.

 

بقلم : أحمد ولد الســــــالم

[email protected]

8. مارس 2013 - 11:40

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا